مظاهرات نسويّة حاشدة تغطّي شوارع بغداد باللونين الوردي والبنفسجي
بغداد – المونيتر
شهد العراق في ١٣ شباط/فبراير، مظاهرات نسويّة حاشدة بالعاصمة بغداد والناصريّة وبعض المدن الأخرى في الجنوب، ارتدت فيها النساء اللونين الورديّ والبنفسجيّ، تعبيراً عن تحدٍّ أنثويّ لحركة التشويه والاتّهامات ضدهنّ، ودعماً لحركة الاحتجاجات السارية في العراق منذ تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي.
وكان للمرأة دور بارز في حركة الاحتجاجات منذ بدئها، لم تقتصر على المشاركة في العمل الاحتجاجيّ جنباً إلى جنب الرجل فحسب، بل كانت مساندة وداعمة للحركة عبر تحضيرها الطعام وتقديمها الإسعاف الطبيّ وخدمات أخرى في ساحات الاحتجاج. وقد واجهت حملات تشويه وتهديد واتّهامات واسعة من قبل معارضي الاحتجاجات، معتبرة المشاركة النسويّة في المظاهرات هي نوع من الفسق والفجور والتورّط في أعمال مخالفة للأخلاق والآداب العامّة.
وفي المحاولة الأخيرة من هذا القبيل وضمن سياق عمله على إنهاء المظاهرات، هاجم رجل الدين الشيعيّ المقرّب من إيران السيّد مقتدى الصدر الحضور النسويّ في المظاهرات، داعياً إلى الفصل بين الجنسين وتجنّب الاختلاط في ساحات الاحتجاج.
“على المتظاهرين مراعاة القواعد الشرعيّة والاجتماعيّة للبلد قدر الإمكان وعدم اختلاط الجنسين في خيام الاعتصام”، هذا ما قاله مقتدى الصدر ضمن بيان يحتوي على ١٨ نقطة توجيهيّة لساحات الاحتجاج.
وردّاً على ما قاله الصدر، ظهرت حملات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعيّ تعبّر عن الدعم للمرأة وحضورها السياسيّ في ساحات الاحتجاج. وقام الكثير من الفتيات بارتداء أزياء رجاليّة. وكذلك، قام الكثير من الشباب باستخدام زيّ نسويّ، معبّرين عن المساواة وعدم التمييز بين الذكر والأنثى في التعبير عن الرأي والحقّ السياسيّ. ومن هذا المنطلق، تمّت الدعوة إلى المظاهرة النسويّة الحاشدة.
وفي سياق تسليط الضوء على دور المرأة في حركة الاحتجاجات، أشارت الديبلوماسيّة العراقيّة السابقة والناشطة في مجال حقوق المرأة السيدة أحلام الكيلاني خلال حديث لـ”المونيتور” إلى أنّ دور النساء في الحركة الاحتجاجيّة بارز ومتميّز منذ اللحظة الأولى لانطلاق المظاهرات الشعبيّة، فتحدّين كلّ أدوات القمع والترهيب، وسطّرن التضحيات الجسيمة واستشهد قسم منهنّ في هذه الساحات، وقالت: إنّ الحضور النسويّ في الاحتجاجات ليس أمراً اعتباطيّاً، بل يعكس التغيير الجاري في المجتمع العراقيّ ويكرّس طموحهنّ في إيجاد فضاء رحب يستوعب كلّ شرائح المجتمع للنهوض بدوره الوطنيّ، بعيداً عن الطائفيّة وغياب العدالة الاجتماعيّة.
وفي ردّ الفعل على التحدّي النسويّ ضدّه، صعّد الصدر من خطابه التحريضيّ ضدّ النساء المشاركات في الاحتجاج، متّهماً إياهنّ بارتكاب أعمال مخالفة للدين والأخلاق، وقال: “اليوم، تتعالى أصوات التحرّر والتعرّي والاختلاط والثمالة والفسق والفجور، بل والكفر والتعدّي على الذات الإلهيّة وإسقاط الأسس الشرعيّة والأديان السماويّة والتعدّي على الأنبياء والمرسلين والمعصومين”.
وفي هذا السياق، لقد قامت مجموعة “القبّعات الزرق” التّابعة للصدر بنشر وترويج أخبار عن حصول أشكال من السلوك غير الأخلاقيّ وشرب الخمر والجرائم في المطعم التركيّ قرب ساحة التحرير، التي استولت عليه لاحقاً. ولكن لم يتمّ إثبات أيّ من هذه الأنباء.
وحذّر الصدر ممّا سمّاه بـ”الشرذمة الشاذّين من (دواعش التمدّن والتحرّر)”، داعياً إيّاهم إلى “ألاّ ينجرّوا خلف غرائزهم الحيوانيّة”، وقال: “لن نقف مقيّدين وساكتين عن الإساءة للدين والعقيدة والوطن، ولن نسمح بمحو آثارها. كما لم نسمح للمحتلّ بطمس العراق”.
أضاف: “إنّهم لا يريدون (قندهار)، بل يريدون (شيكاغو). ونحن اليوم ملزمون بعدم جعل العراق قندهاراً للتشدّد الدينيّ، ولا شيكاغو للتحرّر والانفلات الأخلاقيّ والشذوذ الجنسيّ للفجور والسفاح والمثليّين”.
وتشير الناشطة النسوية وسكرتيرة جمعية الأمل العراقية، السيدة هناء إدوارد، في حديث لها للمونيتور، الى أن الإحتجاج النسوي قد امتد الى المدن الدينية الشيعية مثل النجف وكربلاء، الأمر الذي يدل على عدم مصداقية الاتهامات الصادرة ضد الناشطات في حركة الاحتجاجات.
وفي سياق موقفه المعارض للدور النسويّ في حركة الاحتجاجات، دعا الصدر إلى مظاهرة نسويّة خاصّة لأتباعه الجمعة في ١٤ شباط/فبراير. ويبدو أنّه يحاول خلق حركة احتجاجيّة نسويّة مضادّة لما حصل في ١٣ شباط/فبراير، وذلك من أجل صرف الاهتمام والنظر عن الاحتجاجات القائمة، والتي أصبح خارجاً منها ومعارضاً لها، بعد فترة طويلة من المحاولة للتماشي معها بهدف ركوب الموجة والسيطرة عليها أخيراً.
وكان الصدر قام سابقاً بتنظيم مسيرة حاشدة ضدّ “الاحتلال الأميركيّ”، حسب تعبيره، للتأثير على حركة الاحتجاجات القائمة وتهميشها، وفي النهاية، التغلّب عليها نهائيّاً. وتزامن ذلك مع صدور أوامر لأتباعه من أصحاب “القبّعات الزرق” بالهجوم على ساحات الاحتجاج وفرض السيطرة عليها وإخراج المتظاهرين منها، الأمر الذي أدّى إلى مقتل ما يقرب من 10 متظاهرين في مدينة النّجف الجنوبيّة على أيدي “القبّعات الزرق”.
وتماشياً مع الاتّجاه الأخير للصدر، أصدرت “كتلة صادقون” النيابيّة التّابعة لـ”حركة عصائب أهل الحقّ” بياناً استنكاريّاً لمشاهد الفسق والفجور في الحضور النسويّ بالمظاهرات، متّهمة الولايات المتّحدة بإجراء حرب ناعمة ضدّ الشعب العراقيّ المحافظ عبر “دعم وتشجيع بعض الظواهر المنحرفة البعيدة كلّ البعد عن أخلاق وقيم مجتمعنا من نشر الخمور والمخدّرات بين أوساط الشباب وثقافة اختلاط ومبيت الجنسين من دون أيّ مراعاة للجوانب الشرعيّة والأخلاقيّة والمجتمعيّة”.
وانتقدت أحلام الكيلاني الحملات التشويهيّة ضدّ الحضور النسويّ في الاحتجاجات، معتبرة أنّ “الاتهامات التي تنال من سمعة النساء المشاركات في الحركة الاحتجاجيّة هي بالتأكيد مجحفة وظالمة وتحاول النيل منهنّ وتعطيل دورهنّ المهمّ في القضايا الوطنيّة والاجتماعيّة”.
وتعتبر السيدة هناء إدوارد أن “المشاركة الواسعة للشابات في المسيرة النسوية في ١٣ فبراير كانت لطمة صاعقة لدعوات تشويه مشاركة النساء في الثورة ولا سيما موقف مقتدى الصدر”. وتشير إدوارد الى أن النساء المشاركات في الإحتجاج قد تعرضن مثل إخوانهن الى الضرب والاختطاف والاغتيال والتهديد بمختلف أشكاله”.
وفي الإطار نفسه، أشارت أم خالد، وهي إحدى الناشطات النسويّة في حركة الاحتجاجات، إلى أنّ مشاركة المرأة في الاحتجاجات تأتي من ضرورة “رفض الإقصاء وإثبات حقّها في الوجود ودورها في المجتمع العراقيّ الذي أصبح خلال الفترة الأخيرة يهمّش المرأة، وهي ترفض ذلك باستخدام كلّ وسائل الاحتجاج السلميّ والمدنيّ”.
وأخيراً، تعبّر المسيرة النسويّة الأخيرة عن الرغبة الجامحة لدى نساء العراق في المشاركة الاجتماعيّة والسياسيّة الفاعلة بالمجتمع والحصول على فرص ودور مساويين للرجل، وتعدّ جزءاً من الحركة النسويّة الصاعدة في العراق والمنطقة عموماً.