شركة أميركيّة لتأمين طرق حدوديّة مهدّدة بالاستهداف
المونيتر – مصطفى سعدون
يسعى العراق إلى إعادة الحياة إلى منفذ طريبيل الحدوديّ بينه والأردن بعد إغلاقه في عام 2014، عندما سيطر تنظيم “داعش” على محافظة الأنبار. ولكنّ الطريق السريع من بغداد في اتّجاه المنفذ غير آمن حتّى الآن، ويشهد عمليّات إرهابيّة بين فترة وأخرى، كان آخرها هجوم عناصر من “داعش” على رتل للقوّات الأمنيّة العراقيّة في 22 نيسان/أبريل في منطقة الصكار في شرق الرطبة الواقعة على الطريق السريع في القرب من الحدود الأردنيّة، ممّا أسفر عن مقتل عشرة عناصر من القوّات الأمنيّة، وإصابة 20 آخرين بجروح. وبعد الحدث، ناشد جنود الفرقة الثامنة المنتشرة في الرطبة رئيس الوزراء العراقي لتجهيزهم بالمعدات والأسلحة اللازمة لتأمين الطريق الدولي بين الرمادي والرطبة وتفادي هجمات مباغتة يشنها تنظيم داعش.
وبسبب الأخطار المحدقة بالطريق الذي يعدّ أحد أهمّ الشرايين الاقتصاديّة العراقيّة، حيث يربط البصرة في الجنوب بالأردن في الغرب، أحال العراق مهمّة تأمين الطريق وإعادة بنائه إلى شركة أميركيّة، ويتضمّن العقد إعادة تأهيل الطرق والجسور، خصوصاً أنّ هناك 36 جسراً مهدّماً.
وقالت مصادر حكوميّة مقرّبة من رئيس الوزراء العراقيّ حيدر العبادي، فضّلت عدم الكشف عن هويّتها، لـ”المونيتور” إنّ “الزيارة الأخيرة التي قام بها مستشار دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر إلى بغداد، بحث خلالها مع المسؤولين العراقيّين تأمين منفذ بغداد-طريبيل وسفوان-طريبيل”.
وأضافت المصادر أنّ “هناك اهتماماً حكوميّاً عراقيّاً وأميركيّاً بتأمين الطريقين المؤدّيين إلى منفذ طريبيل الحدوديّ من بغداد والبصرة، كما يوجد اهتمام أردنيّ بذلك لإعادة التبادل التجاريّ بين البلدين”. وكان العبادي قد أعلن عن نيّته توكيل الأمر إلى شركات أميركيّة خلال اجتماع له مع ممثّلي الكتل البرلمانيّة في مجلس النوّاب العراقيّ في مكتبه في آذار/مارس الماضي.
قال المتحدّث باسم محافظة الأنبار عيد عمّاش خلال مقابلة مع “المونيتور” إنّ “شركة “أولف” الأمنية الأميركيّة هي من ستقوم بتأمين الطريق بين بغداد والأنبار، وصولاً إلى منفذ طريبيل الحدوديّ المؤدّي إلى الأردن، بعدما وقّعت عقداً مع الحكومة الاتّحاديّة العراقيّة على تأمينه”.
وأضاف أنّ “الشركة ستعمل في شكل مستقلّ، ولن يكون هناك أيّ تدخّل في عملها، لكن سيكون هناك تنسيق بينها وبين الحكومتين الاتّحاديّة والمحلّيّة، كما سترفع تقارير شهريّة عن عملها إلى حكومة الأنبار المحلّيّة”.
وقال رئيس لجنة المنافذ الحدوديّة في مجلس محافظة الأنبار فهد الراشد في 6 نيسان/أبريل الحاليّ إنّ “الشركة الأميركيّة التي أوكل إليها مشروع تأهيل الطريق الدوليّ السريع في الأنبار وتأمينه من قبل الحكومة المركزيّة، سيشارك معها نحو 5 آلاف متطوّع من أبناء العشائر، ضمن عمليّة تأمين ذلك الطريق”.
وعلى الرغم من أنّ العبادي تحدّث عن تأمين الطريق بين منفذي سفوان في جنوب العراق وطريبيل في غربه، إلّا أنّ رئيس اللجنة الأمنيّة في مجلس محافظة البصرة جبّار الساعدي وعضو المجلس أحمد السليطي قالا إنّهما “لا يعرفان عن هذا الاتّفاق”.
يبدو أنّ المعلومات عن الطريق بين منفذي سفوان وطريبيل لا تتوافر لدى المسؤولين المحلّيّين في العراق حتّى الآن، والتفاهمات مقتصرة على الشركة والحكومة الاتّحاديّة.
وقال مصدر أمنيّ لمراسل “المونيتور” إنّ “الشركة الأميركيّة ستكتفي بتأمين الطريقين الواصلين لمنفذ طريبيل الحدوديّ من البصرة ومن بغداد، كما ستقوم ببناء محطّات وقود وأماكن استراحة، وبإعادة بناء الجسور وتطويق الطرق لمسافات تحدّدها لاحقاً بالأسلاك الشائكة”.
أضاف المصدر أنّ “الشركة ستمتلك طائرات هليكوبتر، وستعمل على تأمين حماية من الجوّ للطريق إذا حدث أيّ طارئ، وسوف يكون ذلك بالتعاون مع الحكومة العراقيّة”.
اتّفق القياديّان في الحشد الشعبيّ كريم النوري وريان الكلداني في تصريح مشترك لـ”المونيتور” عن وجود الشركات الأميركيّة، واعتبرا أنّها “شركات تعاقدت مع الحكومة العراقيّة التي يرأسها العبادي والحشد مرتبط به باعتباره القائد العام للقوّات المسلّحة، ولا يمكن أن يكون لنا موقف غير موقفه”.
وقال النوري: “إنّ الحشد الشعبيّ لا يمكن أن يكون له موقف مخالف لموقف الحكومة العراقيّة تجاه تلك الشركات الأمنيّة، على الرغم من أنّها تابعة إلى دولة احتلّت العراق، لكنّني في الوقت ذاته، لا أجد أيّ مبرّر لوجود تلك الشركات في العراق”.
على الرغم من أنّ تصريحي القياديّين النوري والكلداني كان فيهما شيء من التطمينات لتلك الشركات عن عدم التعرّض إليها من قبل الحشد الشعبيّ وفصائله، إلّا أنّ الخطر يبقى، خصوصاً أنّ هناك فصائل شيعيّة مسلّحة غير منضوية إلى الحشد الشعبيّ التابع إلى الحكومة.
ربّما تستهدف تلك الشركات من قبل مسلّحين تابعين إلى أحزاب سياسيّة أو عشائر قريبة جغرافيّاً من مكان تواجدها، في محاولة للحصول على وظائف لأبنائها أو فرض أتاوات عليها، وقد حدث ذلك في أوقات سابقة مع شركات النفط العاملة في العراق.
واعتبرت كتائب حزب الله العراق في 31 آذار/مارس الماضي أنّ “الطريق الرابط بين العراق والأردن يعدّ ممرّاً استراتيجيّاً، يسمح لأميركا والقوى التي تسعى إلى السيطرة عليه بفرض هيمنتها على الأنبار والإقليم السنّيّ المقرّر تشكيله وفق خطّة أميركيّة خليجيّة”.
وتعتقد حركة عصائب أهل الحقّ أنّ “الشركات الأمنيّة الأميركيّة تمارس عمليّات تجسّس لصالح الاستخبارات الأميركيّة”. وتدعو الحركة التي يرأسها قيس الخزعلي إلى ضرورة الاستعانة بشركات بديلة من روسيا وأوروبّا”.
وفي 9 نيسان/أبريل الحاليّ، قال الأمين العام لعصائب أهل الحقّ الخزعلي أثناء كلمة في جامعة القاسم الخضراء في محافظة بابل: “عندما تسلّم الحكومة العراقيّة الطريق الرابط بين بغداد، مروراً بالأنبار، وصولاً إلى الحدود الأردنيّة إلى شركة أمنيّة أميركيّة لتأمينه، فإنّ هذا الأمر يجب ألّا يمرّ مرور الكرام، وعلينا الوقوف أمامه”.
وقال الخزعلي الذي تحدّث بلغة تهديد غير مباشرة: “العراق لديه جيش استردّ عافيته وتعداده 300 ألف جنديّ، ووزارة داخليّة تعدادها 600 ألف منتسب وحشدان شعبيّ وعشائريّ. هل يحتاج إلى التعاقد مع شركة أمنيّة أميركيّة لتأمين طريق يربط وسطه بغربه”؟
الحال، أنّ الشركة الأميركيّة لن تكون بعيدة عن أيّ خلافات أو صراعات أو هجمات من جماعات مسلّحة أو جماعات عشائريّة، على الرغم من الإمكانات التسليحيّة التي تتمتّع بها.