قراءة عراقية في إتفاقية قانون إستخدام المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية (٢)
استكمالاً لما ورد في الجزء الاول[1]
الباب الثاني –المبادئ العامة
ويمثل الباب الثاني -المبادئ العامة، جوهر هذه الاتفاقية، ويتكون من ستة مواد خصصت لأهم المبادئ الدولية المعتبرة التي تحكم إستخدام المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية. ويتصدر هذا الباب مبدأ الانتفاع والمشاركة المنصفان والمعقولان (وهو ما أشير له سابقاً كأحد مبادئ العرف الدولي الملزم). كما يشمل مواد أخرى مثل: العوامل ذات الصلة بالإنتفاع المنصف والمعقول، ومبدأ الإلتزام بعدم التسبب في ضرر ذي شأن، والالتزام التام بالتعاون، والتبادل المنتظم للبيانات والمعلومات.
وهنا سيتم التركيز على ثلاثة مبادئ لأهميتها القصوى.
١- مبدأ “الإنتفاع والمشاركة المنصفان والمعقولان”
لا يسعنى هنا سوى الاتفاق مع الخبير المائي الدكتور سلمان خير الله، حول وصفه مبدأ الإنتفاع والمشاركة المنصفة، المنصوص عليه في المادة ٥ من الاتفاقية، بأنه حجر زاوية الاتفاقية بأكملها[2] . وتنص المادة خمسة على التالي:
المادة 5
1- تنتفع دول المجرى المائي، كل في إقليمها، بالمجرى المائي الدولي بطريقة منصفة ومعقولة. وبصورة خاصة، تستخدم هذه الدول المجرى المائي الدولي وتنمِّيه بغية الإنتفاع به بصورة مثلى ومستدامة والحصول على فوائد منه مع مراعاة مصالح دول المجرى المائي المعنية. على نحو يتفق مع توفير الحماية الكافية للمجرى المائي.
2- تشارك دول المجرى المائي في إستخدام المجرى المائي الدولي وتنميته وحمايته بطريقة منصفة ومعقولة. وتشمل هذه المشاركة حق الانتفاع بالمجرى المائي و واجب التعاون في حمايته وتنميته على النحو المنصوص عليه في هذه الاتفاقية.
وتأتي أهمية المادة هذه من كونها تتيح لدول المجرى المائي الدولي، الإستفادة من المجاري المائية، وهو أمر عادة ما يفسر بصالح دول المنبع على الأخص، والتي تبغي عادة الاستفادة القصوى من المجاري المائية الدولية، ولأنها تتحكم بالموارد الاساسية بحكم وجودها داخل حدودها الجغرافية.
لكن هذه الفقرة واضحة بربط حق الإستفادة ب”الإنصاف، والمعقولية” الواردة بنفس الفقرة، وكذلك مع وجود الاستدامة والحماية الكاملة للمجرى المائي. وهذه ليست أمور ثانوية، بل هي تقع في صلب تحقق مبدأ الإنصاف و العدالة و العقلانية المحددة لمبدأ الإستفادة. ويجب أن يفهم مبدأ الإنصاف والعدالة هذا كمحدد ببُعدين، بُعد داخل الجيل الحالي نفسه والبُعد الآخر مرتبط بالأجيال القادمة[3].
ليس هذا فقط، بل يجدر النظر للماده خمسة، في إطار (وليس بمعزل عن) ما يليها من مواد، خصوصا المادة ٦ و٧.
حيث تنصرف المادة (٦) “العوامل ذات الصلة بالإنتفاع المنصف والمعقول” لتحديد عوامل أساسية على علاقة أساسية بالإنتفاع المنصف والمعقول مثل العوامل الطبيعية (الجغرافية والهيدرولوجية والمناخية والإيكولوجية، وغيرها) ثم الحاجات الإجتماعية والإقتصادية لدول المجرى المائي المعنية؛ و السكان الذين يعتمدون على المجرى المائي في كل دولة من دول المجرى المائي؛ و آثار استخدام أو استخدامات المجرى المائي في إحدى دول المجرى المائي على غيرها من دول المجرى المائي؛و حفظ الموارد المائية للمجرى المائي وحمايتها وتنميتها والاقتصاد في إستخدامها وتكاليف التدابير المتخذة في هذا الصدد. كما تحدد المادة ٦ أبضاً “المشاروات بروح التعاون” كوسيلة أساسية للوصول للإستفادة والإنتفاع والمشاركة المنصفان والمعقولان.
أما المادة سبعة فتأتي بما لا يقبل التحوير أو التساهل حول إحداث ضرر بالآخرين، فتتخصص المادة (٧) ب”الإلتزام بعدم التسبب في ضرر ذي شأن”. و هي من المواد المهمة التي يجدر أن تكون في مقدمة الأدوات القانونية التي يشار لها عند الحديث عن المجاري المائية الدولية المشتركة خصوصاً لدول الممر والمصب كما هو حال العراق. وتنص المادة سبعة:
المادة 7 “الإلتزام بعدم التسبب في ضرر ذي شأن”
1- تتخذ دول المجرى المائي، عند الإنتفاع بمجرى مائي دولي داخل أراضيها، كل التدابير المناسبة للحيلولة دون التسبب في ضرر ذي شأن لدول المجرى المائي الأخرى.
2- ومع ذلك، فإنه متى وقع ضرر ذو شأن لدولة أخرى من دول المجرى المائي، تتخذ الدول التي سبب إستخدامها هذا الضرر. في حالة عدم وجود إتفاق على هذا الاستخدام، كل التدابير المناسبة، مع مراعاة الواجبة لأحكام المادتين 5 و6 وبالتشاور مع الدولة المتضررة، من أجل إزالة أو تخفيف هذا الضرر والقيام، حسب الملائم، بمناقشة مسألة التعويض.
و يأتي القسم الأول من المادة ليبين ضرورة إتخاذ كل التدابير اللازمة لعدم إحداث ضرر، وهو أمر لم تلتزم به على سبيل المثال، الجارة تركيا في إقامة سدودها الكبيرة على نهري الفرات ودجلة. وسد اليسو خير مثال، فهذا السد الكبير الذي لم يكتمل لغاية يومنا هذا، وهو الأول والأكبر على مجرى نهر دجلة، تشيده الحكومة التركية دون إستشارة العراق، و دون أي تدابير للحيلولة دون التسبب بضرر كبير، ولا أي تدابير لمراعاة مبدأ الإنتفاع والمشاركة المنصفان.
بينما يقر القسم الثاني من المادة، مسألة التعويض ليفتح باب واسع للدول المتضررة، العراق في هذه الحالة، وفي إتجاهين. الأول نحو الحكومات والدول لمطالبتها بتعويضات عن كل الأضرار التي تسببت بها أو التي ستسببها المنشأة التي بنيت في خلاف مبادئ القانون الدولي هذه.
الثاني نحو الشركات الكبرى المنفذة للسدود العملاقة، أو البنوك ومؤسسات التمويل، لمساهمتها في أعمال تتسبب في خطر على بلدان أخرى دون التشاور معها. وهو أمر في غاية الأهمية والحساسية، خصوصاً إذا علمنا أن هذه الشركات والبنوك والمؤسسات الخاصة، توفر في العادة التمويل اللازم أو التقنيات التي بدونها لا يمكن لهذه السدود أو المنشآت أن تعمل.
وفي حالة سد اليسو تقوم شركة اندرتز النمساوية العملاقة بتجهيز سد اليسو بالتوربينات العملاقة المشغلة لجسم السد. وهي بذلك مشاركة بشكل مباشر في الضرر الجسيم الذي سيتكبده العراق جراء إكمال وتشغيل سد اليسو. ووفقاً لهذا الأساس، للعراق ولمواطنيه التحرك بسرعة لتنبيه هذه الشركة الى حقهم في مقاضاتها وفقاً للعرف الدولي وللقانون الدولي وإعتماداً على المادة ٧ من هذه الإتفاقية. وهو أمر بادرت به حملة إنقاذ نهر دجلة حين أصدرت رسالة مفتوحة لرئيس شركة اندرتز السيد وولف جانج لتنر[4].
ومن الجدير بالإشارة الى أن المختصين يجادلون حول هذين المبدئين “الإنتفاع والمشاركة المنصفان والمعقولان” المادة خمسة ومبدأ الالتزام بعدم التسبب في ضرر ذي شأن المادة سبعة، وتحديداً حول أفضلية وأسبقية أحدهما على الآخر. نقاش أخذ وقت طويل جداً[5]. فدول المنبع كانت تفضل الأول لأنه يتيح لها أن تستخدم المجاري الدولية المشتركة ، بينما تفضل دول الممر والمصب، الثاني لأنه يركز على عدم التسبب في ضرر ذي شأن. وفي الحقيقة أن الأخير هو الأحدث في التطور ، وقد كان جزء من المادة خمسة في قواعد هلسنكي التي إعتبرت ضمنياً عدم التسبب في ضرر جزء من الإنتفاع المنصف والمعقول. وجائت الإتفاقية هذه لتديم الوصل ولترفع من أهمية مبدأ “الإلتزام بعدم التسبب في ضرر ذي شأن” لتفرد له مادة خاصة وليكون مبدأ ذي شأن أكبر وأهم[6].
مع ذلك وفي حالة العراق، المسألة ليست أي من المبادئ يتم تقديمها حين النقاش مع تركيا أو إيران، بل المشكلة تقع أساساً في إهمال العراق لقيمة واهمية هذه المبادئ، والتفريط في العودة لها. وهو الأمر الذي نركز عليه هنا، فليس إنعدام الوسائل القانونية ما يعيق العراق من حماية أمنه المائي، بل هو التقاعس وعدم التمكن من الأدوات المتاحة وبالتالي إستخدامها، وهذا حكم يتعدى حكومة العراق الحالية ليشمل كل حكومات العراق التي حكمت قبل وبعد العام ٢٠٠٣.
ويتضمن الباب الثاني أيضاً مواد أخرى عامة مثل المادة ثمانية التي تتحدث عن “الإلتزام العام بالتعاون” ، والمادة تسعة وتتخصص ب “التبادل المنتظم للبيانات والمعلومات” والمادة عشرة والتي تتحدث عن “العلاقة بين أنواع الاستخدامات المختلفة” يمكن مراجعتها في نص الاتفاقية.
[1] هذه المقالة تأتي بعد تمهيد عن أهمية هذه الإتفاقية نشر بعنوان “العراق و إتفاقية قانون إستخدام المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية لعام ١٩٩٧”، للإطلاع على التمهيد يمكنكم قراءة الموضوع التالي: https://ar.iraqicivilsociety.org/?p=4052
[2] انظر سلمان محمد احمد سلمان ، الاقطار العربية وإتفاقية الامم المتحدة للمجاري المائية الدولية
[3] انظر شكراني الحسين، العدالـة المائيـة من منظور القانون الدولي، سبتمبر ٢٠١٣
[4] قدمت حملة إنقاذ نهر دجلة والاهوار العراقية رسالة مفتوحة لشركة اندرتز بخصوص تبعات أعمالها في سد اليسو، للإطلاع على الرسالة: http://www.iraqicivilsociety.org/archives/1408
[5] انظر سلمان محمد سلمان
[6] http://www.internationalwaterlaw.org/documents/intldocs/Helsinki_Rules_with_comments.pdf