توبتهم أغلقت أبواب مدينتهم المحررة: الشرطة المحلية ممنوعة من دخول الأنبار
جندي عراقي في الفلوجة بعد طرد داعش منها (الصورة: احمد الربيعي)
كمال العياش : نقاش
يواجه عناصر الشرطة المحلية في مدينة الأنبار والذين أجبرهم داعش على التوبة وإعلان البراءة من الأجهزة الأمنية عقب احتلال التنظيم المدينة تهمة إطاعة المتشددين وترك العمل
دعوة العائلات للعودة إلى مدنها المحررة في محافظة الأنبار لم تشمل الآلاف من منتسبي القوات الأمنية الذين أعلنوا توبتهم وتخلوا عن وظائفهم في فترة سيطرة داعش على محافظة الأنبار.
مصادر أمنية أكدت لــ”نقاش” أن المعلومات الاستخباراتية والوثائق التي حصلت عليها بعد تحرير غالبية مدن محافظة الأنبار (110) كلم غرب العاصمة بغداد تشير الى وجود أكثر من (60000) مطلوب لدى التنظيم المتشدد، ثلاثون بالمئة منهم يعملون ضمن تشكيلات الأجهزة الامنية بينهم عشرون ألفا أعلنوا توبتهم.
وحسب المصادر الأمنية ذاتها فأن أكثر من (5000) مواطن غالبيتهم ممن يعملون ضمن تشكيلات شرطة الفلوجة لم يسمح لهم بالعودة الى المدينة بعد تحريرها بسبب ورود أسمائهم في قوائم “التائبين”.
البراءة من الانتماء الى القوات الامنية وإعلان التوبة امام عناصر داعش كان الخيار الوحيد أمام منتسبي شرطة الفلوجة للمحافظة على أرواحهم وممتلكاتهم التي تركوها بعد أن تمكنوا من الهروب خارج المدينة.
جمال المحمدي (45) عاما من السكان المحليين لمدينة الفلوجة والذي كان يعمل في مديرية شرطة الفلوجة غادر المدينة بعد إحكام داعش سيطرته على المدينة.
يقول المحمدي “في حزيران (يونيو) 2014 قررت الذهاب لإعلان التوبة بعد أن تم الاتصال بي هاتفيا لأكثر من مرة عن طريق احد أقاربنا الذي يبدو انه أصبح ضمن جماعات داعش وقال لي يجب أن تأتي وتعلن التوبة وإلا سيتم تفجير منزلك وأرسل لي عدداً من الصور التي تظهر العبوات الناسفة وهي تحيط بمنزل والدي ومنزل شقيق زوجتي”.
ويضيف لــ”نقاش” حول الموضوع “عند دخولي الى المدينة توجهت الى جامع الحضرة المحمدية وسط المدينة وتحدثت مع بعض الملثمين ممن كانوا يقفون عند بوابة الجامع بأنني ارغب في إعلان توبتي”.
ويقول “تم اقتيادي الى شخص يدعى (الحجي) طرحوا عليّ أسئلة عدة عن اسمي وعشيرتي ومكان عملي ومن ثم وضعت يدي على المصحف وقمت بترديد عبارات كانوا يلقنوني إياها لا أتذكرها ولكن مفادها أنني نادم على عملي ضدهم وأنني تائب عن العمل مع أي جهة حكومية وبعد أن رددت تلك العبارات احتجزوني ليومين إلى ان تمكنت من إعطائهم السلاح الشخصي والهوية التعريفية”.
ويؤكد أن “القيادات الأمنية لم تنصفنا ولم تضع في حساباتها التضحيات التي قدمناها منذ عام 2007 وتعاقبنا اليوم على إجراء اتخذناها أسهم في حماية عائلاتنا وممتلكاتنا وان كانت القيادات الأمنية لا ترغب بالاستفادة من خبراتنا لا نلومها لكن من واجبها أن توفر لنا عودة آمنة وكريمة الى ديارنا ولا تعاقبنا بالنفي”.
واثق الجميلي (38) عاما لم تشفع له استقالته من العمل ضمن تشكيلات وزارة الداخلية في آب (أغسطس) 2013 قبل سيطرة الجماعات المسلحة على المدينة.
طالبه تنظيم داعش بإعلان توبته ولعدم امتلاكه السلاح الشخصي والهوية التعريفية التي قام بتسليمهما عند تقديم استقالته لم يتمكن من التوبة التي تشترط تسليم السلاح.
الجميلي قال لــ”نقاش” إن “الجماعات المسلحة لم تقتنع بأنني أصبحت خارج المنظومة الأمنية وقاموا بتفجير منزلي بكل محتوياته، وعلى الرغم من هذا فأن القوات الامنية لا تسمح لي بالوقوف على أطلال منزلي”.
وأضاف أيضا “سمعنا كثيرا عن الإجراءات المتبعة في إطار عودتنا إلا أننا لم نلمس شيئا على ارض الواقع ويبدو إن تلك الإجراءات جاءت لتسمح لأشخاص معينين بالدخول مدعومين من قبل عشائر وأحزاب متنفذة في المدينة”.
عناصر أخرى كانت تعمل مع الاجهزة الامنية فضلت ترك المدينة على إعلان التوبة بعد سيطرة داعش عليها إذ وجدوا ان ترك المدينة هو الحل الأسلم الذي يحافظ على حياتهم ويجنبهم معركة خاسرة غير متكافئة.
عمار جورية (41 ) عاما احد السكان المحليين العاملين ضمن جهاز مكافحة الإرهاب “لم أعلن توبتي ولم ينجح داعش في إجباري على إعلان التوبة على الرغم من تهديداته المتكررة ومازلت احتفظ بعهدتي من السلاح والذخيرة داخل مدينة الفلوجة قمت بدفنها في باحة منزلي الخارجية قبل أن أغادر المدينة”.
ويقول أيضا “تمكنا من الالتحاق ببعض التشكيلات التي تمت هيكلتها في ناحية الحبانية إلا أننا تفاجئنا بان رواتبنا قد تم قطعها وأننا أصبحنا خارج التشكيلات الأمنية فعدنا إلى عائلاتنا التي نقلناها إلى محافظة بغداد في رحلة الهروب العصيبة”.
ويضيف “اتخاذ منزلي كأحد مقرات داعش داخل المدينة قد فسر على أنني متعاون معهم واسهم في وجود اسمي ضمن الممنوعين من الدخول إلى المدينة”.
عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية محمد الكربولي تحدث لـــ”نقاش” حول الموضوع وقال “التائبون نوعان احدهما لا يمكن أن يسمح له بالعودة وهو من تاب وآمن بفكر داعش وانخرط ضمن مجاميعه أما النوع الثاني الذي نسعى الى أن يعطى فرصة العودة الى المدينة والى عمله من استطاع أن يهرب من المدينة ولم يكن عرضة إلى داعش وإجرامه”.
ويضيف الكربولي “عقدنا عدداً من اللقاءات والاجتماعات لضمان عودة التائبين الذين لم ينتموا الى داعش إلا أن الملف يعد من الملفات الشائكة والمهمة التي هي بحاجة الى اتفاق سياسي وامني”.
ويؤكد أيضاً أن “الهروب لا يعني تخاذل أو خيانة بسبب شراسة العدو وتفوقه لوجستيا ولا يمكن لأفراد الشرطة الذين يمتلكون أسلحة خفيفة التصدي لعدو يمتلك سلاحا متوسطا وثقيلا متطورا جدا”.
جهود عشائرية واجتماعية تسعى الى استحصال موافقات حكومية وأمنية تسمح بعودة أكثر من أربعة آلاف تائب وان كانت خطوة ايجابية إلا أنها تفتقر الى الطابع الرسمي الذي يضمن عدم الملاحقة الأمنية والقضائية في المستقبل.
عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الأنبار راجع العيساوي أكد لــ”نقاش” أن الإجراءات المتبعة غير مجدية لأن الكفالة التي تعطى للتائبين وتسمح لهم بالعودة الى المدينة لن ترفع أسماءهم من حاسبة المطلوبين وبذلك يكونون معرضين للاعتقال في أي وقت.
ويضيف أيضا “تبنينا مقترحا مفاده السماح للجميع بالعودة مع عائلاتهم ومن ثم يتم تدقيق أسمائهم ومن يثبت تورطه مع جماعات داعش يتم اعتقاله”.