المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

ضمن أنشطة مشروع شهرزاد: ندوة حول قانون مكافحة العنف الأسري

 

في طليعة فعاليات مشروع شهرزاد بموسمه الثاني نظم منتدى الاعلاميات العراقيات وبالتعاون مع الاتحاد العربي للمرأة المتخصصة في بغداد، ندوة حول “مشروع قانون الحد من العنف الاسري” بتاريخ 7 ايار/ مايو وعلى قاعة النادي الثقافي النفطي في بغداد.

وسط حضور اعلامي وصحفي مميز افتتحت الجلسة المحامية رجاء عبد علي بالحديث عن العيادة القانونية لمشروع شهرزاد كونها تمثل مركز متخصص في تقديم الاستشارة القانونية للمدافعات عن حقوق الانسان في العراق، إذ تهدف العيادة الى تحسين بيئة العمل وسلامة المدافعات عن حقوق الانسان بمختلف فئاتهن. يذكر ان هذا المركز يستقبل المدافعات عن حقوق الإنسان للسنة الثانية على التوالي بعد النجاح الذي تحقق خلال السنة الاولى لمشروع شهرزاد.

 

السيدة نبراس المعموري رئيسة منتدى الاعلاميات العراقيات قدمت نبذة مختصرة عن مشروع شهرزاد لسنته الثانية ، بالإضافة لمجمل اعمال وانشطة المنتدى التي تم تنفيذها خلال المرحلة السابقة.

أما السيد منتصر العيداني رئيس مركز حوكمة للسياسات العامة فقد ساهم بتقديم ورقة عمل بعنوان “المفتقد في الانتقال الديمقراطي :-  سياسات مواجهة العنف الاسري” والتي ناقشت اهم العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية على نحون متوازي. حيث اشار الباحث الى الترابط الحاصل بين فاعلية التمثيل السياسي للمرأة وبين خلق تشريعات كفيلة بمعالجة حالات العنف الاسري بشكل افضل فمثلاً: إن الحكومات التي تضم عددا كبيرا من النساء تدعم بالفعل حقوقهن، ويزيد احتمال ذلك الدعم من خلال إجراءات تشريعية ذات صلة بقضايا رئيسية مثل العنف العائلي.

كما تناول الباحث إبراز الدور الذي تلعبه الإتفاقيات الدولية مع توفير نقد موضوعي لطريقة استغلال هذا الاتفاقيات احياناً، حيث أن زيادة المعاهدات والقرارات الدولية التي تتناول حقوق المرأة قد تزامنت مع زيادة عدد الدول التي تبنت بالفعل تشريعات بشأن العنف العائلي مما يدلل على أن تلك المعاهدات  والقرارات الدولية قد أثرت على الدول في تبني سلوكيات جديدة، ومع ذلك، توجد مؤشرات عديدة تؤكد على أن الدول تطبق شكلياً فقط الإلتزامات المطلوبة بموجب الاتفاقات الدولية، لأن تنفيذ المعاهدات الدولية أمر بالغ الصعوبة للعديد من الدول، لذا فمن السهل على تلك الدول التصديق على معاهدة دون تنفيذها، حيث تستخدم معاهدات حقوق الإنسان للإشارة إلى أن الدولة تدعم هذه الحقوق، ويمكن للدول الاستفادة من هذا الامر بعدة طرق، منها في زيادة فرص حصول تلك الدول على مساعدات دولية بنسبة أكبر، ولأنه من الصعب إنفاذ معاهدة أو رصد التقدم الحاصل في تنفيذها، لا يتعين على الدولة أن تتخذ خطوات ملموسة لتعديل سلوكها، لذا فأنه من غير المرجح أن يكون للتصديق على معاهدة دولية تتعلق بحقوق المرأة أثر على السلوك السياسي المحلي أو على قرار حكومي بإصدار تشريع يتعلق بالعنف الأسري.

وبحسب الباحث فقد خلصت تقارير الأمم المتحدة إلى أن الوضع العام للاقتصاد الكلي في البلاد يرتبط ارتباطا وثيقا بمعدلات العنف الأسري، حيث أن البلدان الأكثر تقدما من الناحية الاقتصادية لديها معدلات أقل من العنف الأسري، وهذا ما كان واضحاً خلال تقرير اليونيسف عام 2000، والتقرير السنوي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة لعام 2011 -2012 الذي تضمن دراسة عن  الأسباب الاقتصادية الجزئية للعنف الأسري، إذ يلاحظ وبضوء هذه التقارير أن مستويات التعليم المنخفضة والفرص الاقتصادية المحدودة للنساء ترتبط بارتفاع معدلات العنف الأسري.

من جانب اخر يَعتبر تقرير اليونيسيف (2000) وكودو بوب (2010) الدين عاملا ثقافيا هاما بشكل خاص يؤثر على كل من العنف الأسري وفعالية التشريعات. ولا يتضمن تقرير اليونيسيف تفاصيل عن الأديان التي ترتبط بإرتفاع معدلات العنف الأسري، لكنه يشير بوضوح أنه عندما يستخدم الدين لقمع النساء، فإن معدلات العنف الأسري  ستكون أعلى.

من جانبها قدمت الدكتورة بشرى العبيدي رئيسة قطاع القانون في الاتحاد العربي للمرأة المتخصصة / العراق, دراسة بعنوان “جرائم العنف الاسري وفق قانون العقوبات العراقي”، ناقشت خلالها جملة من التشريعات القانونية التي يجري العمل بها حالياً وشخصت مجموعة من النصوص التي يجب تعديلها بالإضافة لإقتراح إدراج نصوص أخرى إنسجاماً مع حقيقة وجوب إعادة النظر بالتشريعات والقوانين والأخذ بنظر الأعتبار معطيات التغير الأجتماعي الحاصل، كما طرحت الدكتورة بشرى عدداً من النصوص الواردة في القانون والتي تمثل بحد ذاتها تبريراً او تحريضاً على العنف الأسري كالمادة 41 – 1 التي تنص على (لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالاً للحق: تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الاولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً او قانوناً او عرفاً)، وغيرها من الفقرات التي تشكل محل خلاف وجدل واسع.

فيما كان للناشطة هناء أدور مداخلة تحدثت خلالها عن دور المجتمع المدني والمنظمات العاملة على هذا القانون في بناء اواصر التواصل وفتح قنوات العمل المشترك مع المشرعين لدفعهم للجدية في إقرار القانون، حيث تحدثت السيدة هناء عن الورشة التي تم إقامتها في اربيل مؤخراً وحضرها قرابة ثمان نواب برلمانيين وخمسة مستشارين للبرلمان وقضاة مختصين بالاضافة لمشاركة الناشطات ايضاً، إذ ان اهم مكسب نتج عن هذه الورشة تمثل بحضور ومشاركة رئيس لجنة الاوقاف حيث أن هذه اللجنة كانت من ابرز المعترض على هذا القانون لكن بعد سلسلة من المفاوضات والنقاش تم الوصول الى صيغ تفهم واتفاق مناسبة بحضور اللجنة القانونية ولجنة الخدمات ولجنة حقوق الانسان ايضاً.

ولعل ابرز التعديلات التي طرأت على هذا القانون، تتمثل في تغيير اسمه الى (قانون مكافحة العنف الاسري)، بعد ان كان اعضاء اللجان البرلمانية المعنية مصرين على مفردة الحماية، إذ ان النقاشات حول التسمية اوضحت ان اختيار صيغة المكافحة يأتي لانها تمثل اطار اوسع من الحماية يتمحور حول المعاقبة والرعاية والتاهيل والتثقيف، حيث ان هذه التسمية تنسجم مع ما جاء في متن القانون: “يهدف هذا القانون الى مكافحة جريمة العنف الاسري والوقاية منها والحد من انتشارها، وتوفير الحماية للضحايا الذين وقعت عليهم الجريمة المذكورة وتوفير الرعاية اللازمة لهم وتأهيلهم ومعاقبة مرتكبيها والسعي للمصالحة الاسرية“.

يذكر ان من اهم ما يمتاز به القانون العراقي ويختلف به عن الدول العربية التسع الاخرى التي أصدرت قانون مشابه من حيث الموضوع، ان العراق شكل لجنة عليا تأخذ على عاتقها رسم السياسات والاقتراحات والتنسيق وتنفيذ البرامج الخاصة بمكافحة العنف الأسري، وهذا ما اشادت به المنظمات الدولية في إشارة الى ان القانون العراقي سيكون متميز بفاعليته من هذه الناحية، يُذكر ان هذه اللجنة ستكون برئاسة وزير العمل والشؤون الاجتماعية ونائبة ووكيل وزير الداخلية، كما تمت إضافة عدد من الوزارات المعنية للعمل ضمن هذه اللجنة، وكذلك ممثل عن اقليم كردستان وممثل عن المفوضية العليا لحقوق الانسان وممثل عن مجلس القضاء الأعلى ومنظمات المجتمع المدني أيضا.

من جانب اخر فإن الآلية المهمة التي تجعل هذا القانون ساري المفعول هي آلية المحكمة المختصة بهذا القانون وهي (محكمة الاسرة)، والتي تم الغائها بمجلس القضاء خلال فترة معينة، لكنها الآن قيد الدراسة ليعود العمل بها، كما يوجد في وزارة الداخلية مديرية مخصصة للإشراف على تنفيذ هذا القانون، وهي (مديرية حماية الاسرة والطفل من العنف الاسري) والتي تم تأسيسها عام 2009، حيث صرحت السيدة هناء انها تعتقد بأن هذه المديرية ستكون جزء مهم من عملية تفعيل القانون المذكور بعد إقراره.

ان هذا القانون يمثل تحول مهم في طبيعة العلاقات الاسرية، كما تلعب وسائل الاعلام دوراً مهماً في التوعية بهذا القانون كما هو دور المنظمات المدنية، بالإضافة الى طموحات متزايدة ان تتبنى المناهج الدراسية عملية التوعية بهذا القانون.

وقبل ختامها شهدت الندوة العديد من المداخلات التي عبر من خلالها الحاضرون عن تفاقم الأزمات الناتجة عن العنف الأسري والحاجة الجدية الى تكاتف الجهود الاجتماعية والحكومية لغرض النهوض بواقع الأسرة التي تشكل النواة الأساسية للمجتمع.