عدالة منقوصة: المحاسبة على جرائم “داعش” في العراق
المصدر: هيومن رايتس ووتش
تعتمد السلطات القضائية التابعة للحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان على محاكم مكافحة الإرهاب للإسراع في محاكمة جميع المشتبه في انتمائهم إلى داعش بتهم بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، وغالبا ما تنحصر التهم في الانتماء إلى التنظيم، دون أي تفريق من حيث درجة خطورة التهمة ودون أي جهود لإعطاء الأولوية للجرائم الأكثر خطورة. قال قاضٍ عراقي في محكمة مكافحة الإرهاب بنينوى، ومهمتها محاكمة عناصر داعش المقبوض عليهم في الموصل، إن المحكمة بدأت محاكمات بحق 5,500 شخص يُشتبه في انتمائهم لداعش، وأدانت أو أصدرت أحكاما ضدّ 200 منهم على الأقل، في الفترة ما بين فبراير/شباط وأواخر أغسطس/آب 2017.
اصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرا يسلط الضوء على فحص الأشخاص المشتبه في انتمائهم إلى داعش في العراق واحتجازهم والتحقيق معهم ومحاكمتهم. في كل مرحلة من هذه المراحل، خلُص التقرير إلى وجود أوجه قصور قانونية خطيرة تُقوّض جهود تقديم مقاتلي وعناصر داعش إلى العدالة
بوجود 7,374 شخصا تحاول السلطات القضائية في العراق وإقليم كردستان إدانتهم أو أدانتهم فعلا، وقد أعدمت منهم 92 شخصا منذ 2014، علما أن هذا يمثل جزءا صغيرا من العدد الكلي للمحتجزين المشتبه بانتمائهم إلى داعش.
الأهمّ من ذلك هو أن هيومن رايتس ووتش خلصت في أبحاثها إلى أنه لا توجد استراتيجية وطنية خاصة بالملاحقات القضائية لداعش تضمن محاكمات شاملة وذات مصداقية للمتورطين في أخطر الجرائم التي ارتكبها التنظيم، مع مشاركة فعالة للضحايا بهدف إعداد سجلّ قضائي شامل لهذه الجرائم. في نفس الوقت، ستحول المحاكمات الفضفاضة لجميع المنتمين إلى داعش، مهما كانت مشاركتهم ضئيلة، دون تحقيق مصالحة مجتمعية وإعادة الاندماج مستقبلا، وستثقل المحاكم والسجون العراقية لعقود قادمة.
ادناه ملخص لاهم مارود في التقرير ، فيما يمكن تنزيل التقرير كامل من رابط في اسفل هذا الموضوع.
الفحص
يثير التقرير مخاوف بشأن سلامة الإجراءات أثناء عملية الفحص التي تعتمدها قوات الأمن والقوات العسكرية العراقية وقوات إقليم كردستان العراق، لفرز الأشخاص المغادرين للمناطق الخاضعة لسيطرة داعش. تعبّر هيومن رايتس ووتش عن قلقها من أن المعلومات المُعتمدة لإدانة الأشخاص وغموض الإجراءات المعتمدة في تحديد المشتبه بانتمائهم إلى داعش، والتي تستند إلى قوائم بالمطلوبين أو اتهامات صادرة عن السكان المحليين دون أي أدلة إضافية، قد تؤدي إلى تحديد خاطئ للأشخاص، وإلى احتجاز أطفال ورجال ليسوا – أو لم يكونوا – منتمين إلى داعش. كما تؤكد أبحاثنا، فإن الأشخاص الذي يتم تحديدهم بشكل خاطئ أثناء عملية الفحص على أنهم مشتبه بانتمائهم إلى داعش قد يقضون شهورا رهن الاحتجاز الجماعي التعسفي أثناء فترة التحقيق القضائي.
ظروف الاحتجاز
ظروف الاحتجاز والاستجواب لا تخلو من مشاكل أيضا. وجدت أبحاثنا أن السلطات العراقية تحتجز المشتبه بانتمائهم إلى داعش في أماكن مكتظة وأحيانا في أوضاع لاإنسانية؛ لا تفصل الأطفال عن المحتجزين البالغين؛ وتنتهك منهجيا سلامة الإجراءات التي تنص عليها حقوق المشتبه بهم. تشمل انتهاكات سلامة الإجراءات تجاهل الضمانات المكفولة في القانون العراقي لعرض المحتجز على قاضٍ في غضون 24 ساعة؛ الاتصال بمحامٍ طيلة فترة الاستجواب؛ وإعلام العائلات باحتجاز أقاربها والسماح لها بالتواصل معهم. إضافة إلى ذلك، زعم العديد من المحتجزين أن السلطات عذبتهم لإجبارهم على الاعتراف بالانتماء إلى داعش. ولما سُئل مسؤولون عراقيون عن هذه الادعاءات، أجابوا بأنهم حققوا فيها، دون أن يقدموا أي دليل على ذلك.
المحاكمات
تُعتبر أعمال داعش تهديدا أمنيا خطيرا للدولة العراقية، فقد شنّ التنظيم مجموعة واسعة من الهجمات، منها هجمات ضدّ المدنيين، وارتكب أعمالا إجرامية أخرى في كافة أنحاء العراق. يحق للسلطات العراقية وسلطات إقليم كردستان إجراء محاكمات على هذه الجرائم لضمان أمن المواطنين وتحقيق العدالة للضحايا، ولكن هذا التقرير وجد عددا من أوجه القصور في محاكمات بمقاتلي التنظيم والمنتسبين إليه.
غياب استراتيجية وطنية
خلص التقرير إلى أنه لا توجد استراتيجية وطنية خاصة بمحاكمات داعش، وأن التهم الموجهة إلى المُشتبه بانتمائهم إلى التنظيم لا تشمل مجموعة واسعة من الجرائم التي ارتكبها داعش. قال قضاة من العراق وإقليم كردستان إن محاكم مكافحة الإرهاب في العراق والإقليم تعمل بالتوازي. ولكن عند سؤالهم عن الخطة العامة لمحاكمة جرائم داعش، قال القضاة لـ هيومن رايتس ووتش إنه لا توجد خطة وطنية لتنسيق هذه المحاكمات أو إعطاء الأولوية لمحاكمة المتورطين في أكثر الجرائم خطورة. بدل ذلك، تعمد السلطات العراقية وسلطات الإقليم على ما يبدو إلى محاكمة عناصر داعش المشتبه بهم بموجب قوانين مكافحة الإرهاب الخاصة بكل منهما، بتهمة الانتماء إلى التنظيم، دون أي تمييز ودون أي أولوية من حيث خطورة الجرائم المتهمين بارتكابها.
الاعتماد على قوانين مكافحة الإرهاب
سمحت قوانين مكافحة الإرهاب المعتمدة من قبل الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان للقضاة بتوجيه تهم إلى مجموعة واسعة من الأشخاص، بعضهم غير متورطين في أعمال عنف محددة، لكن يُنظر إليهم على أنهم قدموا مساعدات لداعش، مثل الأطباء الذين عملوا في مستشفيات خاضعة لداعش والطباخين الذين أعدّوا الطعام للمقاتلين. تنصّ قوانين مكافحة الإرهاب على أحكام قاسية، حتى لمجرّد الانتماء إلى داعش، تتمثل في السجن المؤبد أو الإعدام.
اتهام المشتبه بانتمائهم إلى داعش بخرق قوانين مكافحة الإرهاب، وليس أي تهم أخرى بموجب قانون العقوبات، يكون في الغالب أسهل من ناحية إثباتها. تحتاج السلطات في هذه القضايا فقط إلى إثبات الانتماء إلى داعش أو المشاركة في إدارته أو القتال مع قواته كأساس لمحاكمة المشتبه بانتمائهم إلى التنظيم بدل إثبات تورطهم في أعمال إجرامية محددة – وهو تحدٍ باعتبار أن هذه الجرائم حصلت في خضمّ فوضى الحرب. لكن الاعتماد على قوانين مكافحة الإرهاب يثير مشاكل، لأنه لا يعطي الأولوية لمعاقبة أخطر الجرائم التي ارتكبت في ظلّ التنظيم.
إضافة إلى ذلك، ورغم أن الانتماء إلى منظمة إرهابية أمر مُجرّم في أغلب الدول ولا يوجد في القانون الدولي ما يمنع العراق من محاكمة عناصر داعش، فإن هذا الكمّ الهائل من المحاكمات قد لا يكون مناسبا في العراق بالنظر إلى حجم الأراضي والمراكز السكانية التي بسط عليها داعش سلطة عسكرية أو مدنية. في ذروة قوّته، اعتمد داعش على عشرات آلاف العراقيين المحليين لحُكم السكان والمناطق الخاضعة له. من شأن إعطاء الأولوية لأكثر الجرائم خطورة خلق مواءمة استراتيجية مع موارد العراق المحدودة.
إعداد سجلّ قضائي ومشاركة الضحايا
محاكمة الأشخاص بالاعتماد على قوانين مكافحة الإرهاب فقط يثير مشاكل أيضا، لأن ذلك لا يساعد على إعداد سجلّ قضائي بمختلف الجرائم التي ارتكبت ضدّ عدد لا يُحصى من المواطنين العراقيين، وجمع الأدلة المتعلقة بها وبالشهود والضحايا. رغم أن الضحايا ما انفكوا يطالبون بالعدالة، والمحاكمات العراقية عادة تسمح بمشاركة الضحايا والشهود، فإن السلطات لم تبذل أي جهد لضمان مشاركة الضحايا في المحاكمات، سواء بالحضور فقط أو كشهود أو لتقديم رواياتهم أو توجيه أسئلة إلى المشتبه فيهم.
لكن بدل ذلك، يبدو أن السلطات ركّزت فقط على منح الضحايا تعويضات. فيما يتعلق بالجرائم ضدّ الإيزيديين، تم تشكيل لجنة مختصة للتدقيق. وحتى في هذه المبادرات المحدودة، لم يحصل تواصل يُذكر مع الناس. ذكر بعض ممثلي الضحايا أنهم لا يعلمون بالخطة الخاصة بالتعويضات. قالت السلطات في بغداد إنها أنشأت هيئة قضائية مُكلّفة بالتحقيق في الجرائم ضدّ الإيزيديين بهدف محاكمة الجرائم المرتكبة ضدّ هذه الطائفة، ولكنها قالت إن هذه الهيئة ليس لها ميزانية أو مقرّ. رغم أنها قالت إن الهيئة قابلت ضحايا وجمعت دعاوى جنائية، فإن قادة المجتمع الإيزيدي قالوا إنهم لم يتواصلوا أبدا مع هذه الهيئة.
محاكمة الأطفال
احتجاز أطفال مشتبه بانتمائهم إلى داعش ومحاكمتهم قد يكون انتهاكا لالتزامات العراق الحقوقية المتعلقة بمعاملة الأطفال، والتي تنصّ على مراعاة مصالح الطفل الفضلى، واللجوء إلى الاحتجاز كملاذ أخير، مع إعطاء الأولوية لإعادة التأهيل والنظر في بدائل عن الاحتجاز.
قانون العفو الصادر عن الحكومة العراقية
قد يحق لعناصر داعش المُدانين في محاكم تابعة للحكومة العراقية الإفراج عنهم بموجب “قانون العفو العام” الصادر في أغسطس/آب 2016 (القانون رقم 27/2016)، لكن القضاة لا يطبقون هذا القانون باستمرار. يمنح القانون عفوا لكل شخص يستطيع إثبات أنه التحق بداعش أو أي تنظيم متطرف آخر ضدّ إرادته ولم يرتكب أي جرائم خطيرة، مثل حيازة أو استخدام متفجرات أو أعمال تشويه أو قتل، قبل أغسطس/آب 2016. كما يمنح القانون عفوا لأشخاص متهمين بمجموعة أخرى من الجرائم.
قال مكتب رئيس “مجلس القضاء الأعلى” لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات أفرجت عن 9,958 محتجزا بين أغسطس/آب 2016 وأكتوبر/تشرين الأول 2017 بموجب قانون العفو، دون أن يحدد عدد الذين كانوا يواجهون تهما بموجب قانون مكافحة الإرهاب. قال قضاة يتعاملون مع معظم قضايا مكافحة الإرهاب إنهم يرفضون تطبيق هذا القانون. على سبيل المثال، قال قاضٍ بارز في قضايا مكافحة الإرهاب في نينوى إنه يعتقد أن الذين ساندوا داعش، حتى بمهام صغيرة مثل الطبخ، مدانون مثل مقاتلي التنظيم، وإنه لا يهتم بمزاعم المتهمين بأنهم انضموا إلى داعش دون إرادتهم. قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه يرفض تطبيق قانون العفو لأنه لا يعتقد أن أحدا ممن ساعدوا داعش يستحق العفو. لم تتبنَّ حكومة إقليم كردستان قانون عفو خاص بالمدانين أو المشتبه بانتمائهم إلى داعش، وأكد المتحدث باسم الإقليم أنه لا يوجد قانون قيد الدرس.
رغم أن الحكومات غير ملزمة بمنح العفو، فإن القانون الإنساني الدولي يشجع السلطات على تنفيذ أكبر قدر ممكن من العفو في نهاية النزاعات المسلحة غير الدولية تجاه المشاركين في النزاع، باستثناء الجرائم الأكثر خطورة مثل جرائم الحرب، الجرائم ضدّ الإنسانية، أو غيرها من الجرائم الدولية. كما يحظر القانون الإنساني الدولي محاكمة الموظفين في القطاع الطبي على أداء مهام طبية متسقة مع أخلاقيات مهنة الطب.
الخطوات التالية
السلطات العراقية وسلطات إقليم كردستان العراق
تساند هيومن رايتس ووتش الجهود الرامية إلى تحقيق عدالة ذات مصداقية لكل المتورطين في جرائم خطيرة، وتقرّ بالتحديات التي يواجهها نظام العدالة العراقي بسبب حجم وعدد هذه الجرائم. لكن ما لم تحترم الإجراءات القضائية المعايير الدنيا لسلامة الإجراءات والمحاكمة العادلة، وما لم تتبنَّ سلطات الحكومة العراقية وإقليم كردستان استراتيجية وطنية تعطي أولوية لمحاكمة الجرائم الأكثر خطورة، بما يشمل تبني قوانين تُجرّم جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، فإن المسار المعتمد حاليا لن ينتج عنه توثيق قضائي لهذه الجرائم ولن يحقق العدالة للضحايا.
على السلطات العراقية وسلطات إقليم كردستان اعتماد ونشر استراتيجية وطنية عاجلة تعطي الأولوية لمحاكمة مرتكبي أخطر الجرائم باتهامهم بجرائم محددة، مع تحديد دور واضح للضحايا. أما فيما يتعلق بالمشتبه بانتمائهم إلى داعش دون أي أدلة على ارتكابهم جرائم خطيرة، وخاصة الأطفال، فعلى السلطات النظر في اعتماد بدائل عن الملاحقات الجنائية، بما في ذلك آليات كشف الحقيقة. تتسبب المحاكمات الجارية في عرقلة نظام القضاء والسجون دون أن تحقق العدالة للضحايا أو تساعد العراق على الانتقال إلى مستقبل أكثر سلاما.
على السلطات إسقاط التهم الموجهة إلى كل من ساهم عمله مع داعش في حماية حقوق المدنيين، كحدّ أدنى. إن كانت السلطات مصرّة على الاستمرار في أكبر عدد ممكن من المحاكمات، بما يشمل الانتماء إلى داعش دون ارتكاب جرائم أخرى، فإن عليها أولا إعطاء الأولوية وبأسرع وقت ممكن إلى محاكمة أولئك الذين يواجهون أخطر التهم، والإفراج سريعا عن كل من يشمله قانون العفو. فيما يتعلق بالأطفال تحديدا، فعلى السلطات النظر في بدائل عن الاحتجاز والملاحقة الجنائية، واعتماد برامج إعادة تأهيل وإدماج لمساعدتهم على العودة إلى المجتمع.
اعتماد نهج يعطي الأولويّة لمحاكمة أخطر الجرائم، ويقترح بدائل عن المحاكمة في الجرائم الأقل خطورة، قد لا يُرضي أقارب الضحايا الذين يطالبون بعدالة عاجلة بحق كلّ من شارك في إدارة داعش مدنيا وسياسيا وأمنيا وعسكريا. لكن السلطات تستطيع التخفيف من ذلك عبر السعي إلى إشراك الضحايا في المحاكمات الجارية ضدّ مرتكبي الجرائم الخطيرة، والتواصل بشكل علني ومنتظم بشأن الإدانات والمحاكمات المتعلقة بالمشتبه في انتمائهم إلى داعش. ستُؤكد هذه الإجراءات أن نظام العدالة يحقق المحاسبة، وستساعد على إعداد رواية تاريخية دقيقة.
على السلطات أيضا تطوير آليات لكشف الحقيقة لها صلاحيات وسلطات واسعة، تشمل الحق في استدعاء الشهود، لمعالجة الانتهاكات التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع.
إضافة إلى ذلك، على السلطات العراقية وسلطات إقليم كردستان زيادة الجهود لضمان إتاحة خطة التعويضات العراقية الحالية لجميع الضحايا، وتطوير الخطّة إلى برنامج تعويضات أوسع يراعي الفوارق بين الجنسين من خلال عملية شفافة وتشاركية تشمل جميع ضحايا الانتهاكات الخطيرة لقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني المُرتكبة أثناء النزاع، بما يشمل العنف الجنسي. لقد عملت عدّة بلدان على إعادة ممتلكات الأشخاص إلى أصحابها لمعالجة الانتهاكات التي شملت تهجير الناس من ديارهم وأراضيهم. إعادة الممتلكات ستساعد النازحين بسبب داعش على استرجاع منازلهم وأراضيهم وستعزّز العدالة الانتقالية. دعت المجالس المحلية والعشائرية في كافة أنحاء البلاد إلى اعتماد برامج للقضاء على التطرف و”إعادة تأهيل” المتعاطفين مع داعش، ولكن ذلك لم يحصل إلى اليوم.
المساءلة والمصالحة
الإفلات من العقاب على الجرائم الخطيرة، الذي تتمتع به قوات الأمن العراقية وقوات إقليم كردستان، يُعتبر مشكلة كبيرة أمام تحقيق العدالة والمحاسبة في العراق، وأمام جهود المصالحة بشكل أشمل. على حدّ علم هيومن رايتس ووتش، لم تُدن المحاكم في العراق وإقليم كردستان أي عراقي أو قوات مناوئة لداعش على أي انتهاكات لحقوق الإنسان أو لقوانين الحرب. تشمل هذه الانتهاكات الموثقة بشكل جيّد القتل، الإعدامات الجماعية، الإخفاء القسري، الخطف، التعذيب، وهدم منازل السُنّة على نطاق واسع في المناطق التي استرجعت من داعش. طلبت هيومن رايتس ووتش معلومات من السلطات الكردية في مناسبات متعددة حول نتائج تحقيقاتها في الانتهاكات التي ارتكبتها القوات العراقية وقوات الإقليم، لكنها لم تحصل على أي ردّ. على السلطات التحرّك بشكل عاجل لمحاسبة القوات المسيئة، وإلا ستواجه نزاعا آخر مع المجتمعات المحلية التي ليس لديها ثقة كافية في عدالة حكومتي العراق وإقليم كردستان.
العمل الدولي
حاول عدد من الفاعلين الدوليين إطلاق عدد من المبادرات الرامية إلى تحقيق العدالة لبعض ضحايا داعش، بما في ذلك فريق التحقيق الجنائي “لجنة العدالة والمساءلة الدولية”، ودول أخرى، وفريق التحقيق الذي أنشأه مجلس الأمن مؤخرا، لكن هذه المبادرات ليس لها علاقة واضحة بمحاكمات داعش الجارية في العراق. بل ربما تنتهي هذه المحاكمات قبل انطلاق هذه المبادرات الدولية. على الفاعلين الدوليين دعم عدد من الأنشطة لتحسين الممارسات المتعلقة بالاحتجاز والمحاكمة، ومعالجة الانتهاكات المتعلقة بسلامة الإجراءات وغيرها من الانتهاكات الموثقة في هذا التقرير. يجب أن تشمل هذه الأنشطة مراقبة حقوق الإنسان والمحاكمات في السجون والمحاكم التي يُحتجز فيه عناصر داعش المشتبه بهم. على شركاء الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العمل على إقناع نظاميهما القضائيين بضرورة توثيق الجرائم بموجب القانون الجنائي أثناء التحقيق، حتى لو كانت التهم الموجهة إلى المشتبه فيهم بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، وإلغاء و/أو تعليق عقوبة الإعدام. عليهم أيضا تسهيل نقل عائلات الضحايا للمشاركة في المحاكمات.
في 21 سبتمبر/أيلول 2017، اعتمد “مجلس الأمن” بالإجماع قرارا يخوّل الأمين العام إنشاء فريق تحقيق لجمع الأدلة المتعلقة بالجرائم الخطيرة وحفظها، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية التي ارتكبها داعش في العراق لاحتمال استخدامها مستقبلا في إجراءات جنائية في العراق أو ربما في محاكم وطنية أخرى. لكن بما أن المحاكم العراقية ومحاكم إقليم كردستان تسمح بعقوبة الإعدام في حق المشتبه بانتمائهم إلى داعش، فإن على فريق التحقيق عدم مدّها بالأدلة التي يجمعها لاستخدامها في المحاكمات الجارية، اتساقا مع سياسة “الأمم المتحدة” الراسخة بعدم دعم أو المساعدة في الإجراءات التي قد تؤدي إلى عقوبة الإعدام. في 10 أكتوبر/تشرين الأول، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس: “لا مكان لعقوبة الإعدام في القرن الـ 21″، ووصفها بـ “الممارسة البربرية”.
بدل ذلك، على الأمم المتحدة حث السلطات العراقية على تعليق تنفيذ عقوبة الإعدام – كحدّ أدنى – في هذه المحاكمات، التي حصلت سوابق مماثلة لها حديثا، حيث وافقت الحكومة اللبنانية على تعليق عقوبة الإعدام في إجراءات “المحكمة الخاصة بلبنان” كجزء من اتفاق بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة.
المقاتلون الأجانب
من المحتمل أن تؤثر إساءة المعاملة وانتهاكات سلامة الإجراءات بحق المشتبه بانتمائهم إلى داعش على عناصر التنظيم الأجانب في العراق. سأل الباحثون حكومتي العراق وإقليم كردستان عن عدد المشتبه بانتمائهم إلى داعش من الأجانب المحتجزين لديهما، وعدد المشتبه فيهم الذين رُحّلوا. رغم أن السلطات العراقية لم تقدّم أي معطيات عن عدد المشتبه بهم الأجانب المحتجزين لديها، إلا أن رئيس الوزراء حيدر العبادي صرّح في 17 سبتمبر/أيلول أن السلطات تحتجز فتاة ألمانية ومواطنين من بلجيكا، فرنسا، سوريا، وإيران. أخبر محامٍ بارز في مكافحة الإرهاب هيومن رايتس ووتش بوجود 3 أجانب آخرين محتجزين بانتظار محاكماتهم. أشارت تقارير إعلامية إلى وجود مقاتل روسي كان محتجزا لدى القوات العراقية، ولكنه أدين وأعدم.
ذكر متحدث باسم إقليم كردستان العراق شخصين رُحّلا من الإقليم إلى بلديهما، ولكن السلطات العراقية في بغداد مازالت لم تنشر أي معلومات حول هذه الترحيلات. قال 4 قادة عراقيين لـ هيومن رايتس ووتش إن قواتهم قتلت مقاتلين أجانب في ساحة المعركة، وصدرت عن شركاء التحالف الأمريكي البريطاني الفرنسي تعليقات تشجع على قتل مقاتلي داعش من الأجانب تحديدا. يُعتبر قتل المقاتلين الذين يستسلمون أو الذين لا يقاتلون جريمة حرب. على الدول الأجنبية التي لها مواطنون يُحاكمون في العراق بشبهة الانتماء إلى داعش، العمل على ضمان محاكمة عادلة لهم تُحترم فيها سلامة الإجراءات، بما يشمل تمكينهم من مساعدة قنصلية، المساعدة في تعيين تمثيل قانوني لهم، مراقبة ظروف الاحتجاز والمحاكمات، ودعوة الحكومة العراقية في السرّ والعلن إلى إلغاء عقوبة الإعدام و/أو تعليقها في هذه المحاكمات.