الحركة الاجتماعية في العراق: أساليب متنوعة بهدف الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية
بەر دەستە بە زمانی کوردی
بقلم: د. جاسم الحلفي
ورقة قدمت من قِبل علي صاحب منسق المنتدى الاجتماعي العراقي، خلال اعمال المؤتمر السادس لمبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي، السليمانية ، اقليم كوردستان العراق
المقدمة:
تندرج موضوعة المظاهرات الواسعة التي انطلقت في 25 شباط 2011 وتواصلت صعودا وهبوطاً واتخذت زخماً جماهيرياً واسعاً في 31/تموز/ 2015، وشملت مراكز المحافظات والأقضية والنواحي، واستقطبت قطاعات شبابية من مختلف طبقات المجتمع وفئاته الاجتماعية، ضمن مفهوم الحركات الاجتماعية الجديدة، التي تجلت بداية في الحركة الطلابية في فرنسا أواسط عام 1968، عند نزول الطلاب إلى الشوارع وانضمام العمال إليهم، واستجابة أوساط واسعة من الشعب الفرنسي سريعا وبصورة منسقة، أدهشت العالم وأذهلته. انصب الكثير من الاهتمام على الحركة الاجتماعية الجديدة، التي انتشرت واتسعت نشاطاتها على مستوى بلدان متنوعة وعلى مستوى العالم، وتوقف المفكرون عند خصائصها وسماتها، التي ترتكز على أفقية التنظيم، ووحدة الهدف، وسعة النشاط، وشعبية المساهمين به، وغيرها.
لم يكن من بين مساعي الحركات الاجتماعية الاستحواذ على السلطة السياسية كما هو شأن الأحزاب السياسية، مع أنها تعمل على توظيف آليات العمل السياسي المباشر لممارسة أنشطتها وتحقيق أهدافها. فهي ترفع مطالبها إلى صناع القرار وتسعى للتأثير في صنع القرار، هي تأمل في ترسيخ نمط معين من المشاركة السياسية.
بواعث انبثاق الحركة الاحتجاجية في العراق
تشكل الحراك الاجتماعي الراهن في العراق على خلفية أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية، أهم مظاهرها تعمق الفوارق الاجتماعية بفعل الاستقطاب الكبير في توزيع الدخل والثروة. والحراك الحالي هو احدث صور الاحتجاج على الأوضاع المزرية التي يقبع العراقيون تحت نيرها، وهو يعد مؤشرا واضحا على رفضهم نظام المحاصصة الطائفية والفساد، وسخطهم خصوصا على نهج اقتسام الغنائم الذي هو أساس بناء النظام السياسي والإداري بعد 2003. حيث تمترس الفساد في مؤسسات الدولة واستباح ثروات العراق وبددها، وتسبب في تدهور الوضع الأمني ووقوع ثلث مساحة العراق تحت احتلال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وفي تكوين المليشيات و انتشار السلاح خارج المؤسسات العسكرية للدولة.
سمات الحركة الاحتجاجية
- وضوح الهدف: لم يلتبس شيء على المتظاهرين، الذين طالبوا بوضوح وجرأة بإصلاح النظام السياسي وتخليصه من المحاصصة والفساد والترهل، واعتماد الهوية الوطنية بدلا عن الهويات الفرعية، هي بالنهاية تطالب باقامة الدولة المدنية على قاعدة العدالة الاجتماعية.
- البعد الوطني للمظاهرات: إذ شملت محافظات العراق كافة، بأقضيتها ونواحيها وقراها، باستثناء الواقعة منها تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش)، وللدلالة على وطنيتها رفعت العلم العراقي دون غيره من الإعلام، ولم تسمح برفع صور الرموز الدينية والحزبية.
- الطابع الشعبي العام: وتجلى في إسهام ناشطين من جميع طبقات وفئات المجتمع العراقي، عمالا وفلاحين ورجال أعمال ومثقفين ونساء، فيما كان الحضور الغالب للشباب.
- المحتوى الاجتماعي: فالقضايا والمطالب التي تمس الجانب الاجتماعي، حاضرة بوضوح كبير في شعارات المتظاهرين وهتافاتهم المنادية بالعدالة الاجتماعية، والضمان الاجتماعي ومكافحة البطالة، وتضييق الهوة بين مستويات الدخل، ومعالجة سلم الرواتب.
- مشروعية المطالب: ذلك إن ما يطبعها بنحو خاص هو كونها مشروعة وممكنة، ومن ضمنها ما يمس عيش الإنسان وحقوقه واحترام آدميته وضمان كرامته. والأموال التي رصدت في الميزانيات كفيلة بتوفير حاجات المواطنين، لو لم يستحوذ عليها السياسيين الفاسدين.
- سلمية الأسلوب: فقد مارس المواطنون حقهم في التعبير عبر تنظيم مظاهرات سلمية، مارست الكفاح اللاعنفي.
- الشكل التنظيمي للمظاهرات: اتبع المتظاهرون الشكل الأفقي في التنظيم، وفي التنسيق عبر عدد كبير من اللجان التنسيقية. فمنظمو المظاهرات يعقدون اجتماعات ولقاءات، تنعكس أفكارها وقراراتها في صفحات التواصل الاجتماعي، حيث يتم تحديد مكان التظاهر وزمانه والوقت الذي يستغرقه، كذلك المطالب الأساسية والأهازيج والبيانات.
مطالب الحركة الاحتجاجية
لقد خرج المتظاهرون بقوة واندفاع حاملين مطالبهم المشروعة، التي لخصوها بثلاث نقاط رئيسة هي:
- إصلاح النظام السياسي وتخليصه من المحاصصة الطائفية التي هي أس الأزمة وأساس اعوجاج النظام وفشله، والعمل على احلال البديل وهو الدولة المدنية الديمقراطية، التي اساسها المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.
- الموقف الواضح ضد الفساد محاسبة الفاسدين والإسراع في تقديمهم للقضاء كي يقول كلمته فيهم، وكي ينطق بكلمة حق عادلة وشجاعة، ما يتطلب إصلاح القضاء وتخليصه من التأثيرات السياسية والطائفية والاثنية، وتعزيز استقلاليته، وعبر جملة من التشريعات والإجراءات السريعة.
- الخدمات التي تمس معيشية وحياة المواطنين.
ومن اجل هذه المطالب التي رفعت بوضوح تام عبر الآلاف من الشعارات، خرج المتظاهرون إلى الساحات والشوارع بقوة، ولم يبخلوا بشيء للتعبير سلميا عن حبهم لوطنهم الذي يتطلعون إلى رؤيته آمنا مستقرا ومزدهرا. وصدحت أصواتهم من اجل ذلك، وواصلوا كفاحهم اللاعنفي منذ انطلاق التظاهرات بهمة ونشاط وصبر لافت للنظر، ولم يفت في عضدهم ما رافق ذلك من حملات تشويه وضغط وإكراه وتهديد وخطف وقتل.. في أكثر من مكان.
إن عملية الإصلاح، بالقراءة الجذرية لها، تتطلب فهما عميقا للازمة وتصورا متينا للخروج منها، و تناسب قوى فعال يحسم الصراع باتجاه بناء النظام على وفق المواطنة وتخليصه من منظومة المحاصصة والفساد، كي يكون قادرا على دحر الإرهاب والفوضى، وعلى مباشرة البناء والأعمار والتنمية.
الاستنتاجات
من خلال المتابعة الميدانية للمظاهرات، والمشاركة المباشرة فيها، رصد الباحث عدد من الاستنتاجات ويود ان يطرحها على هذا النحو:-
– لا يمكن ان تحقق الفعاليات الاحتجاجية والتظاهرات الشعبية كامل اهدافها ومطالبها السياسية دفعة واحدة، فالتغيير يأتي من خلال التأثير التراكمي لأشكال العمل الجماهيري الاحتجاجي بتنوعه، والحراك الحالي، الذي لا يزال متواصلا ويمتلك احتياطيا جماهيريا يغذي زخمه، هو سيرورة مفتوحة الآفاق من المبكر الجزم بما ستكون محصلة انجازاتها المباشرة وغير المباشرة.
– إن عجلة الإصلاح بدأت بالدوران، وان من الصعب إيقافها. وفي المقابل من المهم أن تأخذ زخما واقعيا، لا تسرع فيه غير مدروس، ولا تباطؤ يخمد حركتها ويطفئ جذوتها، مع العمل على تأمين وإدامة الزخم الواقعي بما يحقق الأهداف المبتغاة.
– سعى المنظمون للحراك الاجتماعي إضفاء التنظيم على جميع مفاصل حركة التظاهر والاحتجاج، وتنسيق أنشطتها، والحفاظ على وجهتها نحو إصلاح النظام عبر تخليصه من المحاصصة والفساد.
– نجح منظمو الحركة الاجتماعية ومنسقيها بفتح حوار مباشر وهادئ مع المرجعية الدينية في النجف، وكان وجود الشباب واضحا في وفود حركة الحركة. وقد أثمر هذا الحوار تحويل التعاون من تناغم في الخطاب العام الى بحث القضايا بملموسية اكبر.
– إن النظام السياسي الحالي القائم على المحاصصة الطائفية والأثنية، عاجز عن تقديم اية انجازات جدية مقنعة، وغير قادر على إحداث نقلة ملموسة في الوضع المأساوي الذي تعيشه الجماهير، لذا لا بد من الاسراع في اعادة بناء النظام السياسي على وفق المواطنة.
– اتساع الوعي بأهمية بناء الدولة المدنية التي تعتمد مبدأ المواطنة في بنائها بديلا لموضوعة المكونات على اساس طائفي واثني.
– اثبت الحراك فشل المحاولات التي تراهن على عدم مبالاة المواطنين وعدم مطالباتهم بحقوقهم.
– بروز دور الشباب وفعاليته وقدرته على تحريك الرأي العام وحشد المواطنين، ولم يبق تحريك الشارع فقط بيد بعض القوى التي تحركه بالشعارات الطائفية.
– رفع مستوى الوعي لدى الشباب بأهمية مشاركتهم السياسية، واتساع المطالبة بالعدالة الاجتماعية اذ ارتفعت المطالبة بها بملموسيات واضحة، وبفعل استمرار الانشطة الاحتجاجية والمطلبية التي مارسوها تكونت لهم ذخيرة من الخبرة والتجربة الميدانية، جعلت من الاحتجاح والتظاهر ممارسة اعتيادية وكسرت الخوف والتردد إزاءها لدى المواطن الاعتيادي.