المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

العراق يشهد تفاقم العنف الأسريّ تجاه الأطفال

المونيتر – سارة القاهر

شهد العراق ازدياد ظاهرة تعنيف الأطفال بصورة لافتة خلال الآونة الأخيرة، وكان لمواقع التّواصل الإجتماعيّ دور كبير في كشف أكثر حالات التعذيب، التي حدثت بشكل متزامن. ودانت لجنة حقوق الإنسان والأسرة والطفل النيابيّة في 20 نيسان/إبريل الحاليّ تلك الممارسات بحقّ الأطفال، واصفة إيّاها بالوحشيّة.

وفي 11 نيسان/إبريل الحاليّ، سجلت قصة للطفلتين زهراء وغدير، الّلتين تعرّضتا للضرب من قبل والدهما خلال أكثر من 6 أشهر. وفي هذا السياق، أشارت والدة الطفلتين للصحافيّين إلى أنّ زوجها كان يقيّدها ويكمّم فمها ويطفئ الأضواء، ثمّ يبدأ بضرب الطفلتين. وإثر التعذيب، أصيبت زهراء بكسر في فخذها اليمنى حسب تقرير أطبّاء المستشفى حيث ترقد الطفلتان.

وفي 19 نيسان/إبريل الحاليّ، استخدم والد الطفل علي عبّاس في مدينة كركوك أدوات جارحة لتعذيب ابنه لمجرّد أنّه تأخّر في لعبة كرة القدم، كما يظهر ذلك تسجيل مصوّر. وفي 20 نيسان/إبريل الحاليّ ببغداد، قام والد الطفلين علي وبنين وأعمامهما بتعليقهما في مروحة السقف، مع ضربهما وركلهما وعضّهما باستمرار، وانتشر مقطع فيديو يوضح عمليّة التعذيب على مواقع التّواصل الإجتماعيّ.

وشهدت مدينة البصرة في جنوب العراق وفاة طفلة تبلغ من العمر 9 أشهر، بعد تعرّضها للتعذيب من قبل والدها، وقال جدّ الطفلة لأمّها: “إنّ والد الطفلة الرضيعة تعاطى مادّة الكريستال، وبدأ بتعذيبها حتّى فارقت الحياة، وانتشر مقطع فيديو يبيّن حجم التعذيب الذي تعرّضت له”.

وكشفت لجنة المرأة والأسرة والطفولة في مجلس النوّاب أنّ البرلمان “لا يزال يقف متفرّجاً إزاء حالات التعذيب، التي يتعرّض لها الأطفال على أيدي ذويهم، مشيرة إلى “تفاقم حالات الاعتداء على الأطفال والتفنّن بتعذيبهم”.

من جهته، قال محمّد عبد الحسن، وهو باحث في علم الإجتماع ويعمل في مركز البحوث والدراسات التربويّة: “هذه الظاهرة تنتشر بين الطبقات الفقيرة والمسحوقة باعتبارها تعاني من مشاكل الأميّة والوضع الإقتصاديّ المتردّي وزيادة كبيرة في عدد الأطفال. كما تنتشر في البيئة التي يكون تعاطيها سلبيّاً مع حقوق الإنسان، فضلاً عن جهل الأسر الفقيرة وعدم معرفتها أو استيعابها لمفهوم حقوق الإنسان”.

وقال في حديث لـ”المونيتور”: “يتعرّض بعض الأطفال إلى معاملة خشنة وغليظة وقاسية، وذلك ناتج من انعدام الوعي وغياب المسؤوليّة”. ولفت إلى أنّ “بعض أولياء الأمور أو أقارب الأطفال يعاني من حالات ساديّة أو يكون مختلاًّ، وينعكس ذلك على سلوكه مع الأطفال”، مشيراً إلى أنّ البعض “يعاني أيضاً من عقد نفسيّة يحاول إفراغها بتعذيب الأطفال وممارسة العنف ضدّهم”، وقال: “لدى بعض الناس فهم خاطئ لقضايا التربية، إذ يعتقد أنّ ممارسة العنف مع الأولاد وتعنيفهم يجعل الأطفال صالحين في المستقبل”.

وعلّقت عضو لجنة الأسرة والطفولة والمرأة في مجلس النوّاب انتصار الجبوري على هذا الموضوع لـ”المونيتور”، فقالت: “إنّ مشكلة العنف الأسريّ قديمة، إذ أنّ المرأة والطفل يعنّفان، لكنّ الإعلام لم يسلّط الضوء على ذلك. أمّا انتشار وسائل التّواصل الإجتماعيّ فساعد على فضح هذه الانتهاكات، وساهم في إيجاد بعض الحلول، لا سيّما أنّ المعنّفين الذين يخشون رفع شكوى في مراكز الشرطة اتّخذوا من وسائل التّواصل الإجتماعيّ وسيلة لإنقاذهم”. ولفتت إلى “أنّ قانون مناهضة العنف الأسريّ مؤجّل منذ سنوات”، وقالت: “نحن نحتاج إلى قانون فاعل للحدّ من الجرائم والانتهاكات، التي ترتكب بحقّ الطفل والمرأة”.

ومن الناحية القانونيّة، قال الخبير القانونيّ طارق حرب لـ”المونيتور”: “هناك قانون قديم لعقوبات العنف الأسريّ، إذ يعاقب من يعتدي على الطفل بعقوبّة أشدّ من العقوبة الاعتياديّة، وإنّ العقوبات تختلف بحسب شدّة الانتهاك والتعذيب وبحسب السنّ القانونيّة، ولكنه لم يفعّل على نطاق واسع كي يشكّل رادعاً أمام أصحاب تلك الممارسات”.

أضاف: “لدينا محاكم للعنف الأسريّ، وتوجد لوزارة الداخليّة مكاتب خاصّة”. وأكّد أنّ هذه المكاتب والمحاكم غير نافعة لأنّ الأطفال يخشون مراجعة الشرطة للإبلاغ عن حالات العنف التي يتعرّضون لها”.

وأكّدت وزارة الداخليّة أنّها تتعامل مع العنف الأسريّ بحسب الخطورة تجاه الطفل، وقال مدير الشرطة المجتمعيّة خالد المحنا لـ”المونيتور”: “نحن نفرّق بين العنف الذي لا يؤدّي إلى حدوث عاهة أو آثار جسيمة وبين التعذيب الذي يشكّل خطورة على مستقبل الطفل”.

ولفت إلى أنّ “الشرطة لا تستطيع تفتيش المنازل من دون أمر قضائيّ، وأنّ هناك مديريّة تابعة للوزارة تتبنّى قضايا العنف الأسريّ، وتقوم بتسليم الأطفال إلى دور الرعاية الإجتماعيّة حين لا تضمن سلامتهم في البقاء مع ذويهم”.

أضاف خالد المحنا: “إنّ عمليّات تعنيف الأطفال متواصلة ومستمرّة منذ سنوات، حتّى أنّ بعض الآباء أصبح يتاجر بأطفاله، والبعض الآخر يشوّه جسم أطفاله بصب موادّ حامضيّة على وجهه ليتشوّه ويستخدمه في التسوّل”.

وفي المحصّلة، أظهرت مقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التّواصل الإجتماعيّ وحشيّة مفرطة في تعذيب الأطفال، وهي تمثّل مشاهد مأسويّة مخفيّة تضاف إلى قائمة معاناة العراقيّين الطويلة ومأساتهم، وسط صمت الحكومة وغياب التشريعات القانونيّة والإجراءات الرادعة، التي يمكن أن تحدّ من هذه الظاهرة التي باتت تنتشر على نطاق واسع في العراق.