المدافعون عن حقوق الإنسان وما يتعرضون له في الوقت الحالي
المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي (ICSSI)
مقدمة
شهد العراق منذ بداية اكتوبر ٢٠١٩ احتجاجات واسعة النطاق ضد السلطات في العراق، شارك فيها الكثير من العراقيين والذين تعرضوا لأنواع مختلفة من العنف؛ نركز في هذا التقرير على ما يتعرض له المدافعين عن حقوق الإنسان، ونقصد بهم أولئك الذين يعملون على الدفاع عن كل ما يتعلق بحقوق الإنسان، مثل حق التظاهر، حق التعبير وباقي الحقوق الإنسانية الأخرى.لماذا نركز على هؤلاء؟ نركز على هؤلاء لانهم المحرك الأساسي للاحتجاجات والذين يحافظون على سلميتها، مثلا ما يقوم به احد المدافعين عن حقوق الإنسان حيث يعمل على توعية المحتجين بآليات استخدام أدوات اللاعنف والمقاومة السلمية في مواجهة قمع السلطة التي تستخدم شتى أنواع العنف. ورغم نشاطهم في التوعية اللاعنفية يواجه هؤلاء أنواع مختلفة من التحديات التي تتعلق بالاختطاف من قبل المليشيات آو الاعتقال او حتى قد تصل إلى حالات الاغتيال، لذلك اضطر قسماً كبيراً منهم الى الهروب من مدنهم بسبب هذه التحديات، ونظرا لما يتعرضون له هؤلاء، نحاول هنا في هذا التقرير التركيز عليهم كنوع من التضامن معهم للفت أنظار المهتمين بما يتعرضون له المدافعين عن حقوق الإنسان. هذا التضامن والدفاع عنهم لا يتعلق باللحظة الراهنة لوحدها، وإنما يتعلق بالمستقبل أيضا، حيث لابد من ان يواصلوا حياتهم بشكل طبيعي في المستقبل ويعاودون النشاط من اجل الدفاع عن حقوق الإنسان. علما ان هذا التقرير لا يغطي كل ما يتعرض له المدافعين عن حقوق الانسان في العراق حاليا، انما يأخذ عينة نموذجية لتوضيح القضية.
قصص غير مروية:
التهديد والترهيب: ينشط (ع. ع – ٢١ عام ) في الاحتجاجات منذ العام ٢٠١٥، وعندما ابتدأت الاحتجاجات مرة اخرى في اكتوبر ٢٠١٩، كان (ع.ع) من اوائل الذين شاركوا في الاحتجاجات وكتبوا عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، كما استضافته عدد من القنوات الإعلامية للحديث عن التظاهرات، لكنه في يوم ١٣ اكتوبر، تعرض الى تهديد من قبل رقم مجهول ، حيث قام شخص غير معروف بالاتصال به، وتهديده بضرورة عدم التعرض لـ “السيد” و”أن يحافظ على نفسه ويبتعد عن التظاهرات لسلامته وسلامة عائلته” حسب ما ذكره الشخص الذي هدده. بعد ايام تعرضت شقة (ع.ع) الى التخريب من قبل مجهولين، كما تم تهديد عائلته بأن يبتعد ابنهم عن الاحتجاجات.
الهروب: عند عودة ( أ.ع – ٢٨ عام) – وهو احد الناشطين في المجتمع المدني وحركة اللاعنف – إلى منزله في تمام الساعة ١١ مساءاً من يوم ٢٣ اكتوبر، اصطفت إلى جانبه سيارة يستقلها مجموعة من الأشخاص في احدى الطرق الفرعية، ترجل منها اثنان وحاولوا اختطافه، لكنه استطاع التشبث بعامود للكهرباء كان بقربه واستمر بالصراخ، وقد بدآوا بضربه في محاولة لإبعاده عن العامود لكنه ضل متشبثاً به، وبعد دقائق قليلة ونتيجة للصراخ، ابتدأ الناس الذين يسكنون الشارع بالخروج لرؤية ماذا يحصل، عندها اضطر الخاطفون للهرب، بعد ان هددوه بالعودة له. وقد استطاع (أ.ع ) وزوجته (ف.ب – ٢٥ عام) الهروب من مدينتهما في ذات الليلة إلى منطقة امنة اخرى في العراق، حيث يواصل من هناك العمل على التأثير على حركة الاحتجاج لضمان استمرارها بشكل سلمي. علما ان المنطقة التي تحرك اليها لا يحصل فيها على ذات الحقوق التي كانت لديه في مدينته الاولى، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، حقه في الإقامة.
الاعتقال: وضع (س.ف – 27 عاماً ) منشوراً له على فيسبوك للتضامن مع حركة الاحتجاج في بغداد وبقية المحافظات، وأشار (س.ف) إلى ان الاحتجاجات يجب ان لا تشمل مدينته كونها من المدن المحررة قبل فترة قصيرة ومازالت تشهد تحديات أمنية من داعش، لكن القوات الأمنية في مدينته، ودون اي مذكرة قضائية، قامت بالقاء القبض عليه وسجنه، كما تم تهديد عائلته من قبل قائد الشرطة والقائم مقام بضرورة اخلاء منزلهم ومغادرة المدينة خلال ٢٤ ساعة، لكنهم لم يقوموا بذلك بعد عدة واسطات عشائرية، ومازال (س.ف) حتى اللحظة التي كتب بها هذا التقرير معتقلاً.
الاختطاف: مساء يوم ٢ نوفمبر وعند عودة (ص.م) من ساحة التحرير وسط بغداد، والتي تشهد تمركز لحركة الاحتجاج فيها، قامت جهة مجهولة الهوية بخطفها. ص.م كانت تقوم بتقديم الإسعافات الأولية والمساعدة الطبية للمتظاهرين الذين أصيبوا من قبل السلطات. ولقد ناشدت والدتها وأختها إطلاق سراح (ص.م) ولحسن الحظ ، تم إطلاق سراح ص.م في وقت اعدادنا لهذا التقرير. لكن هيومن رايتس ووتش ذكرت أن استراتيجية استهداف من يقدمون المساعدات الطبية لازالت واسعة ومتنامية.
الاغتيال: مساء يوم 7 نوفمبر في تمام الساعة ٨ مساءا تعرضت سيارة (أمجد الدهامات – ٤٧ عام) إلى إطلاق نار ادى إلى قتله وإصابة صديقه (ب.م – ٣٤ عام) بإصابة خطيرة. (أ.د) هو واحد من الناشطين الذين يتحدثون باستمرار عن حركة الاحتجاجات السلمية وآليات تطويرها، وكان له قبل قتله محاضرات داخل ساحات الاحتجاج شارك فيها العشرات من المهتمين.
طعن: في الديوانية ايضا يتعرض المحتجون الى مخاطر كبيرة، ففي يوم ٦ نوفمبر تم الاعتداء على اثنين من المحتجين بواسطة السكاكين داخل ساحة الاحتجاج، حيث تعرض لهم شخص يحمل سكين وطعنهم في مناطق متعددة من اجسادهم وهرب، لكن القوات الأمنية القت القبض عليه، وبعد مشاحنات مع مجموعة غير معروفة مع الشرطة، استطاعت هذه المجموعة إفلات الشخص. يُظهر الحادث كيف أن السلطات تفتقر إلى الاهتمام أو القدرة على محاسبة من يهاجمون المتظاهرين السلميين.
ملاحظة:
تم حجب الاسماء لأسباب تتعلق بحماية الأشخاص الذين تم ذكرهم في القصص المذكورة.
الاجراءات الواجب اتخاذها:
ان حماية المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان في هذه الأوقات في العراق يتطلب خطوات عاجلة، تضع في حسابها ان عملية التحول الديمقراطي في العراق في خطر، فهي مرهونة بتوفر بيئة امنة يعمل فيها المدافعون وبضمان حرية التعبير وحرية التجمع.
وعليه نطالب كل من الحكومة العراقية، الامم المتحدة، الاتحاد الاوربي وبلدانه الاعضاء، و المجتمع الدولي، بالتالي:-
1- تحمل الحكومة العراقية مسؤولية كشف المتورطين ( أفراد او اجهزة او مجموعات) بقتل واختطاف او تهديد المدافعات والمدافعين عن حقوق الانسان من الذين تعرضوا للمخاطر بسبب مشاركتهم في حركة الاحتجاج، وعليها تقع المسؤولية الاولى في توفير الحماية للمدافعين في كل انحاء العراق.
2- نطالب المقرر الخاص للمدافعين عن حقوق الانسان السيد ميشيل فورست، بالتحرك فوراً لحماية المدافعين في العراق، وذلك من خلال زيارة مباشرة له للعراق نظرا لسعة وخطورة الانتهاكات التي يتعرض لها المدافعات والمدافعين في هذه الفترة العصيبة،
3- نطالب الاتحاد الاوربي، بعثة العراق، والدول الأعضاء فيه والتي لديها تمثيل رسمي في العراق بالتحرك فوراً لحماية المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان هناك، عن طريق فتح حوار جاد مع الحكومة العراقية حول خطواتها بهذا الاتجاه وعن طريق توفير المساعدة المباشرة للمدافعين الذين هم تحت التهديد وفي خطر مباشر.
4- والى جانب الخطوات العاجلة المذكورة انفاً، لابد من الإشارة إلى ضرورة التحرك بالتوازي على مجموعة من الآليات تضمن الوقاية من المخاطر وتحسين البيئة التي يعمل فيها المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان في العراق وبهذا الصدد نطالب بايجاد آلية مشتركة بين العراق والأمم المتحدة والاتحاد الأوربي تعمل على وقاية المدافعين عن حقوق الانسان عملية لتقليل المخاطر التي يتعرضون لها، وبهذا الخصوص نقترح على المستوى البعيد الخطوات ادناه، كخطوات من شأنها الوقاية مما يعترض له المدافعون على حقوق الإنسان:
أ) أهمية ضمان حياد الخدمات المتعلقة بالأمن وتشكيلات الشرطة وغيرها من التصنيفات الأمنية من التدخلات السياسية التي قد تعرض ناشطي حقوق الإنسان للخطر. وضمان احترام القوى الامنية لحقوق الانسان لجميع المحتجين والتوقف عن استخدام القوة المفرطة.
ب) من المهم ضمان وجود تنسيق عبر آلية تواصل معينة بين التشكيلات التي تعمل في مجال الأمن والمجتمع المدني في المجالات المتعلقة بحقوق الإنسان أو ما يتعرض له الناشطين ، من اجل الحد من التهديدات للمدافعين عن حقوق الإنسان وتعزيز سيادة القانون الذي يحمي جميع حقوق الإنسان للعراقيين.
ت) ايجاد آلية فعالة للشكوى من الأفعال التي يعتقد المدنين انها غير عادلة من قبل التشكيلات التي تقدم خدمات أمنية، وتلقي الإجابات التي تتعلق بكيفية التحقيق في شكواهم ومعالجتها.
ث) تطوير المناهج الدراسية التي تعمل علي تعليم حقوق الإنسان في المرافق الدراسية المختلفة، من اجل خلق جيل يؤمن ويدافع عن حقوق الإنسان.
ج) ايجاد ملاجئ آمنة للمدافعين عن حقوق الإنسان، والذين قد يتعرضون للملاحقة لأسباب مختلفة، من اجل حمايتهم وقت الطوارئ.