المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

نقطتين شارحة السيستاني وورقة الصدر

sistane-wel-sader-pic

أعادت ورقة الصدر، التي تضمنت 14 شرطاً للعودة الى مظلة التحالف الوطني، دور المرجع السيستاني والمرجعية النجفية، بشكل عام، إلى دائرة الجدل مرة أخرى.إذ تضمنت الورقة الصدرية فقرتين لافتتين، الاولى تنص على ضرورة اختيار مرجعية دينية، على ان تكون هذه المرجعية من داخل العراق. كما اشترطت الورقة ان تتم العودة الى هذه “المرجعية النجفية” في القضايا الحساسة والخلافية.
لكن التسريبات المترشحة عن كواليس التحالف الوطني، التي نشرتها المدى هذا الاسبوع، اوضحت بعض موارد الغموض التي تضمنتها الورقة التفاوضية.
وبموجب هذه التسريبات، فقد اشترط زعيم التيار الصدري اعتماد مرجعية السيد السيستاني والعودة اليها، ومنحها حق اختيار رئيس الحكومة، في مسعى لتكريس دور المرجعية الذي لعبته، رغما عنها كما يتضح ذلك في الجواب على رسالة حزب الدعوة، في إجهاض “الولاية الثالثة” للمالكي.
مساعي الصدر الرامية لتحييد أطراف “ولاية الفقيه” وسحب البساط من تحتها، اصطدمت بأطراف اخرى لا تصنف على مرجعية السيستاني، كالفضيلة وغيرها، كما انها اصطدمت بتاريخ التعددية الذي يحكم مرجعية النجف، ويسعى المرجع الاعلى إلى حماية هذا الإرث العريق فيها.
وإذا كانت الاحزاب الشيعية  قد أسهمت، منذ 2003، بإقحام مرجعية السيستاني في مشاريعها بمناسبة او بدون مناسبة، فإن الصدر يقوم بذات الخطوة، لمواجهة خصومه ومنافسيه من تيار ولاية الفقيه، رغم عدم تصنيفه هو ايضا على أتباع المرجعية السيستانية.
ومن هنا نكتشف كيف أوقع الصدر نفسه في ذات الخطأ الذي وقعت فيه الاطراف الشيعية عندما منحت مرجعية النجف وضعاً دستورياً وقانونياً يعطيها بعض الصلاحيات التنفيذية في الاوقاف والعتبات المقدسة، وصلاحيات رقابية كما في (فيتو الفقهاء) الذي يتضمنه مشروع المحكمة الاتحادية المثير للجدل.
فالصدر، في ورقته التفاوضية مع التحالف الوطني، يسعى الى تحميل مرجعية النجف، رغم عدم استشارتها حتى، مسؤولية تعيين رئيس الحكومة بعيداً عما تتمخض عنه نتائج الانتخابات التشريعية. وهذا تطور خطير على المستوى الوطني، لأنه ليس شأناً خاصاً بالكتلة الشيعية ولا المكون الشيعي فقط، كما انه يفتح الباب امام تدخل الزعامات الروحية لباقي المكونات في تكريس المحاصصة وإفراغ الدستور والديمقراطية من محتواهما.
وتتجلى خطورة هذه المساعي، بشكل اوضح، عندما نكتشف ان الاحزاب والاطراف الشيعية قامت بتفصيل هذه الصلاحيات على مقاس مرجعية المرجع السيستاني، نظراً لدوره التأسيسي في العملية السياسية، وسلطته الروحية والاخلاقية لدى جميع العراقيين. لكنّ هذه القوى اغفلت المأزق الدستوري والقانوني الذي سيواجهه العراق والعملية السياسية في المستقبل والذي بانت تباشيره في الخلاف الذي أثارته ورقة الصدر.
فلم تلتفت الكتلة الشيعية الى ان الإجماع الذي تحظى به مرجعية المرجع السيستاني قد لا يتكرر مع مرجعية اخرى سواء في النجف او غيرها.
كما ان القوى الشيعية اغفلت، عمدا او سهوا، حقيقة مفادها ان الظروف التي حملت مرجعية النجف، والمرجع السيستاني تحديدا،  على التدخل في بعض التفاصيل السياسية “المصيرية” في العراق، لن تدوم ولن تستمر، وبالتالي فإن من الخطأ والخطيئة تكريس وضع طارئ، كتدخل المرجعيات الدينية في الشأن السياسي وتحويله الى “ولاية فقيه” بحكم الأمر الواقع.
من له أدنى معرفة بمزاج النجف ومرجعيتها العليا المعاصرة، تعتريه الخشية من مستوى المبالغة، الذي يصل حد الغلوّ، لزجّ وإقحام الاخيرة في كل كبيرة وصغيرة من قبل احزاب وتيارات افسدت السياسة، وها هي تحاول إفساد دين الناس ومرجعياتها الأخلاقية.