المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

العراق: أزمة مياه في البصرة عقود من سوء الإدارة والتلوّث والفساد

HUMAN RIGHTS WATCH

بغداد، 22 يوليو/تموز 2019) – قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته اليوم إن السلطاتالعراقية لم تضمن على مدى نحو 30 عاما حصول سكان البصرة على كفايتهم من مياه الشرب المأمونة، مما أدى إلى استمرار المخاوف الصحية. وصل هذا الوضع إلى ذروته مع أزمة مياه حادة تسببت بدخول 118 ألف شخص على الأقل إلى المستشفى في 2018 وأدت إلى احتجاجات عنيفة.

وجد التقرير، الصادر في 116 صفحة، بعنوان “البصرة عطشانة: تقاعس العراق عن مُعالجة أزمة المياه“، أن الأزمة هي نتيجة لعوامل معقدة والتي، إذا تُركت دون معالجة، ستؤدي على الأرجح إلى تفشي الأمراض المنقولة بالمياه في المستقبل واستمرار المصاعب الاقتصادية. لم تقم السلطات على المستويين المحلي والاتحادي بما يكفي لمعالجة الظروف الكامنة التي تسببت في هذا الوضع.

قالت لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: “يتخذ السياسيون قصيرو النظر من زيادة هطول الأمطار سببا لعدم حاجتهم للتعامل بشكل عاجل مع أزمة البصرة المستمرة. لكن البصرة ستستمر في مواجهة نقص حاد في المياه وأزمات تلوّث في السنوات المقبلة، مع عواقب وخيمة، إذا لم تستثمر الحكومة الآن في تحسينات مُستهدَفة وطويلة الأجل ومطلوبة بشدة”.

قابلت هيومن رايتس ووتش 58 من سكان البصرة، وعاملين في مرافق المياه الخاصة والعامة، واختصاصيين في الرعاية الصحية، وراجعت اختبارات عينات المياه من نهر شط العرب، ومحطات المعالجة والصنابير في المنازل. قابلت هيومن رايتس ووتش ممثلين من مجلس محافظة البصرة، ومكتب المحافظ، ووزارة الموارد المائية، ومديريات المياه والمجاري التابعة لوزارة البلديات والأشغال العامة، ووزارة الصحة والبيئة ووزارة الزراعة. حللت البيانات الأكاديمية وبيانات الصحة العامة وصور الأقمار الصناعية العلمية والتجارية للمنطقة على مدى أكثر من 20 عاما لإثبات العديد من النتائج.

نهر شط العرب وقنوات مياهه العذبة هي مصادر المياه الأساسية في البصرة. وجدت هيومن رايتس ووتش أن السلطات العراقية تقاعست عن إدارة وتنظيم الموارد المائية في العراق بشكل صحيح، مما حرم الناس في محافظة البصرة بجنوب العراق – عددهم 4 ملايين نسمة – من حقهم في الحصول على مياه شرب مأمونة لعقود من الزمن، بما في ذلك خلال فترة الاحتلال من السلطة المؤقتة للتحالف بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا. لكن الإخفاقات الحكومية المتعددة منذ الثمانينات، بما في ذلك الإدارة السيئة لمنابع المياه في أعلى النهر، وعدم كفاية التنظيم المُطبّق على التلوّث والصرف الصحي، والإهمال المُزمن وسوء إدارة البنية التحتية للمياه، تسببت في تدهور نوعية هذه المجاري المائية.

لمواجهة نقص المياه وتلوّثها، اضطر سكان البصرة للاعتماد على شراء المياه. تقع التكلفة المرتفعة، لا سيما خلال الأزمة، على عاتق السكان الأكثر فقرا، وتجعلهم قابلين على نحو خاص للتعرض لمياه الصنبور غير المأمونة.

قال جعفر صباح، مزارع من أبو الخصيب، مدينة فقيرة تقع جنوب شرق البصرة، لـ هيومن رايتس ووتش:

كل عام كنت أحصل على 50 بالمئة من إنتاج العام السابق، ثم في 2018، لم ينج أي شيء تقريبا. في 2018، كان مستوى الملوحة في الماء مرتفعا لدرجة أنه كان بإمكاني التقاط الملح من الماء بيدي. أموت من العطش وكذلك أطفالي. حصلت 4 حالات تسمم في عائلتي. ليس أملك المال ولا أستطيع نقلهم إلى المستشفى. من أين أحصل على المال؟

تفاقمت الأزمة بسبب انخفاض معدلات تدفق المياه العذبة في الأنهار والذي يُعزى إلى بناء سدود في المنبع متصلة بمزارع السكر وغيرها من المشاريع الزراعية، وخاصة في إيران، وانخفاض هطول الأمطار في العقود الأخيرة. نتيجة لارتفاع درجات الحرارة بسبب تغيّر المناخ، من المتوقع أن تزداد ندرة المياه في المنطقة. مع ذلك، لا توجد سياسات كافية لتقليل الآثار الضارة.  تفاقم هذا بسبب الاستخدام غير المستدام للمياه في الزراعة وللأغراض المنزلية. أدى نقص المياه الكافية إلى تسرّب مياه البحر إلى شط العرب، مما جعل المياه غير مناسبة للاستهلاك البشري وري العديد من المحاصيل.

وجدت هيومن رايتس ووتش أدلة على تكاثر كبير محتمل للطحالب الضارة على طول شط العرب وسط مدينة البصرة، والذي قد يكون ساهم في الأزمة الصحية في صيف 2018. كما أظهرت صور الأقمار الصناعية التي حللتها هيومن رايتس ووتش تراكم النفايات على طول القنوات في جميع أنحاء البصرة التي تصب في شط العرب وسط مدينة البصرة، من مارس/آذار 2018 إلى فبراير/شباط 2019. تاريخ صورة الأقمار الصناعية 28 أكتوبر/تشرين الأول 2018. ©2019 DigitalGlobe-Maxar Technologies، المصدر: “يوروبيان سبايس إيماجينغ

محطات المياه العامة في البصرة غير مجهزة بالتكنولوجيا اللازمة لجعل مياه البحر صالحة للشرب. هذا يجعل الكلور، مادة كيميائية شائعة الاستخدام لمعالجة المياه، أقل فعالية. علاوة على ذلك، يقول الخبراء إن سلطات المياه تعاني للحصول على كميات كافية من الكلور بسبب الضوابط الصارمة التي تهدف إلى منع وقوع المادة الكيميائية في أيدي الجماعات التي استخدمتها كسلاح.

 حتى عند إضافة الكلور، فإن المستويات العالية من التعكر أو الملح في الماء تجعل الكلورة (إضافة الكلور) أقل فعالية لقتل البكتيريا. كما أن شبكة أنابيب البصرة مشققة، وتدخل المياه الجوفية الملوّثة بالبراز إلى الشبكة بحيث أن كمية الكلور المُضافة في محطات المعالجة لن تُعالج على الأرجح بشكل فعال الملوّثات الجديدة التي تدخل النظام.

علاوة على ذلك، تغض السلطات الطرف عن الأنشطة التي تلوّث موارد البصرة المائية. عبر مراجعة صور الأقمار الصناعية، اكتشفت هيومن رايتس ووتش تسرّبين نفطيين محتملين في شط العرب في وسط البصرة خلال 2018، بالإضافة إلى خطي أنابيب تحت الأرض يُطلقان دوريا ما يبدو أنه كميات كبيرة من المخلّفات في المياه.

في صيف 2018، أُدخِل ما لا يقل عن 118 ألف شخص إلى المستشفيات بسبب أعراض حددها الأطباء على أنها مرتبطة بنوعية المياه. لم تنشر السلطات بعد أي تحقيقات رسمية في سبب الأزمة الصحية.

الأسباب المحتملة للأمراض في 2018 تشمل الفيروسات (مثل النوروفيروس)، والطفيليات (الجيارديا أو الكريبتوسبوريديوم)، والبكتيريا (الإشريكية القولونية)، والمعادن السامة من مياه الصرف الصحي والتلوّث الزراعي والصناعي. قد تكون الملوحة العالية للمياه قد ساهمت أيضا في تفشي المرض، وفقا لخبراء شاركوا في اختبار عينات المياه خلال الأزمة.

عثرت هيومن رايتس ووتش على أدلة على تكاثر كبير محتمل للطحالب في شط العرب أثناء تفشي المرض. يمكن أن تساهم النفايات في المياه وارتفاع درجات الحرارة المرتبطة بتغيّر المناخ في هذا الوضع، لكن يبدو أن الحكومة لم تنظر فيه. المختبرات التي اختبرت عينات المياه في ذلك الوقت لم تقم أبدا بفحوص بحثا عن الطحالب الضارة.

لا يوجد في العراق نظام تحذيري في مجال الصحة العامة لإبلاغ السكان عندما تكون مياه الشرب في مجتمع ما ملوّثة، أو يُشتبه بتلوّثها، وعن الخطوات التي ينبغي اتخاذها لتخفيف الضرر.

ظهر صور الأقمار الصناعية ما يبدو أنه تسرب نفطي محتمل إلى شط العرب بالقرب من حقل نهر بن عمر النفطي، وهو موقع تديره “شركة نفط البصرة” الحكومية، على بعد حوالي 25 كيلومتر من مدينة البصرة. استمر التسرب 10 أيام على الأقل. صورة بالأقمار الصناعية بتاريخ 15 يوليو/تموز 2018 . © “بلانيت لابز” 2019

لم تُنجَز المشاريع الهندسية الحكومية لتحسين نوعية المياه بسبب سوء الإدارة والفساد. لسنوات، كان المزارعون والشركات يستغلون قنوات المياه العذبة ولا يتركون ما يكفي من المياه لمحطات معالجة المياه العامة في البصرة لتأمين مياه الشرب.

هذه الإخفاقات مجتمعة تنتهك حقوق سكان البصرة في المياه، والصرف الصحي، والصحة، والمعلومات والملكية (الأراضي والمحاصيل) التي يكفلها القانون الدولي والوطني.

الزراعة هي مصدر الدخل الرئيسي للمجتمعات الريفية في محافظة البصرة. مع ذلك، أدى الري بمياه مالحة إلى إلحاق أضرار بالتربة وقتل النباتات، كما أدت المشاريع أعلى النهر إلى خفض إنتاج المحاصيل بدرجة كبيرة.

لإعمال الحق في الماء، الحكومات مُلزَمة بالعمل من أجل إتاحة الوصول الشامل للمياه والصرف الصحي للجميع، دون تمييز، مع إعطاء الأولوية لمن هم الأكثر الحاجة إليها. لكن أكثر من 300 ألف من سكان محافظة البصرة ليسوا متصلين بشبكة المياه والصرف الصحي، مما يدفع البعض إلى الاستفادة بطريقة غير مشروعة من إمدادات المياه، مما يتسبّب في التلوّث وانخفاض ضغط المياه والهدر.

في 22 يوليو/تموز، نشر الفنان الكوميدي البصراوي المعروف أحمد وحيد فيديو بالشراكة مع هيومن رايتس ووتش، يدعو فيه العراقيين إلى مطالبة الحكومة بمياه آمنة ونظيفة للشرب. طلب من العراقيين أن ينشروا صورا لهم على وسائل التواصل الاجتماعي وهم يحملون كوب ماء، مع استخدام هاشتاغ #مياه_نظيفة_للبصرة، تضامنا مع أهالي البصرة.

على السلطات في العراق أن تضع على الفور نظاما تحذيريا للصحة العامة يسمح للسلطات بإبلاغ السكان عندما تكون مياه الشرب في مجتمع ما ملوّثة أو يُشتبه بتلوّثها، والخطوات التي ينبغي اتخاذها لتخفيف الضرر، ووضع بروتوكولات للمسؤولين الحكوميين للاستجابة للتحذيرات ورفعها.

على السلطات المحلية والاتحادية أن تشكل فرقة عمل متعددة الاختصاصات ومستقلة للمياه والبيئة لمراقبة الوضع وتنسيق الإجراءات من جانب مختلف السلطات والتشاور مع السكان المتضررين. ينبغي أن تُعلن نتائج التقارير التي أُجريت خلال الأزمة الصحية في 2018 والخطط الطويلة الأجل لمنع حدوث أزمات مائية في المستقبل وللاستجابة للأزمات المحتملة. عليها أن تضمن التعويض لأولئك الذين تتأثر سبل عيشهم.

قالت فقيه: “الحصول على مياه الشرب المأمونة ليس ضروريا لبقائنا فحسب، بل هو حق أساسي للجميع. بينما سيتطلب حل أزمة المياه في البصرة الكثير من التخطيط والوقت والمال، من الممكن معالجتها ما دامت السلطات تأخذ مسؤولياتها جديا. البديل قاتل”.

تحميل التقرير كاملا باللغة العربية من هنا

تحميل ملحق التقرير باللغة العربية من هنا