المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

التقاليد تحدث الفروق الطبقية: قبائل في كردستان لا تسمح بالمصاهرة من خارج دائرتها

دشتي علي – نقاش
لم تتخلص عملية الزواج عند بعض القبائل في مناطق من كردستان من العادات والتقاليد القديمة بعد ومن الملاحظ بشك واضح وجود الفوارق الطبقية بينها.
 

في العديد من مناطق كردستان تمسكت القبائل في الماضي بعاداتها ولم تسمح لبناتها بالزواج من ابناء القبائل الأخرى وانما زوجت الفتيات للشباب ضمن دائرة القبيلة نفسها، ولا تزال تلك العادات متبعة في عدة مناطق ومنطقة “كرميان” هي إحداها.

وكرميان هي منطقة شاسعة تقع في جنوب وجنوبي شرق إقليم كردستان وتعرف مدن كركوك وكلار وكفري وجمجمال وطوزخورماتو وخانقين وجلولاء عند مواطني كردستان بمنطقة كرميان.

عشيرة الشيخ التي تتألف من بطون البرزنجة وسولة وقلائيي وتقيم منذ حوالي قرن في منطقة كرميان لم تسمح منذ القدم بزواج بناتها من الشباب الذين ينتمون لغير بطون عشيرة الشيخ وكأنهم يتبعون دستورا مكتوبا.

وكانوا يعتبرون الشيخ والمنتمين إليها طبقة أعلى في المجتمع لا يمكنهم الاختلاط بالعشائر والعائلات خارج دائرة الشيخ عبر الزواج وقد أطلقوا في كثير من الأحيان اسم “المسكين” على الذين لا ينتمون الى الشيخ.

وقال عطاء محمد صالح وهو من التابعين لأحد بطون الشيخ في كرميان لـ”نقاش” ان الرأي السائد عند افراد الشيخ بأنهم اعلى طبقات المجتمع قد خلق سورا بين الشيخ وخارجها ولا يمكن هدمه.

وأضاف “الآن وبعد مضي عشرات السنين على هذه الرؤية الاجتماعية، مازال نصف الشيخ باقين على فكرتهم القديمة ولا يزوجون بناتهم للشباب من خارج الشيخ”.

وينص الدستور الاجتماعي للقبيلة على انه بخلاف الفتيات يحق لشباب الشيخ اختيار زوجاتهم من أية بطون او عشائر خارج الشيخ.

لذلك يبدو ان المتضرر الأول والأخير من عدم زواج بنات الشيخ من أبناء “المسكين” هم بنات الشيخ أنفسهن، اذ كما أشار اليه عطاء محمد صالح فانه على الرغم من ازدياد أعمار بناتهم الا انهن لم يدخلن حياة الزوجية بعد.

وكشفت فيان محمد وهي من بنات الشيخ وتبلغ من العمر أكثر من ثلاثين عاما ان كثيرا من الشباب بادروا بالتقدم لطلب يدها للزواج ولكن كما تقول: “كنت اعلم ان والدي سوف لن يوافق لذلك كنت ارفضهم جميعا”.

وقد تزوجت الكثيرات من صديقات فيان وهن مستقرات الآن في بيوتهن وقالت حول ذلك: “لايزال هناك عدد كبير من العوانس في عشيرتنا فيما طعن بعضهن في السن دون زواج وفارقن الحياة”.

بعض أفراد الشيخ يؤكدون إن الظاهرة قد خفت الآن وتخلى اكثر من نصفهم عن ذلك التقليد الاجتماعي وباتوا يتزوجون من عائلات خارج العشيرة.

وانتقد عطاء محمد صالح التوجه الاجتماعي الذي اتبعه أجداده في الماضي معتبرا اياه ظاهرة غير مرغوب فيها وأضاف: “انا من الشيخ مقابل شخص يعتبر نفسه مسكينا، وإنسان مقابل شخص يعتبر نفسه ندا لي”.

ومن عشيرة الجاف فان بطون بكزادة الجاف مثلهم مثل الشيخ لم يكونوا في السابق مستعدين لتزويج بناتهم لشباب من غير البكزادة كما لم يكن يحق لشباب البكزادة الزواج من بنات من خارج بطونهم بسبب اعتبارهم انفسهم طبقة اعلى في المجتمع.

وقد خلف توجه بكزادة الجاف هذا تأثيرا سلبيا وطعن عدد من بناتهم في السن وتوفين في عمر السبعين والثمانين عاما دون زواج، وبعد تلك الحالات اضطروا إلى التخلي عن ذلك التوجه.

وقال احمد سرتيب وهو من بكزادة الجاف لـ”نقاش”: “لقد تغير ذلك التوجه الآن تماما وتتزوج الفتيات والشباب من البكزادة من جميع العشائر والقبائل في المنطقة”.

وكانت عمليات عقد القران والزواج في الماضي تجري على يد رجال الدين ولم يكن للمحاكم فيها دور يذكر سوى تعريف الزواج رسميا، ولكن القوانين النافذة في الإقليم الآن قد غيرت ذلك واصبحت المحاكم الآن صاحبة القرار الحاسم الا انها مع ذلك لم تتمكن من منع تلك العادات والتقاليد لأن القيود الاجتماعية قد دفعت بالفتيات من الشيخ والبكزادة الى عدم اللجوء الى الإجراءات القانونية عندما يطلب منهن ذووهن عدم الموافقة على الزواج خارج دائرتهن الاجتماعية.

ومع ان رجال الدين يقولون ان هذا النوع من خلق القيود هو مخالف للمبادئ الدينية ولكن ذلك ايضا لم يمنع الأمر.

ويرى كاروان رشيد وهو رجل دين من منطقة كرميان أن الظاهرة مخالفة لمبادئ الدين الإسلامي ويشير حول ذلك إلى آيات من القرآن تتحدث عن التعايش والتخلص من الفروق الطبقية.

وأصبح حصر عملية الزواج داخل بعض القبائل والعشائر محل قلق وانتقاد المختصين الاجتماعيين فيما يرى الباحثون ان تلك التصنيفات الاجتماعية هي ضد المبادئ العامة للحياة الاجتماعية للمجتمع.

وقال الباحث الاجتماعي عباس محمود لـ”نقاش” ان “النظر الى الأشخاص خارج القبيلة والعائلة على انهم مواطنون من الدرجة الثانية كثيرا ما اختلط بالتربية الاجتماعية لأولئك الأشخاص بحيث يتم جعل تمييز الذات منذ الصغر جزءا من تربية تلك العائلات”.

وعلى الرغم من الضغوط المختلفة من قبل رجال الدين والنشطاء المدنيين لرفض الظاهرة الا أن العديد من القبائل والعشائر غير مستعدة لمواكبة التغييرات وترى ان ما تفعله هو تمسك بتقاليد الأجداد ومن المعيب التخلي عنها.