لعراق: وقوع مجموعة من الإصابات الشنيعة المميتة بسبب اختراق قنابل غاز جديدة مسيلة للدموع جماجم المحتجين
تحذير بالمحتوى: بعض المعلومات والصور أدناه صادمة للغاية وقد يجدها بعض المستخدمين مزعجة.
حثت منظمة العفو الدولية اليوم السلطات العراقية على ضمان أن تتوقف شرطة مكافحة الشغب وقوات الأمن الأخرى في بغداد على الفور عن استخدام نوعين من القنابل المسيلة للدموع، لم يسبق استخدامهما من قبل، لقتل المحتجين بدلاً من تفريقهم؛ وذلك بعد أن خلصت تحقيقاتها إلى أنهما تسببا في وفاة ما لا يقل عن خمسة محتجين خلال خمسة أيام.
وقد أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات، عن طريق الهاتف والبريد الإلكتروني، مع العديد من شهود العيان، واطلعت على السجلات الطبية، واستشارت المهنيين الطبيين في بغداد، فضلاً عن أخصائي في الطب الشرعي مستقل، حول الإصابات المروعة التي سببتها هذه القنابل منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول.
قام “فريق التحقق الرقمي”، التابع لمنظمة العفو الدولية، بتحديد الموقع الجغرافي وتحليل أدلة في مقاطع فيديو، صورت بالقرب من ساحة التحرير ببغداد، توثّق الوفيات والإصابات – بما في ذلك اللحم المتفحم، والجروح التي انبعث منها “الدخان”. وقد حدد خبير المنظمة العسكري أنواع قنابل الغاز المسيل للدموع المستخدمة كنوعين مختلفين من بلغاريا وصربيا المصمّمة على غرار القنابل العسكرية، ويبلغ وزنها 10 أضعاف ثقل عبوات الغاز المسيل للدموع، مما أدى إلى إصابات مروعة، ووفاة عندما أطلقت مباشرة على المحتجين
وقالت لين معلوف، مديرة البحوث للشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية: “تشير جميع الأدلة إلى قيام قوات الأمن العراقية باستخدام هذه القنابل العسكرية ضد المحتجين في بغداد، مستهدفة، على ما يبدو، رؤوسهم أو جسدهم من مسافة قريبة وبصورة مباشرة. وكان لهذا نتائج مدمرة، في حالات متعددة اخترقت جماجم الضحايا، مما أدى إلى جروح مروعة وموت بعد أن تنغرس القنابل داخل رؤوسهم “.
تشير جميع الأدلة إلى قيام قوات الأمن العراقية باستخدام هذه القنابل العسكرية ضد المحتجين في بغداد، مستهدفة، على ما يبدو، رؤوسهم أو جسدهم من مسافة قريبة وبصورة مباشرة. وكان لهذا نتائج مدمرة، في حالات متعددة اخترقت جماجم الضحايا، مما أدى إلى جروح مروعة وموت بعد أن تنغرس القنابل داخل رؤوسهم.
“إن غياب المساءلة عن عمليات القتل والإصابات غير المشروعة على أيدي قوات الأمن، المسؤولة عن الغالبية العظمى من الإصابات في الشهر الماضي، يبعث برسالة مفادها أنه يمكنهم القتل وإحداث الإصابات دون خوف من عقاب. فيجب على السلطات كبح جماح الشرطة، وضمان إجراء تحقيقات فورية ونزيهة وفعالة، ومحاكمة المسؤولين عن تلك الانتهاكات”.
إفادات شهود العيان
أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع تسعة شهود عيان – من بينهم محتجون ومتطوعون طبيون – الذين وصفوا استخدام الشرطة لقنابل الغاز المسيل للدموع بالقرب من ساحة التحرير في بغداد، في الفترة من 25 إلى 29 أكتوبر/تشرين الأول.
ووصف الشهود كيف استخدمت شرطة مكافحة الشغب، في وقت سابق من شهر أكتوبر/تشرين الأول، قنابل الغاز المسيل للدموع تلقى باليد، لكنها بدأت تطلق القنابل في 25 أكتوبر/ تشرين الأول تقريباً، وتزايدت حالات الوفيات والإصابات منذ ذلك الحين بشكل ملحوظ. وقال العديد من الشهود إن ما يصل إلى 10 قنابل – والتي يشير إليها المحتجون باسم ” الدخانية” – يتم إطلاقها في الوقت نفسه على المناطق المزدحمة، وينبعث منها نوع من الدخان رائحته مختلفة عن أي قنابل غاز مسيل للدموع سبق أن شاهدوها.
وقالت إحدى المحتجات لمنظمة العفو الدولية: “إحداها [الدخانية”] هبطت بالقرب مني، وكنت بالكاد أستطيع التنفس. شعرت وكأنه صدري قد تحطم. أعطاني المتطوعون الطبيون جهاز تنفس. أعتقد أنني كنت سأموت. لقد تعرضت للغاز المسيل للدموع من قبل ولكن لم أشعر بالأمر نفسه”.
وقال أحد المحتجين: “منذ
وقال: “منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول، لم تتوقف شرطة مكافحة الشغب عن إطلاق الغاز المسيل للدموع و” الدخانية” على الحشود، سواء أكان ذلك بعد استفزازها أم لا. فذلك مستمر ويتمّ بصورة عشوائية. … لا يستخدمونها للتفريق، بل يستخدمونها للقتل. كل القتلى في بغداد وقعوا بسبب هذه العبوات التي كانت تخترق أجساد المحتجين. لا يفكرون في حقيقة أن هناك عائلات وأطفال في الحشود”.
25 أكتوبر/تشرين الأول، لم تتوقف شرطة مكافحة الشغب عن إطلاق الغاز المسيل للدموع و” الدخانية” على الحشود، سواء أكان ذلك بعد استفزازها أم لا. فذلك مستمر ويتمّ بصورة عشوائية. … لا يستخدمونها للتفريق، بل يستخدمونها للقتل. كل القتلى في بغداد وقعوا بسبب هذه العبوات التي كانت تخترق أجساد المحتجين. لا يفكرون في حقيقة أن هناك عائلات وأطفال في الحشود”.
وقال محتج آخر لمنظمة العفو الدولية إن صديقه قُتل بعد إصابته في رأسه بإحدى القنابل في 28 أكتوبر/ تشرين الأول، وشهد شخصياً حالة وفاة أخرى، وإصابةً بسبب استخدامها من قبل قوات الأمن في 26 أكتوبر/تشرين الأول.
وقال: “رأيت “الدخانية” تصيب رجلاً في وسطه وقد احرقت ملابسه ومزّقت ملابسه… القنبلة جاءت من حوالي 150-200 متر. لقد هوى في مكانه وسحبناه إلى عربة التوك توك. وجاءت القنبلة أفقياً. رأيت رجلاً آخر … أصيب في الكتف. لم أر لحظة الارتطام لكنه كان يصرخ بشدة”.
ووصف محتج آخر كيف سقط رجل أصيب بإحدى القنابل اخترقت جمجمته، فوراً على الأرض، وانبعث الدخان من رأسه.
كما وصف متطوعون طبيون كيف تم إطلاق القنابل مباشرة على المناطق المكتظة بالمحتجين السلميين، مما تسبب في إغماء أو اختناق الناس، من بينهم أطفال. فقد قال شخص:” لقد أطلقوا النار مباشرة على الحشود. وليس في الهواء، بل مباشرة على الناس. إنه شيء وحشي”.
أدلة بالفيديو على وقوع إصابات فظيعة
اكتشفت منظمة العفو الدولية عدة مقاطع فيديو عبر الإنترنت، وتحققت منها وحدّدت مواقعها الجغرافية. وكانت هذه المقاطع قد صُوّرت في الفترة ما بين 25 و29 أكتوبر/تشرين الأول، في مناطق بالقرب من ساحة التحرير بوسط بغداد، وهي موقع رئيسي للاحتجاجات.
وأظهرت أشرطة الفيديو هذه خمسة رجال تعرضوا لإصابة حادة في الرأس بسبب القنابل على ما يبدو. ففي مقطع فيديو، تم تصويره في 25 أكتوبر/تشرين الأول، على الجانب الشمالي الشرقي لجسر الجمهورية، يمكن رؤية محتج فاقد الوعي أو توفي، مع جرح واضح في الجزء الخلفي من جمجمته ينبعث منه الدخان أو الغاز.
ويمكن رؤية الآثار نفسها في مقطع فيديو آخر تم تصويره في نفس اليوم وفي نفس المكان – وهنا يوجد محتج آخر لديه جرح مماثل على يمين جمجمته. ويظهر مقطع فيديو آخر، تم تصويره في 25 أو 26 أكتوبر/تشرين الأول، مجموعة من المحتجين يمشون فوق جسر الجمهورية في اتجاه المنطقة الخضراء بالمدينة. وفجأة، يسقط أحد المحتجين على الأرض وهو ممسك برأسه، وسحب الدخان أو الغاز تنبعث من الجرح.
وتلقت منظمة العفو الدولية صور الأشعة المقطعية من عاملين في المجال الطبي في بغداد. وتؤكد الصور، التي تحققت منها منظمة العفو الدولية، الوفيات الناجمة عن ارتطام شديد بالرأس. والإصابات المروعة في كل هذه الصور ناتجة عن القنابل الكاملة المنغرسة في جماجم الضحايا.
تُظهِر صور الأشعة المقطعية التي شاركها مهنيون طبيون في العراق مع منظمة العفو الدولية كيف اخترقت القنابل المسيلة للدموع جماجم المحتجين، مما تسبب في إصابات مروعة ومميتة وسط احتجاجات في بغداد في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2019. المصدر: صورة خاصة
القنابل العسكرية المستخدمة ضد المحتجين
هناك نموذجان من القنابل هما المسؤولان عن هذه الإصابات: 40 مم من طراز إم 99 إس (ٍ M99s) الصربي، الذي صنّعته شركة بلقان نوفوتيك (Balkan Novotech)، وقنابل 40 مم من نوع إل في سي إس (LV CS)، من المحتمل أن تكون من تصنيع شركة أرسنال – Arsenal البلغارية. وعلى عكس معظم قنابل الغاز المسيل للدموع التي تستخدمها قوات الشرطة في جميع أنحاء العالم، يتم تصميم هذين النوعين على غرار القنابل العسكرية الهجومية المصممة للقتال. وقد وجد بحث أجرته منظمة العفو الدولية أنه نظرًا لوزنها وتركيبها، فإنها أكثر خطورة بكثير على المحتجين.
وتزن قنابل الغاز المسيل للدموع النموذجية المستخدمة من قبل الشرطة الشرطة والتي يبلغ قطرها 37 ملم، ما بين 25 و50 غراماً، وتتكون من عدة عبوات أصغر تنفصل وتنتشر على مساحة ما. وفي المقابل، تتألف القنابل العسكرية الصربية والبلغارية المستخدمة من قبل العسكر والتي يبلغ قطرها 40 ملم، والموثق استخدامها في بغداد، من سبيكة ثقيلة واحدة، وهي أثقل وزناً ما بين 5 و10 أضعاف، وتزن 220 إلى 250 غرامًا.
حيث يتم إطلاق كل من قنابل الشرطة والقنابل العسكرية بسرعة اندفاع مماثلة، يعني ذلك أنها تسير في الهواء بنفس السرعة، فالقنابل التي تزن 10 أضعاف القنابل الأخرى تصل قوتها 10 أضعاف عندما ترتطم بأحد المحتجين، ولهذا تسببت في مثل هذه الإصابات المروعة.
وقال برايان كاستنر، كبير مستشاري برنامج الأزمات بشأن الأسلحة والعمليات العسكرية في منظمة العفو الدولية: “حيث يتم إطلاق كل من قنابل الشرطة والقنابل العسكرية بسرعة اندفاع مماثلة، يعني ذلك أنها تسير في الهواء بنفس السرعة، فالقنابل التي تزن 10 أضعاف القنابل الأخرى تصل قوتها 10 أضعاف عندما ترتطم بأحد المحتجين، ولهذا تسببت في مثل هذه الإصابات المروعة.”
نمط لم يسبق له مثيل من حالات الوفاة
جميع الأسلحة الأقل فتكا يمكن أن تسبب القتل عندما تستخدم بشكل غير صحيح. ويجب عدم إطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع مباشرة على الناس. ومع ذلك، فإن جميع الخبراء الذين قابلتهم منظمة العفو الدولية – من بينهم الخبراء العسكريون، والخبراء في أعمال الشرطة، والأطباء، وأخصائيو الطب الشرعي – يتفقون على أن عدد الوفيات والطبيعة المروعة للإصابات الناجمة عن إطلاق قذائف القنابل المسيلة للدموع الثقيلة، والتي يبلغ طولها 40 مم، من مسافة قريبة بصورة مباشرة أمر غير مسبوق.
وأكد خبير الطب الشرعي لمنظمة العفو الدولية أنهم “لم يروا مثل هذه الإصابات الشديدة بسبب هذا من قبل”. وأشار الخبير إلى أن “شدة الإصابة وزوايا الاختراق” تشير بقوة إلى أن القنابل أطلقت مباشرة على الضحايا بدلاً من الارتداد عن الأرض.
فقد أفاد عامل طبي في مستشفى قريب من ساحة التحرير نُقل إليه معظم الضحايا وقد تلقوا إصابات حادة في الرأس، تحدث إلى منظمة العفو الدولية، بشرط عدم الكشف عن هويته أن المرفق قد تلقى “ست إلى سبع إصابات في الرأس يومياً منذ يوم الجمعة [25 أكتوبر/تشرين الأول]”. “من بين هؤلاء، خمسة كان لديهم مقذوفات أو عبوات منغرسة في جماجمهم”. وقال العامل الطبي أنهم لم يروا مثل هذه الإصابات بهذا الشكل المتكرر من قبل.
واختتمت لين معلوف قائلة: يمكن أن يكون أي سلاح أقل فتكًا مصممًا للسيطرة على الحشود مميتًا إذا تم اطلاقه بشكل غير صحيح. لكن ما قمنا بتوثيقه بشأن هذه القنابل في بغداد، يتجاوز إلى حد بعيد سوء استخدام سلاح “أكثر أمانًا” – فالقنابل المستخدمة مصممة خصيصاً كي تحدث أقصى قدر ممكن من الإصابات المروعة والقتل. ويجب على قوات الشرطة العراقية نزعها من إطار الاستخدام فوراً. ويجب أن يكون هناك تحقيق مستقل ونزيه في استخدامها، وفي حالات القتل والإصابات غير القانونية الأخرى التي وقعت أثناء الاحتجاجات”.