إطلاق سراح 7 طلاب اختطفوا في بغداد، و المجتمع المدني يطالب بالمسائلة عن اختطافهم وتعذيبهم… التضامن الدولي مطلوب!
في وقت مبكر جدا من صباح يوم 8 مايو / أيار، قامت مجموعة مسلحة ترتدي ملابس مدنية وتقود سيارات دفع رباعي مظللة الزجاج بإختطاف سبعة ناشطين جامعيين من شقتهم في منطقة البتاوين وسط بغداد ونقلهم إلى جهة مجهولة. وعلى اثر ذلك، أعربت منظمات المجتمع المدني العراقية عن ادانتها و غضبها من هذا الحادث من خلال منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وخرج الناشطون في مظاهرات احتجاجية في عدد من المدن العراقية. ومن المرجح أن تكون هذه الاستجابة السريعة والجهود المتظافرة من نشطاء المجتمع المدني قد حسمت الامر لضمان إطلاق سراح الطلاب في اليوم التالي.
مع ذلك، لم يتم اتخاذ اي خطوات حاسمة لحد الان من اجل محاسبة المختطفين.
في حين صرح مستشار وزير الداخلية وهاب الطائي أن “الشبان السبعة عادوا إلى أسرهم دون اي اصابات تذكر، بعد بذل جهود حثيثة و متواصلة من قبل وزير الداخلية وفريق خاص تمكنوا خلالها من تأمين الإفراج عن الطلاب السبعة”، في حين أن ماحدث في الواقع هو تعرض الطلاب لعمليات ضرب وتعذيب، اظهرتها صور انتشرت لأحد الطلاب المفرج عنهم!
هؤلاء الطلاب السبعة هم من الشباب المشاركين بإنتظام في الاحتجاجات والمظاهرات السلمية التي باتت تجري اسبوعيا في ساحة التحرير منذ آب / أغسطس 2015 للمطالبة بالإصلاحات السياسية ووضع حد للفساد الحكومي الذي يهدر ثروات العراق. احد الطلاب المختطفين يعمل صحفي في جريدة طريق الشعب (تابعة للحزب الشيوعي العراقي) واخرين بينهم نشطاء في اتحاد طلابي يساري تابع لنفس الحزب كما ان البعض منهم نشر على صفحات التواصل الاجتماعي، اراء ناقدة ضد المليشيات او شخصيات قيادية فيها واخرين انتقدوا بشدة عملية تغييب وعي الجمهور العراقي واشغالهم بحجة المناسبات الدينية والزيارات المرتبطة بها.
الطلاب هم من مدن جنوب العراق ووسطه لكنهم يدرسون في بغداد ويتخذون من شقة سكنية في وسط بغداد – منطقة البتاوين- سكن طلابي لهم.
وبعد إطلاق سراحهم، عقد الطلاب مؤتمرا صحفيا كشفوا فيه عن تفاصيل اختطافهم وضربهم. واوضحوا أنهم تعرضوا للإهانة والضرب من قبل الخاطفين الذين كانوا يمتلكون معلومات واسعة عن تفاصيل حياتهم وعملهم. فيما بين الطلاب ان الخاطفين اجروا معهم تحقيقاً مطولاً حول المظاهرات والاحتجاجات وما تهدف اليه. وأضاف الطلاب خلال المؤتمر الصحفي ان “بعد تغير تعامل الخاطفين معنا عرفنا أن هناك ضغوطاً عليهم، حيث بدأوا بمناقشات جانبية معنا حول العالم العربي، إضافة إلى النكت والمزاح من أجل ترطيب الأجواء”. فيما تم الافراج عن الطلاب السبعة وتركهم في منطقة التاجي في بغداد حوالي الساعة 12:10 صباح يوم الاربعاء 10 مايو/ايار. وعلى الرغم من اطلاق سراحهم الا انهم وصفوا كيف قام الخاطفون بتهديدهم بعدم المشاركة في المظاهرات أو نشر انتقادات للميليشيات على مواقع التواصل الاجتماعي.
فيما لم تكشف الجهات الحكومية حتى الآن شيئاً عن الجهة المسؤولة عن عملية الاختطاف والتعذيب. وذكر رئيس الوزراء حيدر العبادي في مؤتمره الصحفي الأسبوعي أن الخاطفين تم تصويرهم بواسطة الكاميرات وأن الحكومة لديها تفاصيل مهمة عن عملية الاختطاف، وقال العبادي إن هذه العمليات تتم من اجل تخويف النشطاء، فيما أكد أن المواطن حر في التعبير عن رأيه وهذا حق مكفول بموجب الدستور العراقي. وقال سعد معن المتحدث بإسم وزارة الداخلية ان الوزارة تقوم حالياً بتحليل صور الخاطفين من اجل التعرف عليهم واعتقالهم ومحاسبتهم.
وندد جاسم الحلفي، الشخصية البارزة في عملية الاحتجاحات السلمية ضد الفساد، بعمليات اختطاف الطلاب واصفا اياها بأنها “اعتداء على حرية التعبير، تهدف إلى غرس الخوف بين المواطنين وإخماد حركة الاحتجاج”. معلنا ان الاحتجاجات قضية وطنية لا يمكن اسكات صوتها وان مثل هذه الاعمال ستزيد من عزيمة المتظاهرين واصرارهم.
وتستقطب الانشطة المدنية المطالبة بالاصلاح والتغيير ومحاربة الفساد ومكافحة الجهل والتغييب العديد من الشباب العراقي بشكل عام والطلاب الجامعيين على وجه الخصوص.
يشكل الفساد الحكومي تحديا كبيرا في العراق، حيث يحتل العراق المركز 166 من اصل 176 دولة في مؤشر الفساد العالمي. ومع ذلك، فإن أولئك الذين يخرجون الى الشارع ويطالبون بالتغيير يتعرضون للتهديد والتعذيب والاختطاف من قبل الميليشيات، وكثير من هذه العمليات لها صلات مباشرة بالبرلمانيين ووزراء الحكومة. في الواقع، ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اختطاف عدد من المتظاهرين الشباب. وعادة ما تتم عمليات الاختطاف هذه من قبل جماعات مسلحة أو ميليشيات تتمتع بقدر كبير من الحرية للتحرك والتجول داخل مدينة بغداد بسبب تأثيرها ونفوذها على الأجهزة الأمنية في العاصمة، الأمر الذي يجعل من الميليشيات هذه فوق القانون. ويطالب المتظاهرون والمدافعون عن حقوق الإنسان الحكومة العراقية بايقاف هذه الجماعات المسلحة التي تتحرك بحرية داخل العاصمة وتقوم بعمليات الاختطاف والتهديد في وضح النهار عند حدها.
فيما أصدر “تحالف المادة 38″، الذي يظم مجموعة من المنظمات و الناشطين العراقيين، بيانا أعرب فيه عن ارتياحه لتحرير الشباب الذين تعرضوا للاختطاف وهم كل من (أحمد نعيم رويعي، حيدر ناشي حسن، علي حسين شناوة، سامر عامر موسى، عبدالله لطيف فرج، زيد يحيى، حمزة يونس) وتقدم خلاله التحالف بالشكر الى كل الجهود المبذولة من قبل الاوساط الاعلامية والناشطين والمسؤولين الحكوميين وكل من ساعد في انقاذ حياة المخطوفين. ووجهوا الدعوة إلى السلطات المعنية والمتمثلة برئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، لطمأنة المجتمع المدني، وعموم أبناء الشعب، بأن الحكومة وأجهزتها الامنية قادرة على توفير الحماية لهم من خلال وضع حد للجماعات المسلحة المنفلتة واتخاذ اجراءات ملموسة لحصر السلاح بيد الدولة. وأصر التحالف على وجوب تقديم الخاطفين إلى العدالة، ووضع حد لكل المجاميع المسلحة داخل المدن، والتعامل مع جرائم الخطف على انها جرائم ارهابية كبرى. ودعا التحالف الرئاسات الثلاث، ومجلس النواب وكافة القوى السياسية في البلد للتنديد بالحملة الممنهجة التي تقودها جهات متطرفة لاستهداف الناشطين. واضاف البيان “اننا نهيب بكل الناشطين والمثقفين والاعلاميين والاكاديميين، ان يواصلوا العمل لدعم كل الجهود التي تسعى لوضع حد لهذه الجرائم وممارسات الترهيب والتخويف. ونحن عازمين على مواصلة نشاطنا السلمي المتنوع…ولا تراجع” .
ودعما لجميع النشطاء والاحتجاجات العراقية السلمية، تدعو مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي مكتب حقوق الإنسان التابع لبعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق (يونامي) وبعثة الاتحاد الأوروبي في بغداد إلى مطالبة الحكومة العراقية بالعمل على الكشف عن الجهة اتي قامت باختطاف وتعذيب الطلاب السبعة ومحاسبتهم على جريمتهم، وفقا للقانون العراقي. ليس للمجتمع الدولي وللامم المتحدة ان تتجاهل مايتعرض له المدافعين عن حقوق الانسان من مخاطر في بغداد على بعد امتار من المنطقة الخضراء. ويجب على الناشطين الدوليين في مجال حقوق الإنسان التضامن مع المطالب التي تدعو لمحاسبة العصابات المنفلتة ودعم حق المواطنين العراقيين في الاحتجاج السلمي.