عدنان الزرفي، رئيس وزراء جدلي آخر، وسط رفض سياسي وشعبي واسع
كلف الرئيس برهم صالح رسمياً يوم الثلاثاء ١٧ اذار السيد عدنان الزرفي بتشكيل حكومة جديدة، بعد مرور 15 يوم عن إعتذار محمد توفيق علاوي عن منصب رئاسة الوزراء. و يتعين على الزرفي، محافظ النجف السابق و رئيس كتلة تحالف النصر في البرلمان العراقي والتي شكلها رئيس الوزراء السابق العبادي، ، مهمة تشكيل حكومة تنال ثقة البرلمان خلال 30 يوماً.
وسيكون أمام الزرفي، في حال نجاحه بهذه المهمة، مهمة تنظيم إنتخابات نيابية مبكرة وحل مسألة تواجد القوات الأجنبية على الأراضي العراقية، والتعامل مع تداعيات انتشار فيروس كورونا وانهيار اسعار البترول.
وجاء تكليف الزرفي بعد فشل محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة وإعلانه انسحابه مطلع الشهر الجاري. و فشل علاوي في إقناع الكتل البرلمانية التابعة لتحالف السنة والأكراد بدعم تشكيلته الوزارية وبرنامجه الحكومي، وبالتالي إستمرت حكومة المستقيل عادل عبد المهدي منذ ديسمبر الماضي بمهام تصريف الاعمال.
اسم الزرفي جاء ضمن الأسماء المقترحة من قبل اللجنة السباعية المشكلة من البرلمان، وكانت هذه اللجنة قد توافقت على ثلاثة أسماء لإقتراحها على رئيس الجمهورية، لتشكيل الحكومة، وهي عدنان الزرفي، ونعيم السهيل ومحمد شياع السوداني. لكن كتل “الفتح” و”دولة القانون” و”صادقون” (الجناح البرلماني للفصيل السياسي المسلح عصائب أهل الحق)، كانت معترضة منذ بداية النقاش داخل اللجنة، على إسم عدنان الزرفي.
مواقف متباينة للكتل السياسية الشيعية
عقب إعلان التكليف ، أعلنت أربع كتل برلمانية رئيسية من خلال بيان مشترك لها رفضها لتكليف رئيس الجمهورية برهم صالح، لعدنان الزرفي بتشكيل الحكومة المؤقتة، مما دفع البعض الى التوقع بأن الزرفي قد يواجه صعوبات كبيرة في تمرير تشكيلته الوزارية في مجلس النواب.
وكان البيان المشترك الذي صدر من قبل كل من “تحالف الفتح” بزعامة أمين عام منظمة بدر هادي العامري، و”ائتلاف دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، وكتلتي “العقد الوطني” بزعامة فالح الفياض، و”النهج الوطني” التي تمثل حزب الفضيلة، قد إتهم رئيس الجمهورية، برهم صالح بمخالفة الدستور، حيث انه لم يكلف حسب رأيهم الكتلة الاكبر بإختيار رئيس الوزراء.
و جاء في بيانهم : “نعيش مع استحقاق دستوري حاكم تأخر حسمه، ووقعت فيه مخالفات دستورية وتجاوز للأعراف والسياقات السياسية المعمول بها في الدولة العراقية الاتحادية، وآخرها رفض رئيس الجمهورية برهم صالح تكليف مرشح الكتلة الاكبر بطريقة غير مبررة“.
وأضاف البيان: “كيفية” تكليف برهم صالح لعدنان الزرفي، ستكون لها تداعيات “تهدد السلم الاهلي وتفكك النسيج الوطني وعليه فإننا نعلن رفضنا الواضح لهذا المسار وما نتج عنه من تكليف”.
فيما أشار بيان آخر صادر من المكتب السياسي لتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم عن إعتراضه على الآلية التي اعتمدها رئيس الجمهورية برهم صالح في تكليف عدنان الزرفي رئيساً للحكومة المقبلة. وقال البيان إنه: “يتحفظ على الطريقة التي أعتمدت في هذا التكليف”، متهماً برهم صالح بـ”عدم الإكتراث لعدد مهم من القوى الأساسية في الساحة السياسية”.
المحكمة الاتحادية قالت بدورها إن قرار التكليف يستند إلى الدستور الذي يجيز للرئيس إتخاذ هذه الخطوة، بعيداً عن الكتلة البرلمانية الكبرى، بعد 15 يوماً من اعتذار المكلف السابق عن تشكيل الحكومة.
يجري كل ذلك في ظل وضع سياسي وأمني هش جدا ، حيث ويفسر خبراء سياسيون القصف الصاروخي الذي وقع ليلة الثلاثاء – الأربعاء بالقرب من قصر السلام – وهو القصر الرئاسي الذي تم فيه تكليف الزرفي- على أنها من ضمن رسائل التهديد التي تبعثها الجهات المعترضة على الزرفي. حيث واصلت الكتل المعترضة ببعث رسائل التهديد والتلويح باللجوء إلى القوة، معبرة عن رفصها لهذا التكليف، وقال زعيم مليشيا “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، في تغريدة عنونها إلى رئيس الجمهورية: “خالفت توجيهات المرجعية الدينية التي أكدت ألا يكون المرشح جدلياً”. وأضاف “ناقضت نفسك لأنك ستعرض السلم الأهلي للخطر، إذ إن القوى المعترضة وجمهورها ترفض مرشحك رفضاً قاطعاً، ولا يمكن أن تسمح بتمريره”.
من جهته، دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من سماهم “الأصدقاء من دول الجوار” وآخرين وصفهم “بالمحتلين”، إلى عدم التدخل في آلية إختيار رئيس لحكومة العراقية، وعدم التدخل في الشأن الداخلي لبلاده. وقال الصدر في تغريدة على تويتر أن صراع السياسيين الشيعة الذي ما عاد يطاق، هو من غير آلية الاختيار. مضيفاً أن اختيار أناس غير أكفاء أو عدم التوافق على مرشح هو ما استدعى اختيار شخص غير مقرب. ودعا الصدر في التغريدة إلى ترك الخلافات والاهتمام بسيادة العراق.
جاءت تغريدة الصدر على تويتر كرد غير مباشر على تغريدة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو والتي عبرت عن دعم مشروط للزرفي، حيث قال فيها إن العراقيين يريدون حكومة تدعم سيادة العراق، وتوفر الاحتياجات الأساسية، ولا يشوبها فساد، وتحترم حقوق الإنسان. وأن رئيس الوزراء العراقي المكلف إذا وضع هذه المصالح أولاً، فسيحظى بالدعم الأميركي والدولي.
بدورها، رحبت جبهة الإنقاذ والتنمية (سنة) بالمرسوم الجمهوري على تكليف الزرفي برئاسة مجلس الوزراء، فيما عبر ائتلاف النصر من جهته عن أمله بأن يكون تكليف الزرفي جاء على ضوء المواصفات التي حددتها الكتل، وشدد على أن مهام المرحلة الانتقالية هي الأساس لنجاح التكليف، وفي طليعتها تحقيق انتخابات نزيهة وضمان إدارة ناجحة وقوية للدولة بعيداً عن الفساد ومصالح المحاصصة وفوضى السياقات. كما رحب الاتحاد الوطني الكردستاني أيضا بتكليف الزرفي لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة واصفاً اياه “بالإستحقاق الدستوري”.
ورغم رفض بعض القوى الشيعية له، ظهرالزرفي للعراقيين في اول كلمة له بعد التكليف، يعدهم بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، بالتعاون مع ممثلية هيئة الأمم المتحدة العاملة في العراق، خلال مدة أقصاها سنة واحدة من تشكيل الحكومة. كما وعد بالعمل على حصر السلاح بيد الدولة وإنهاء كل المظاهر المسلحة وفرض سلطة الدولة. متعهداً بإعتماد سياسة خارجية تبعد العراق عن الصراعات الإقليمية والدولية. مضيفاً بأنه:
“سيبذل كل ما يجب لتحقيق أهداف منها حماية المتظاهرين والناشطين، والتأكيد على حرمة التعرض لهم”.
تبع ذلك استقبال الزرفي الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق،
جينين هينيس بلاسخارت، والتي أعربت خلال اللقاء عن دعم البعثة الأممية جهود تأليف الوزارة الجديدة، والمساعدة في تذليل العقبات، مشددة على أهمية توفير الأجواء المناسبة التي تمكن الحكومة الجديدة من القيام بواجباتها.
ساحات التظاهر ترفض التكليف
مثل سابقه، يعتبر الزرفي شخصية جدلية بالنسبة لساحات التظاهر كونه سياسي ونائب، وسبق له أن تولى مناصب تنفيذية، فضلاً عن كونه حاصل على الجنسية الأميركية. ولكن هذه المرة جاء الرفض من دون وجود كتلة كبيرة تقف خلف ترشيحه.
المتظاهرين تلخصت مطالبهم منذ انطلاق الثورة في اكتوبر الماضي، بتشكيل حكومة تعد لإنتخابات مبكرة، وتقوم بمحاسبة من اعتدى على المحتجين وتسبب بمقتل مئات، وإصابة عشرات الآلاف منهم. وفي الساحات يقول المتظاهرون إنهم يرفضون الزرفي لنفس الأسباب التي رفضوا لأجلها علاوي ، حيث علقوا صوراً في ساحة التحرير وسط بغداد تبين هذا الرفض، فيما أصدروا بعد ساعات من التكليف بياناً دعوا فيه إلى التغيير السلمي الشامل عبر الانتخابات، فيما حال التعليق الجزئي للتواجد في الساحة إلى حين احتواء فيروس كورونا، عائقا لخروجهم في تظاهرات كبيرة للتعبير عن رفض تكليف الزرفي.
ومن بين ما قاله بيان المعتصمين، إن “هذا النظام الذي فشل طوال عقد ونصف العقد في كل اختبار وطني، أمنياً كان أم صحياً أم سياسياً، يثبت يوماً بعد آخر أن ليس أمام العراقيين سوى التغيير الشامل السلمي”. وأضاف “حتى هذه اللحظة فشل هذا النظام بالتوافق وإنتاج شخصية إيجابية بديلة لرئيس الوزراء المكلل بالدماء عادل عبد المهدي، وأعاد إنتاج شخوصه بكل اعتباطية وفشل”.
وأكد الكثير من الناشطين رفضهم لترشيح الزرفي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيما ارتأى البعض التريث في التعبير عن رفضهم له بعد أن صرحت الكتل السياسية القريبة من إيران برفضه.
يشار إلى أن حكومة الزرفي المقبلة ستخلف حكومة عبد المهدي التي استقالت تحت ضغط احتجاجات شعبية غير مسبوقة، انطلقت منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي للمطالبة برحيل الطبقة الحاكمة، ومحاربة الفساد وتحسين الوضع المعيشي والخدمات العامة.