لمَ على تركيا البقاء خارج سنجار
هناك قلق متزايد في العراق من احتمالية وقوع غارة عسكرية تركية لدفع حزب العمال الكردستاني إلی الخروج من سنجار، وهي المنطقة المتنازع عليها في شمال البلاد. والواقع أن خطوة كهذه من شأنها أن تؤدي إلی نتائج عكسية إلی حد كبیر. ومن المؤكد أن هذه الخطوة ستؤدي إلی حدوث نتائج عكسية، ومن شأنها أن تضعف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي يسعى من أجل تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية عاجلة. وإن هذه الخطوة تعزز الموقف السياسي والعسكري لوحدات الحشد الشعبي وغیرها من الجماعات المسلحة، وتلحق الضرر الشديد بالعلاقة الترکية-العراقية. ومن غیر المرجع أن تحقق هذه العملية مكاسب دائمة ضد حزب العمال الکردستاني . نظرا للمقاومة الكبیرة التي ستواجهها القوات التركية من الجماعات المسلحة الموالية لأیران في المنطقة. وعلى هذا فيتعین على الدول الأوروبية أن تحذر الحكومة الترکية من مخاطر التوغل في سنجار، في حین تضغط على بغداد لتكثيف جهودها لأعادة فرض سيطرتها على المنطقة.
وقد أنشأ حزب العمال الكردستاني قاعدة في سنجار في عام 2015 بعد عام من مساعدتها للأيزيديین بالهروب من زحف تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة . ويصنف الأتحاد الأوروبي الحزب بمنظمة ارهابیة تحارب ترکیا سعیا وراء الحقوق الكردية منذ عام 1984 .وقد سعى حزب العمال الکردستاني إلی دمج نفسه في المجتمع الأیزيدي، إلا أن وجوده في سنجار كان موضع انتقادات حادة من الجانب الترکي للحكومة الأتحادية العراقية والسكان المحلیین.
تعد سنجار إحدى المناطق العراقية التي يتنازع على ولايتها كلا من الحکومة الأتحادیة في بغداد وحكومة إقليم كردستان. واشتد نزاعهم حول السيطرة عليها في أعقاب توغل داعش في العراق عام 2014 ،وبعد ذلك عزز كل من الحزب الدميقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني نفوذهم على السياسة والأمن في المنطقة. ومع ذلك، اضطر الحزب الدميقراطي الكردستاني إلي الأنسحاب من المنطقة في تشرين الأول عام 2017 ،في أعقاب رد عسكري اتحادي على استفتاء استقلال كردستان. ومنذ ذلك الحین، سيطرت مجموعة من قوات الحشد الشعبي -الجماعات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني وإيران- على الأمن في المنطقة.
سعى اتفاق سنجار، الذي وقعته الحكومة الأتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان في 10 تشرين الأول 2020 ،إلی إخراج حزب العمال الكردستاني من المنطقة واستعادة سيطرة القوات الأتحادية العراقية، بما في ذلك اللجنة التي تشرف على تواجد قوات الحشد الشعبي. وكان الأتفاق للكاظمي؛ لأنه حصل على موافقة رسمية من حكومة إقليم كردستان لأعادة تأكيد سلطة الحکومة الأتحادیة في بغداد علی المنطقة . بيد أن بغداد وجدت صعوبة في تنفيذ التغيیرات المنشودة في البنية التحتية الأمنية المحلية. ويرجع ذلك جزئيا ًان الی حزب العمال الکردستاني قد دمج نفسه في وحدات مقاومة سنجار -قوة الأمن الأيزيدية التي كانت مرتبطة رسميا بحزب الكردستاني منذ عام 2015 -وما تزال تعمل إلی حد كبیر خارج سيطرة الحكومة المركزية.
لقد أصيبت أنقرة بالأحباط؛ بسبب عدم إحراز بغداد لأي تقدم في إخراج حزب العمال الکردستاني من سنجار، معتبرة أن تعزيز وجود الجماعة في المنطقة يعد تهديدا صریحا لمصالحها الأمنیة في الداخل وفي العراق وسوریا. كانت تركيا قلقة بنحو خاص من أن وجود حزب العمال الكردستاني من خلال ربط عمليات المجموعة من شمال شرق سوریا بقدراتها في ترکیا و في جبال قندیل العرایة . سعى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار -خلال زیارته للعراق في 20 كانون الثاني- للحصول على موافقة بغداد على العملیان الترکیة لطرد حزب العمال الكردستاني من سنجار، قائلا: “لقد اعربنا مرارا و تکرارا عن أن قتالنا ضد حزب العمال الكردستاني سيستمر حتى يتم القضاء على آخر إرهابي فيه“. بعد يومین من الرحلة، حذر الرئيس الترکي رجب طيب أردوغان من أن تركيا قد تغزو سنجار ”بین عشية وضحاها“، على الرغم من أنه وصف هذا التدخل أيضا بأنه عملية مشترکة مع العراق.
ومن غیر المرجح على الأطلاق أن توافق الحكومة العراقية على عملية عسكرية عراقية تركية مشتركة ضد حزب العمال الكردستاني في سنجار؛ لأن هذا سيعد إهانة للقدرة العسكرية العراقية وانتهاکا لسيادتها. وفضلا عن ذلك ،لا ینظر الی ترکیا علی أنها جهة سیاسیة فاعلة محایدة في العراق، وكثیرا ما كانت العلاقات بین البلدين محفوفة بالمخاطر. وقد تسببت العمليات العسكرية التي قامت بها تركيا ضد حزب العمال الكردستاني في الأراضي العراقية منذ أمد بعيد في إثارة الذعر في بغداد. ویخشى زعماء العراق من توسع تركيا ورغبتها في الحصول على المزيد من النفوذ في السياسة العراقية. ومن الصعب أن نتصور أن الكاظمي سيكون على استعداد لقبول القمع السياسي عقب عملية حدوث عملية عسكرية تركية عراقية مشتركة في العراق لا سيما في الفترة التي تسبق الأنتخابات البرلمانية في تشرين الأول 2021.
وعلى الرغم من تردد العراق في الموافقة على العمليات المشتركة في سنجار، فقد تختار تركيا مواصلة عمليات عسكرية أحادية الجانب ضد حزب العمال الكردستاني ( بدعم ضمني من حكومة إقليم كردستان)، وفعلت لسنوات في جبال قنديل. وفي 10 شباط، ألقى ضباط المخابرات التركية القبض على رجل في سنجار اتهموه بأنه ضابط لوجستي لحزب العمال الكردستاني، الذي أبرز قدرة تركيا على العمل في المنطقة. وكانت الغارة التركية الفاشلة في منطقة (غارا) العراقية، التي انتهت بأعدام حزب العمال الکردستاني لـ ١٣ رهینة،سببا في إثارة المشاعر في تركيا وزیادة الضغوط علی أنقرة لمهامجة أهداف حزب العمال الكردستاني. وفي أعقاب عمليات الأعدام، أعلن أردوغان ، أنە ” من الآن لا يوجد مكان آمن للأرهابیین، لا قنديل ولا سنجار أو سوریا“.
لقد أثار احتمال حدوث توغل تركي أحادي غضب الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في العراق. ففي الأیام الأخیرة، أصدرت عدة وحدات من وحدات الحشد الشعبي جماعات أخرى بما في ذلك منظمة بدر، وعصائب أهل الحق، وأصحاب الكهف، بيانات تتعهد فيها بالدفاع عن سنجار ضد ”الغزو“ التركي. وبحسب ما ورد، انتشر 10 الاف عنصر إضافي من الجماعات المسلحة في سنجار في الأسابيع الأخیرة. وادعى أصحاب الكهف مؤخرا أنە نفذ هجمات صاروخية ضد القوات العسكرية التركية في شمال العراق، بينما هددت حركة حزب الله النجباء مؤخرا بتخاذ إجراءات ما لم تفعل الحكومة العراقية ذلك. وتشجع إيران هذه الجماعات المسلحة مؤخرا عن سنجار، وتحرص على الحفاظ على هيمنتهم على سنجار؛ بسبب الأهمية الاستراتيجية للمنطقة كنقطة وصول إلی سوریا.
ومن غیر المرجح أن تحقق عملية تركية ضد حزب العمال الكردستاني في سنجار أهدافها المتمثلة في طرد الحزب من المنطقة. على الرغم من أن استخدام تركيا لحرب الطائرات دون طيار قد أضعف حزب العمال الكردستاني بشدة في جبال قنديل، إلا أنه لم يدفع الجماعة بنحو حاسم للخروج من المنطقة. وسيكون من الأصعب تحقيق نصر مستدام ضد حزب العمال الكردستاني في سنجار؛ لأن الهجوم التركي على المنطقة سيواجه مقاومة قوية من الجماعات المسلحة المدعومة من إيران.
وهناك القليل من الأدلة على أنه إذا تعاونت تركيا ضمنا مع الحزب الدیمقراطي الکردستاني، فإن المجموعة ستكون لديها الرغبة أو القدرة على مواجهة الجماعات المقاتلة الأیرانية المدعومة في سنجار. وحتی حينما أدى الحزب الدميقراطي الكردستاني دورا عسکریا و سیاسیا بارزا في سنجار بین عامي 2015 و2017 ،فقد فشل في إزالة حزب العمال الكردستاني من المنطقة؛ وبالتالي، فإن التوغل التركي الجديد لن يغیر ميزان القوى المحلي بما يكفي لتمكین الحزب الدميقراطي الكردستاني من السيطرة على المنطقة.
سيكون للتوغل التركي أحادي الجانب عواقب سياسية وخيمة، ولاسيما وأن العراق يستعد للأنتخابات النيابية، من شأنه أن يقوض الأنتصار السياسي الذي منحته اتفاقية سنجار للكاظمي، وتحسین صورة وحدات الحشد الشعبي والجماعات المسلحة الأخرى بكونهم مدافعین عن العراق على حساب الحكومة المركزية؛ وعرقلة عودة النازحین اليزيديین المشردين إلی سنجار. وإن العمل العسكري سيضر بنحو خطیر بسمعة تركيا في العراق، ویمكن أن يعرقل التقدم في قضایا مثل المحادثات بین الأكراد في سوریا؛ وبالتالي تقوية حزب العمال الكردستاني في البلاد.
وعلى الحكومات الأوروبية أن تعبر بوضوح عن معارضتها للتوغل المحتمل، وأن تؤكد على العواقب السلبية المترتبة لمثل هذه الأفعال. فهم في وضع يسمح لهم بدعم الكاظمي في سعيه إلی تنفيذ اتفاقية سنجار وإعادة فرض سيطرة بغداد على سنجار، التي تظل السبيل الأفضل نحو إضعاف نفوذ حزب العمال الكردستاني في المنطقة.