الموصل: ماقبل وبعد التحرير
اعلان العبادي عن تحرير الموصل من تنظيم داعش الارهابي في التاسع من تموز اطلق موجات من الفرح والراحة في جميع انحاء العراق. الكثير من الاحتفالات اقيمت وفي جميع انحاء البلاد فور انتشار خبر تخليص الموصل الحبيبة من قبضة داعش الوحشية.
منذ عام 2014، عندما قام البغدادي بأعلان الخلافة من منبر مسجد النوري الذي دمر الآن، تعرض سكان مدينة الموصل لمعاناة لا توصف: آلاف القتلى، الملايين من النازحين، والمدينة نفسها تحولت إلى “ترسانة عملاقة”.
شهدت الأشهر التسعة الماضية معركة ضارية لتحرير الموصل من داعش، هجمة وحرب شنها المقاتلون العراقيون بمختلف تشكيلاتهم الامنية و باسناد من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.
الفوضى والرعب والدمار رافق علميات تحرير الموصل، وخاصة في الأسابيع الأخيرة التي حدثت فيها المعارك في وسط المدينة القديمة المليئة بالازقة والشوارع الضيقة. وكان على القوات المقاتلة اخلاء المدنيين واغاثتهم في ضروف صعبة بعد ان استخدمهم داعش كدروع بشرية.
وافادت منظمة العفو الدولية بأن مقاتلي داعش استخدموا السكان كدروع بشرية وهم يحاولون الحفاظ على سيطرتهم. وفي الوقت نفسه، تم الإبلاغ أيضا عن انتهاكات جسيمة من بعض المقاتلين العراقيين والقوات التي تقودها الولايات المتحدة: فقد أدى الإهمال والاستخدام غير الدقيق للأسلحة وفي بعض الحالات في سقوط ضحايا مدنيين من الأبرياء.
و الانتهاكات التي تستهدف المدنيين يمكن تصنيفها على أنها جرائم حرب خصوصا حينما تكون متعمدة.
وبعد التخلص من داعش ,تواجه مدينة الموصل الان تحديات كبيرة, وهنالك حاجة ملحة لأعادة البنى التحتية للمدينة والخدمات وتامين احبائها من مخلفات الحرب ، مما يسهل اعادة سكانها لها وتاهيلهم اجتماعياً.
ويجب التطرق الى افضل السبل لأعادة دمج السكان من الاقليات الى المدينة لتكون موحدة ومزدهرة من جديد, كون الموصل معروفة تاريخياً بتنوع سكانها.
وللأسف وبعد الذي مر بهد المدينة، نشاهد عدم ثقة السكان بالجهات السياسية وعدم ثقتهم بأقرانهم وببعضهم الاخر. وهنالك من يروج لعمليات انتقام ومن يسعى الى ابعاد العوائل التي تورط بعض افرادها بالانظمام لداعش. في عملية عقوبة جماعية لاهالي واقرباء المتورطين مع داعش.
في حين يتوجب العمل على اعادة الثقة بين الناس و الحكومة، كون مثل هذه الثقة اساسية في اعادة تأهيل وبناء المنطقة. ولن يتحقق ذلك إلا بجهد متضافر وصريح لإشراك الفئات المهمشة في صنع السياسات والحكم.
ومع خروج الموصل من هذه الكارثة الإنسانية، يجب على المجتمع الدولي والمجتمع المدني أن يبذل كل ما في وسعه لبناء التضامن مع المدينة وابنائها ، والعمل معا من أجل تعزيز التماسك الاجتماعي، ودعم الموصل التي تعد كمركز ثقافي واقتصادي مهم ومتنوع في العراق.
واستنادا إلى تقرير حديث من منظمة باكس الهولندية، يمكننا تحديد بعض العوامل التي قد تعيق عملية اعادة السلام للموصل، والأهم من ذلك، يمكننا الاطلاع على الإجراءات التي قد تساعد في إعادة بناء الموصل.
وملخص هذه الاجراءات التي تهدف إلى تحسين الوضع الخطير في الموصل، يكمن في شقين. فمن ناحية، يجب أن تكون هناك خطة شاملة تنظم وتنسق أنشطتها مجموعة من الجهات الفاعلة المختلفة، وتضمن لها التمويل الكافي والدعم المستدام. ويجب توفير الحماية المستمرة لأولئك الذين يعيشون في المناطق التي لا تزال عرضة للتهديدات من داعش وغيرها (بما في ذلك قوات التحالف). وايضاً من المهم اعطاء الضحايا صوتاً وإيلاء اهتمام خاص للأفراد الذين عانوا وفقدوا الكثير في هذه الكارثة الإنسانية.
في حین أن مجلس الأمن الدولي وھیئات الأمم المتحدة الأخرى والحکومة العراقية ومؤسساتھا یجب أن تشارك بشکل فعال في عملیات العدالة الانتقالیة، علما ان نھج “من الأعلى إلی الأسفل” وحده غیر کاف.
يجب تحديد واشراك جماعات المجتمع المدني والناشطين المحليين، في محاولات لإعادة إقامة عدالة انتقالية في الموصل. يحتاج الضحايا إلى طرق واضحة للوصول إلى سبل انتصاف ملموسة تسمح لهم بمعالجة الفظائع الجماعية التي ارتكبت. إن الفشل في إشراك جماعات المجتمع المدني والضحايا الأفراد الذين يمثلونهم سيحجب حاجاتهم الملحة في حماية حقوقهم الأساسية ، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تصعيد التوترات بين المجموعات التي تعيش بالفعل في بيئة يشوبها الريبة، وعدم الاستقرار.
والواقع أن مجموعات المجتمع المدني قد بدأت بالفعل العمل: فقد أنشأت لجان لتقصي الحقائق في مناطق معينة، ودعت العراق إلى الانظمام الى المحكمة الجنائية الدولية، واحلة بعض جرائم الموصل لهذه المحكمة. وحاولت هذه المجموعات جمع وتوثيق روايات الشهود على الجرائم التي ارتكبت.
هذا النوع من العمل، الذي يستند بقوة على مبادئ العدالة التصالحية واللاعنف، يمكن أن يحقق وبفعالية انتقاله حاسمة الى استقرار المجتمع الموصلي بأسره.
إن مبادرات العدالة هذه والتي يجب ان تتسم بالشفافية، وان يشارك فيها جميع الأطراف بفعالية – المتورطون بالعنف والضحايا والمجتمع المتضرر الأوسع – هي وحدها التي ستبدأ في إرساء جذور الثقة العميقة الضرورية لتحقيق السلام المستدام والوحدة. وقد ثبت أن جماعات المجتمع المدني والحركات المحلية فعالة بشكل خاص في هذا المجال، كالمجموعات التي تدعمها مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي.