جهات موالية لإيران تعارض الاحتجاجات الشعبيّة في العراق
المونيتر – علي معموري
مثّل مقتل الشاب منتظر الحلفي في 16 تمّوز/يوليو في قضاء المدينة – شمال البصرة ضمن اعتراضات شعبيّة تطالب بتحسّن الخدمات حدثاً مشابهاً لمقتل الشاب التونسيّ محمّد البوعزيزي في الرّابع من كانون الثاني/يناير عام 2011، الّذي أشعل ثورات الرّبيع العربيّ. وأدىّ مقتل الحلفي إلى سلسلة احتجاجات عارمة ضدّ الفساد المتفشّي في البلد وتردّي الخدمات ضربت مدن الوسط والجنوب منذ ذلك الحين وإلى الآن.
ووقفت المرجعيّة الدينيّة في النّجف بجانب المتظاهرين تماماً وأيّدت مطالبهم في شكل كامل وطالبت بالإسراع في تلبيتها. وذلك على لسان المتحدثين باسمها السيد احمد الصافي والشيخ عبدالمهدي الكربلائي، خطباء الجمعة في مدينة كربلاء، فقد جاء في خطبة السيد الصافي في السابع من اوغسطس: “إنّ الشعب الذي تحمّل الصعاب وتحدّى المفخّخات وشارك في الانتخابات واختار من بيدهم السلطة من القوى السياسية يتوقّع منهمــوهو على حقّ من ذلك ــ أن يعملوا بجدٍّ في سبيل توفير حياة كريمة ٍله ويبذلوا قصارى جهودهم لمكافحة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية وتجاوز المحاصصات الحزبية والطائفية ونحوها في سبيل إصلاح مؤسسات الدولة”.
وقد تحفّظت معظم الأحزاب المشاركة في الحكومة مثل ائتلاف المواطن وائتلاف الوطنيّة على لسان قياداتها. فقد صرح باقر جبر الزبيدي القيادي في ائتلاف المواطن بخصوص أحد التظاهرات بأن “ما حدث تقف وراءه جهات سياسية مشبوهة تريد خلق البلبلة والفوضى وإزعاج المواطنين وإحراج الحكومة”. وعبّر اياد علاوي زعيم ائتلاف الوطنية عن دعمه للتّظاهرات، متزامناً مع إسقاط اللّوم على منافسيها السياسيّين دون كتلته المشاركة في الحكم: “نجدد الدعم للمتظاهرين المنتفضين ولتوسيع الاصلاحات التي يطالب بها الشعب مطالبا الحكومة بمزيد من الاصلاحات الحقيقية التي ترتقي الى الحاجات الفعلية للمواطن”.
وما يلفت الانتباه في هذه الأجواء هو أنّ الجهات الإيرانيّة الرسميّة والأطراف العراقيّة المعروفة بولائها لإيران وقفت بشدّة ضدّ هذه الاحتجاجات الشعبيّة وأطلقت العديد من الاتّهامات ضدّها وحاولت إيقافها. ويرجع السبب لذلك الى استهداف الأحزاب الإسلامية المسيطرة على الحكم والموالية لإيران من قبل المتظاهرين لأداءهم السيء خلال فترة حكمهم، كما أن ظهرت مطالبات واسعة من قبل أطياف من المتظاهرين بتأسيس دولة مدنية غير دينية في العراق.
وأشار رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوّات المسلّحة الايرانيّة اللّواء حسن فيروز أبادي في 9 آب/أغسطس إلى أنّ الأزمة الجارية في العراق مصطنعة، معتبراً أنّ “الدعوات إلى التّظاهر تتمّ بتحريض من مجموعات معروفة، ومن غير المسلمين أحياناً، وذلك من أجل إظهار الحكومة في بغداد عاجزة”. ودعا الشعب العراقيّ إلى “الحذر من مكائد الأعداء، وأن يكون صابراً، ويساعد الحكومة المركزيّة في مجال التقدّم والتغلّب على المشاكل”.
وقد طالب خطيب الجمعة في النّجف السيّد صدر الدين القبانجي التّابع للمجلس الأعلى الإسلاميّ المعروف بانتمائه لإيران في خطبته لصلاة الجمعة في 7 آب/أغسطس بعدم المشاركة في التّظاهرات، وقال: “إنّ الهدف من ورائها ليس إصلاحيّاً، وإنّما العودة إلى الحكم اللادينيّ”.
ومن جهته، قام النّائب السّابق لرئيس الجمهوريّة نوري المالكي، والّذي أقيل من منصبه إثر الحزمة الأولى من إصلاحات رئيس الوزراء العراقيّ حيدر العبادي في 9 آب/أغسطس، بعدد من التّصريحات الشديدة ضدّ التّظاهرات والمتظاهرين، وقال في 10 آب/أغسطس إلى عدد من وسائل الإعلام: “إنّ المظاهرات قد خرجت عن إطارها الّذي يجب أن تلتزمه بسبب شعارات ضدّ الدين والحركات الإسلاميّة”.
وأعرب عن خشيته من “خسارة الأمن في المرحلة المقبلة”، في حال فقدان السيطرة على المظاهرات. وفي مقابلة له مع قناة “الآفاق” في 14 آب/أغسطس، قال: “اليوم نتعرّض إلى هجمة جديدة من الشعارات والشتائم في المظاهرات ضدّ رموز سياسيّة وعلماء دين من قبل التيّار المعادي للتيّار الدينيّ”، وقال: “هناك مشاريع أجنبيّة مكمّلة لداعش تقف وراء تلك المظاهرات”.
ولقد اطّلع “المونيتور” عبر اتّصالات هاتفيّة مع عدد من النّاشطين في إعداد المظاهرات والمشاركين فيها على أنّ المتظاهرين تعرّضوا لاعتداءات من قبل عصابات بلطجيّة إثر التّصريحات الآنفة الذكر، الّتي أطلقت من قبل المعارضين للتّظاهرات. وقال النّاشط في مجال حقوق الإنسان مهنّد الغزيّ لـ”المونيتور”: “إنّ مجموعة معصبة الرأس بعصابة خضراء تحمل صور السيّد علي السيستاني قامت بالهجوم على المتظاهرين في 14 آب/أغسطس بالسكّاكين والعيدان، وتعرّض اثنان إلى الضرب، وبعض النساء إلى الدفع والإهانة”.
وعلم “المونيتور” من مصدر مقرّب من بيت السيّد السيستاني في 15 آب/أغسطس أنّ الأخير يرفض بقوّة تصرّفات وحشيّة كهذه، وليس هناك من يمثّله سوى مكتبه والمتحّدثين باسمه رسميّاً، وأكّد المصدر أنّ السيستاني يقف بقوّة مع مطالب الجماهير المتظاهرة الداعية إلى الإصلاح ومكافحة الفساد في كلّ مؤسّسات الحكومة العراقيّة.
هذا إضافة إلى أنّ السيستاني رافق، وأحياناً سبق المتظاهرين، في ذكر بعض المطالب مثل طلب الإصلاح في النّظام القضائيّ، الّذي عبّر عنه المتحدّث باسم السيستاني الشيخ عبد المهدي الكربلائيّ في 15 آب/أغسطس، ساعات قبل رفع شعارات المتظاهرين الداعية إلى إصلاح النّظام القضائيّ.
ومن الملاحظ أنّ المظاهرات القائمة حاليّاً في العراق جمعت المتديّنين وغيرهم من المدنيّين والعلمانيّين والشيوعيّين تحت سقف وإطار واحد هو المطالبة بإصلاح النّظام ومكافحة الفساد في الحكومة العراقيّة. وعليه، يبدو أنّ استغلال الشعارات والشخصيّات الدينيّة، وخصوصاً السيستاني نفسه للهجوم على التّظاهرات يأتي بهدف إيجاد شرخ بين المتظاهرين بحيث يؤدّي بالعلمانيّين إلى أن يردّوا في المقابل بالاعتداء على رموز دينيّة، ممّا يسبب انسحاب الطبقة المتديّنة من التّظاهرات، ثمّ سيكون سهلاً قمع غير المتديّنين باسم محاربة الكفر واللادينيّة.
وتدلّ مجموعة المعطيات المذكورة على أنّ الهدف من التهجّم والاعتداء على المتظاهرين باتّهامهم بالضديّة للدين أو بالخروج عنه أو بأنّهم مع “داعش” من قبل تيّارات إيرانيّة أو موالية لإيران هو الدفاع عن أحزاب إسلاميّة معيّنة ذات تحالفات إقليميّة مع إيران.
وفي ظلّ اللّهجة الصريحة من قبل كلّ الجهات الإيرانيّة في الهجوم على المظاهرات والسيستاني في دعمه لها، يبدو أنّ هناك في الأفق صراعاً بين الطرفين في كيفيّة التّعامل مع الشأن العراقيّ. وفي حين تريد إيران للعراق أن يكون عنصراً أساسيّاً في مخيّمه الإقليميّ ضدّ المخيّم السعوديّ، يريد السيستاني سحب العراق من الصراعات الإقليميّة الجارية قدر الإمكان ليكون له قراره المستقلّ ضمن دولة مدنيّة فاعلة ومستقرّة.