المدن المحرّرة غاضبة من سياسات الحكومة الاتحادية
مضت أشهر على تحرير معظم المدن التي احتلها تنظيم “داعش”، ويعاني سكانها اليوم من أزمات أمنية واقتصادية، ويتهمون الحكومة الاتحادية بتجاهلهم، الفوضى الأمنية والبطالة والدمار مشكلات لا يبدو أن الحكومة مستعدة لمواجهتها.
اضطر قاسم بدران وهو موظف في وزارة الكهرباء ويقطن في الجانب الايسر من مدينة الموصل إلى تحويل حديقة منزله الى دكان صغير لكسب العيش بعدما قطعت الحكومة راتبه مذ سيطرة تنظيم “داعش” على المدينة في صيف عام 2014.
وبعد طرد المتطرفين من مدينته قبل ثلاثة أشهر، ما زالت الحكومة تمتنع عن دفع راتبه على الرغم من قرار اتخذه مجلس الوزراء بتوفير هذه الرواتب للموظفين الذين يسكنون في المدن المحتلة من قبل “داعش” على أن تعطى لهم دفعة واحدة بعد طرد المتطرفين، إلا أن ذلك لم يحصل.
بدران تحدث لـ “نقاش”: عن ذلك بالقول “فرحنا كثيرا بطرد داعش من مدينتنا، ولكن الفوضى تعم المدينة، فرص العمل شحيحة، وتشكيلات أمنية متعددة تسيطر على الشوارع، خلال الشهرين الماضيين طرقت باب منزلي خمسة تشكيلات مسلحة بملابس عسكرية مختلفة لا اعرف انتماءهم، يطلبون وثائق العائلة، في الشارع المجاور لنا قتل شخص دون معرفة الأسباب”.
الشهر الماضي وجه تحالف القوى السياسية السنية في البلاد انتقادات لاذعة الى رئيس الوزراء حيدر العبادي، واتهموه بإهمال المدن السنية المحررة من المتطرفين، وقال التحالف في بيان رسمي إن “إجراءات الحكومة تجاه سكان هذه المحافظات تعسفية بسبب حرمانهم من حقوقهم طيلة السنوات الماضية”.
وتقول نوره البجاري النائب في البرلمان العراقي عن محافظة الموصل لـ “نقاش”: “عندما سيطر داعش على الموصل قطعت الحكومة جميع المخصصات المالية عنها من رواتب الموظفين والدرجات الوظيفية والموازنة الاستثمارية، كان الاتفاق ان يتم توفير هذه المبالغ وعند تحرير المدينة تعود الى اصحابها، ولكن هذا لم يحصل”.
ووفقا لقانون الموازنة المالية العراقية فان توزيع الأموال وقروض بناء المساكن وعدد المقاعد الوظيفية يكون وفق النسب السكانية لكل محافظة، وخلال السنوات الثلاثة الماضية حرمت الموصل والانبار وصلاح الدين من عشرين ألف درجة وظيفية، ومنحت الى المحافظات الأخرى المستقرة، وبعد استعادة الحكومة السيطرة على هذه المدن من المتطرفين لم تعوّض الحكومة سكان المحافظات رغم مشكلات البطالة والفقر والدمار الذي تعاني منها.
وتضيف البجاري ان “البطالة مرتفعة في الموصل والآلاف دمرت منازلهم ولا يمتلكون أموالا لإعادة إعمارها، الوظائف المتاحة هي الانضمام الى أحزاب وتشكيلات مسلحة غريبة انتشرت في المدينة، العديد من السكان اضطروا للانضمام لها رغم أنها وظائف مؤقتة”.
وتنتشر العشرات من التشكيلات المسلحة داخل الموصل هذه الأيام بملابس مختلفة يتقاسمون النفوذ في مناطقها، بينما بدأت فرحة الانتصار على المتطرفين تغيب شيئا فشيئا عن وجوه السكان، وبدأوا يشعرون بالخوف مجددا مع الفوضى وعمليات الانتقام والاعتقالات العشوائية، وفقا للبجاري.
ولا يختلف الوضع كثيرا في محافظة الأنبار اكبر مدن العراق مساحة، فالسكان ناقمون على الأوضاع الاقتصادية، بينما تتقاسم تشكيلات عشائرية مسلحة النفوذ في المناطق وغالبية مقاتليها بلا رواتب حتى تحول بعضهم إلى السرقة لتمويل أنفسهم.
في نيسان (ابريل) العام الماضي شارك سعدون الفهداوي مع شقيقه احمد في معارك استعادة السيطرة على مدينتهم هيت من قبضة “داعش”، قتل احمد وأصيب سعدون ضمن قوة عشائرية تطوعت لمساعدة الجيش دون مقابل على امل ان يتم ضمهم الى القوات المحلية كما وعدهم مسؤولون محليون، ولم يتحقق ذلك.
سعدون الذي تعرض لإصابة بليغة في قدمه منعته من ممارسة العمل ويقطن في منزل العائلة مع والدته وثلاثة من شقيقاته، قال لـ “نقاش”: انه “منذ اكثر من عام وأنا أراجع الدوائر الحكومية من اجل الحصول على حقوقي وحقوق اخي الشهيد، حملنا السلاح لمحاربة المتطرفين، ووعدونا بأننا سنكون عناصر في الشرطة المحلية، ولكن هذا لم يحصل”.
عندما هاجم “داعش” الانبار قبل ثلاثة اعوام واحتل بلدات الرمادي والفلوجة وعانة وراوة وهيت وكبيسة والرطبة انهار جهاز الشرطة المحلية، قسم من عناصر الشرطة اختار النزوح إلى خارج الأنبار خوفا من القتل على أيدي المتطرفين باعتبارهم مرتدين وخونة، والقسم الآخر اضطر للبقاء تحت حكم المتطرفين، لكن الحكومة على اي حال لم تعد تثق بهذه الجهاز خوفا من اختراق المتطرفين له.
اليوم تعاني الأنبار من نقص في عدد قوات الشرطة المحلية لفرض الاستقرار الامني، وتقوم وحدات عشائرية مسلحة غير نظامية يطلق عليهم اسم “الحشد العشائري” بتعويض هذا النقص على امل ان يتم تحويلهم الى قوات نظامية مع مرتبات وأسلحة أسوة بقوات “الحشد الشعبي” من الفصائل الشيعية التي تمتلك هيئة رسمية معترف بها من قبل الحكومة.
ويقول رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الأنبار راجع العيساوي لـ “نقاش”: “من المفترض ان تعامل المدن المدمرة معاملة خاصة من قبل الحكومة الاتحادية عبر تخصيص أموال لإعادة الإعمار، وتوفير فرص عمل لمواجهة البطالة المرتفعة، ولكن ذلك لم يحصل رغم مرور أشهر على طرد المتطرفين”.
في عام 2010 كان عدد الشرطة المحلية في الأنبار نحو (28) ألف شرطي، اما اليوم فيوجد نصف هذا العدد فقط، وترفض الحكومة ووزارة الداخلية تعويض هذا النقص عبر تطويع مقاتلي العشائر، كما ترفض إعادة اكثر من أربعة آلاف عنصر في الشرطة فصلتهم الحكومة من وظائفهم لأنها لا تثق بهم، وفقا للعيساوي.
ويقول العيساوي ايضا ان “الحكومة تتعامل بازدواجية، فهي تتجاهل توفير تخصيصات مالية إلى المدن المدمرة، كما أنها ترفض تطويع مقاتلي الحشد العشائري الذي يقاتلون المتطرفين منذ سنوات دون رواتب، بينما يتمتع الحشد الشعبي بامتيازات من رواتب شهرية وأسلحة جيدة”.
أما في صلاح الدين، فتسيطر الفصائل الشيعية على الملف الأمني في المدينة، وتنتشر العشرات من المقرات الدائمة لهذه الفصائل في مدن تكريت وسامراء وبيجي، وتحاول هذه الفصائل استقطاب العشائر السنية والسكان الى جانبها لإضفاء الشرعية على وجودها.
وتواجه المدينة أزمة سياسية أيضاً، فالصراع محتدم على منصب المحافظ، الأسبوع الماضي أطلق سراح المحافظ احمد الجبوري بعدما كان موقوفا بتهم فساد إداري ومالي، ويدير شؤون المدينة مؤقتا عمار البلداوي، ومن المرجح ان يتصاعد الصراع على المنصب خلال الأيام القليلة المقبلة.
عبد الحميد الجبوري وهو احد شيوخ مدينة تكريت مركز صلاح الدين، يقول لـ “نقاش” ان “المدينة في حالة فوضى ادارية وامنية، هناك صراع سياسي بين فريقين، الاول يمثله النائب مشعان الجبوري القريب من الحشد الشعبي، والثاني يمثله احمد الجبوري الذي يرفض تواجد الحشد الشعبي في المدينة”.
وتضم صلاح الدين بلدات مختلطة مذهبيا، فسامراء والدجيل وبلد بلدات شيعية، بينما تكريت مركز المحافظة والعلم والضلوعية ويثرب وبيجي والدور والصينية بلدات سنية، وبرغم محاولات المسؤولين المحليين توحيد التشكيلات الامنية الاربعة التي تسيطر على المدينة وهي الفصائل الشيعية، والجيش، الشرطة المحلية، وقوات العشائر إلا أن محاولاتها باءت بالفشل حتى اليوم.