هل يكون مقتدى الصدر حصان طروادة في الانتخابات المقبلة؟
تحركات سياسية مثيرة يقوم بها التيار الصدري بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر الذي انشق عن “التحالف السياسي الشيعي” وسحب وزراءه من الحكومة، وانضم إلى التظاهرات المدنية المطالبة بالإصلاح، وأخيراً يسعى لتحالف عابر للطوائف.
تنشغل حركة التيار الصدري منذ أسابيع في نشاط سياسي ملحوظ استعدادا للتحديات السياسية المقبلة، وأبرزها الانتخابات التشريعية الأهم والأخطر في البلاد بعد 2003 والمقرر إجراؤها العام المقبل، ويجري الصدر محادثات جدية مع التيار المدني في البلاد نحو تشكيل تحالف هو الأول من نوعه بين حركة إسلامية شيعية وحركة مدنية علمانية.
في بغداد والنجف يجري أعضاء في الحركة المدنية اجتماعات مكثفة مع أعضاء التيار الصدري تتناول محورين البحث عن مستقبل الحراك السياسي بين الطرفين وعقد تحالف سياسي انتخابي في المستقبل، والثاني التأكيد على استمرار الاحتجاجات الشعبية الأسبوعية في كل يوم جمعة في بغداد وباقي المحافظات.
التحالف الجديد اختبر قدرته على العمل السياسي، وتمكن خلال الأسابيع القليلة الماضية من التحشيد ضد إقرار قانون حرية التعبير في البرلمان بفضل الاحتجاجات الشعبية خارج مبنى البرلمان، وبفضل نواب التيار الصدري داخل قبة البرلمان، كما أن التحالف حشّد عشرات النواب بالضد من مفوضية الانتخابات التي يطالب كلا الطرفين بتغيير أعضائها قبل اجراء أي انتخابات بسبب اتهامها بالولاء لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
وعلى الرغم من الاختلافات الأيدلوجية الواضحة بين الصدريين والمدنيين، ولكن نقاطا مشتركة مهمة تجمع الطرفين وابرزها العداء لرئيس الوزراء الأسبق، فالتيار الصدري يعتبر ألدّ أعداء المالكي ولا يخلو أسبوع دون تصريحات مناهضة من كلا الطرفين، كما ان اللجان التنسيقية للتظاهرات تكنّ العداء للمالكي أيضا المعروف بعدائه لأول حراك شعبي جرى في 25 شباط (فبراير) 2011 عندما استخدم الجيش والطائرات لضرب المتظاهرين العزل واعتقال بعضهم.
في 19 أيار (مايو) الماضي قال مقتدى الصدر في مقابلة تلفزيونية ان “المالكي باع ثلث العراق، ولن اعطي صوتي له ليكون رئيس وزراء من جديد مستقبلا”، وبعد أسبوعين على كلام الصدر، انتقد المالكي بدوره التيار الصدري وقال انه “بات خارج التحالف السياسي الشيعي ويغرد خارج السرب”، كما انتقد المالكي القائمين على التظاهرات وقال إنها موجهة ضد الإسلاميين.
الصدر خارج التحالف الشيعي
تفتخر الأحزاب الشيعية القابضة على سدة الحكم في العراق منذ 2003 على انها امتلكت الأغلبية البرلمانية في الانتخابات التشريعية الثلاثة التي جرت أعوام (2005،2009، 2014) وحصلت هذه الأحزاب في الانتخابات الأخيرة على (178) نائباً من اصل (328) هو العدد الكلي لنواب البرلمان العراقي.
ويتكون التحالف الشيعي من ائتلاف “الاحرار” التابعة الى رجل الدين مقتدى الصدر (34 مقعدا)، وائتلاف “المواطن” بزعامة عمار الحكيم (30 مقعدا)، و”تيار الإصلاح الوطني” بزعامة إبراهيم الجعفري وزير الخارجية الحالي (6 مقاعد)، وائتلاف “الفضيلة” (6 مقاعد)، و”ائتلاف دولة القانون” (101 مقعد)، إضافة الى كتلة “الصادقون” التابعة الى حركة “عصائب أهل الحق” (مقعد واحد).
ويسعى المالكي الى العودة للحكم مجددا، ولكنه هذه المرة يحمل شعار الأغلبية السياسية في الحكم وليس التوافق الوطني بين الشيعة والسنة والاكراد، وتؤيده في ذلك الفصائل المسلحة الشيعية القريبة من ايران التي أعلنت تحالفها مع المالكي في الانتخابات المقبلة.
ولكن انشقاق التيار الصدري من “التحالف الشيعي” يعني خسارة التحالف نحو 30 مقعدا نيابيا وبهذا سيخسر التحالف السياسي الشيعي الأغلبية السياسية التي كان يحققها بعد كل انتخابات، فيما يتجه الصدر نحو تشكيل تحالف مع المدنيين وقوى سياسية أخرى بينها ائتلاف “الوطنية” بزعامة نائب رئيس الجمهورية اياد علاوي.
في نيسان (ابريل) الماضي برز على الساحة السياسية اسم احمد الصدر وهو ابن شقيق مقتدى الصدر الذي اغتيل مع والدهم المرجع الديني محمد الصدر في النجف عام 1999 أيام حكم الرئيس الراحل صدام حسين، اذ قرر مقتدى الصدر زج ابن شقيقه الشاب الثلاثيني في معترك السياسة.
احمد الصدر اجرى في نيسان (ابريل) لقاءات واسعة مع اغلب الأحزاب السنية والكردية ضمن التحركات السياسية للتيار الصدري والاستعداد لمرحلة بعد تنظيم “داعش”، واستثنى اجراء لقاء مع “ائتلاف دولة القانون” بزعامة المالكي.
ويقول النائب علي شويليه عن كتلة “الاحرار”، لـ “نقاش” ان كتلته تسعى لتشكيل تكتل سياسي غير طائفي يضم قوى شيعية وسنية وكردية وعلمانية، “فالتحالفات الطائفية اثبتت فشلها وعلينا عدم تكرار الأخطاء نفسها”.
ويضيف ان “التيار الصدري هو اول الذين بادروا لكسر التحالفات الطائفية، وقدمنا تنازلات كثيرة من اجل ذلك، سحبنا وزراءنا من الحكومة من اجل منح رئيس الوزراء حرية في اختيار وزراء تكنوقراط، بينما رفضت باقي الكتل ذلك وأصرت على المحاصصة الطائفية في الحكم”.
نقاط قوة الصدر
منذ إعلان مقتدى الصدر تجميد ميليشيا جيش المهدي عام 2008 دخل الرجل في صراع مع ايران وقرر وقف دراسته الدينية في مدينة قم وحوّل محل اقامته الى لبنان وبعدها تبنى الصدر مواقف معتدلة دينيا، ومعارضة سياسيا للنخبة الحاكمة، اذ تبنى تقاربا لافتا مع السنّة في العراق وصلى في احدى المرات في جامع أبو حنيفة في منطقة الاعظمية السنية في بغداد، وانتقد ميليشيات شيعية قريبة من ايران اسماها “الميليشيات الوقحة” لتورطها في عمليات استهداف طائفي خلال المعارك ضد “داعش”.
وفي نيسان (ابريل) 2016 اعلن الصدر دعمه للتظاهرات الأسبوعية التي ينظمها التيار المدني في بغداد وعدد من المحافظات منذ عامين، وأعطى الآلاف من أنصاره زخما كبيرا لحركة الاحتجاج، وشارك الصدر بنفسه في التظاهرات، وتطورت الى اقتحام المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان مطالبا الحكومة والبرلمان بإجراء إصلاحات سياسية واسعة وتشكيل حكومة تكنوقراط متنازلا عن وزرائه في الحكومة كبادرة نحو حكومة غير حزبية.
وعلى الرغم من السجل الحافل من الخلافات والانشقاقات التي عصفت بالتيار الصدري خلال السنوات الماضية الا انه بقي محافظا على شعبية عارمة في الأوساط الشيعية، فالصدر هو الوحيد القادر على تحشيد مئات الآلاف من السكان خلال ساعات، بينما فشلت أحزاب شيعية أخرى في تحقيق ذلك بسبب عزلتها عن الجمهور الشيعي باعتبارها أحزاباً جاءت من الخارج، فالحركة الصدرية هي الوحيدة التي كان أعضاؤها داخل البلاد أيام حكم الرئيس الأسبق صدام حسين.
وتكمن قوة التيار الصدري في ثلاثة عوامل، شخصية الصدر الملهمة للملايين من الشيعة الفقراء في بغداد ومحافظات الجنوب، القوة المسلحة المتمثلة بـ(جيش المهدي سابقا، سرايا السلام حاليا)، وأخيرا الجناح السياسي الذي ينشط في الحكومة والبرلمان وفي مجالس المحافظات، وبقيت هذه العوامل مترابطة ومتماسكة برغم التحولات التي عصفت في الخريطة السياسية العراقية.
هذه العوامل الأساسية ومعها مساعي الصدر نحو التحالف مع قوى مدنية وسنية وكردية، فان التيار الصدري سيكون عاملا مهما في الانتخابات التشريعية المقبلة، فالأحزاب الشيعية لن تمتلك الأغلبية التقليدية بدون الصدر، بينما تسعى الأحزاب السنية والكردية الى التحالف مع الصدر لمنع وصول رئيس وزراء متشدد الى الحكم، فهل سيكون الصدر حصان طروادة في الانتخابات المقبلة؟.