الحراك الاجتماعي والمدني في العراق في مواجهة وباء “كورونا المستجد – كوفيد 19”
رؤية المنتدى الاجتماعي العراقي للمرحلة الراهنة
منذ أربعة عقود ويعاني العراق من دمار البنى التحتية والقطاعات الإنتاجية والخدمية بسبب الحروب العبثية التي خاضها النظام السابق، الحصار الاقتصادي، والاحتلال الأمريكي وما رافقه من استمرار للتدهور والفساد والفشل في إدارة الدولة. وأكثر القطاعات تضررا كانت تلك القطاعات التي تمس حياة العراقيين من بينها القطاع الصحي. إن تفشي فايروس كورونا المستجد (كوفيد ١٩)، في العديد من بلدان العالم، ومن ضمنها بلدنا، وضع البشرية جمعاء امام تحدي غير مسبوق منذ أكثر من قرن.
سجل العراق اعداداً غير قليلة من الإصابات مع ارتفاع في نسب الوفيات من المصابين، وقد اتخذت الحكومة العراقية مجموعة من الإجراءات الاحترازية لصد الفايروس وتجنب انهيار النظام الصحي المتهالك. إذ تم تشكيل لجنة لإدارة الازمة، سميت لجنة الأمر الديواني رقم 55 لسنة 2020، اصدرت هذه اللجنة عدد من القرارات ومن ضمنها منع التجمعات، اغلاق المطاعم، المقاهي، مراكز التسوق، ومنع إقامة المناسبات الدينية والاجتماعية، وتعليق حركة الطيران وغلق المنافذ الحدودية، وتعطيل الدراسة في المدارس والجامعات، إضافة الى فرض حظر للتجوال الشامل للفترة من 17 اذار حتى 11 نيسان، ويمكن أن تستمر هذه الإجراءات لوقت غير معلوم نظرًا لاستمرار تسجيل الإصابات مع وجود توقعات بارتفاع الاعداد خلال الأسابيع القليلة القادمة. كل هذا يجعلنا أمام مهمة صعبة تتطلب بذل المزيد من الجهود لصياغة الأفكار والرؤى في سبيل دفع حركة المجتمع المدني العراقي إلى الامام وتفعيله بشكل يتلاءم ومتطلبات المرحلة الطارئة.
مما لا شك فيه أن هذه الازمة والإجراءات الحكومية، فرضت تحديات وافرزت مشكلات عديدة ومتنوعة على جميع المستويات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية. وهو ما يدعونا لصياغة هذه الرؤية التي تناولت تداعيات الأزمة من جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الحراك الاحتجاجي والسياسي في زمن الكورونا
حصل تراجع في اعداد المتظاهرين والمعتصمين في ساحة التحرير وغيرها من ساحات الاعتصام في المحافظات، وذلك في ظل تفشي فايروس كورونا المستجد عالميا وتسجيل عدد من الإصابات في العراق، وبادر المحتجون في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب الى تقليص تواجدهم في الساحات لحين الانتهاء من الازمة، وأكدوا بان حركة الاحتجاج لن تنقطع وأنهم يدرسون الخيارات الأخرى للتصعيد، ودعوا إلى أهمية الالتزام بالتعليمات الصحية، حفاظًا على الصحة العامة، وشرعوا في تعفير الساحات والتوعية بإجراءات الوقاية، فيما استمرت القوى السياسية المهيمنة على السلطة بالتسويف والمماطلة في عملية تحقيق مطالب المعتصمين، مرة عبر تكليفهم شخصيات جدلية لا تحظى بقبول المعتصمين، وأخرى عبر حرف النقاش عن القضية الأساسية والتركيز على قضايا أخرى ليست ذات أهمية في عملية التغيير المطلوب. كل هذا مع استمرار حكومة تصريف الاعمال العاجزة، عن تقديم أي شيء ينتشل العراق من الوضع الحالي، وهذا يكون في صلب عملها، والاستقالة لا تعفيها من مسؤولياتها وصلاحياتها في تسمية اللجان وتخصيص الأموال لمعالجة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية، ومن المتوقع أن يستمر هذا العجر مع ارتفاع اعداد الإصابات خصوصا أنها غير قادرة على تبني خطط وآليات واضحة وصحيحة لمواجهة ازمة بهذه الضخامة، وهذا ما بدا واضح من خلال عشوائية وانتقائية القرارات المتخذة، وهي بالتأكيد تعبر عن أزمة بنيوية لنظام المحاصصة الذي استمر بدرجة كبيرة في تحطيم بنية النظام الصحي منذ عام 2003، من أجل القبول بخصخصته، تجدر الإشارة أيضا إلى أن تذبذب اعداد الإصابات ( ارتفاع – هبوط – ارتفاع )، يشير إلى ضعف في الإمكانيات الصحية وشحة التجهيزات الطبية لمواجهة خطر الفايروس. من الواضح ايضا ان كل هذا لن يضمن لعراقنا وشعبنا الخروج من هذه الازمة بخسائر قليلة، لذا ندعو كل فئات المجتمع المدني من نقابات عمالية ومهنية ومنظمات، وفرق المتطوعين والنشطاء الى التضامن ومساندة الطواقم الطبية التي تعمل في الخطوط الامامية لمواجهة أزمة الوباء، ورفع الصوت عاليا ضد الحكومة من اجل الإيفاء بالتزاماتها، فضلا تأمين الكوادر الصحية وتوفير مستلزمات الوقاية المصممة خصيصا للتعامل مع المرضى المصابين وفق المعاير الدولية وتعليمات منظمة الصحة العالمية. من جانب اخر نرى ان التسويف والمماطلة يجب ان تنتهي الان، وعلى القوى المساكة بالسلطة التوجه لاختيار لاختيار رئيس وزراء يتوافق مع شروط ساحات الاعتصام ويشكل حكومة قادرة علي تنظيم انتخابات مبكرة وفق قانون انتخابي عادل، تحاسب قتلة المنتفضين وتحارب الفساد.
تداعيات الأزمة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية
ان تفشي فايروس كورونا المستجد في العراق وما يشكله من خطر مباشر على حياة المواطنين، يتطلب وقفة شاملة لكل عناصر الدولة، لأن تبعاته لا تقل خطراً عنه. فالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي نشأت مع الإجراءات الاحترازية المتخذة من قبل الحكومة، والصادرة عن خلية الأزمة أو ما تعرف بلجنة الأمر الديواني رقم 55 لسنة 2020 وكذلك اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية، اخذت تشتد وطأتها تدريجيا على فئات ما دون خط الفقر، وذوي الدخل المحدود، بسبب تعطل الحياة الاقتصادية والمالية والخدمية والتعليم والمشاريع كافة، الربحية منها وغير الربحية. مما ينذر بتحول تلك المشكلات إلى أزمات كبيرة في القريب العاجل مع التراجع الحاد في النمو الاقتصادي على المستوى العالمي، وضعف الطلب على النفط.
إن من أكثر الفئات تضرراً هم العمال وعوائلهم في كافة القطاعات المنظمة وغير المنظمة، حيث من المحتمل انهم بسبب إجراءات الحظر الصحي وتوقف الحياة الاقتصادية ستكون هناك ارتفاع في معدلات البطالة، عبر التسريح التعسفي او اغلاق مؤسسات صناعية مختلفة، مما يؤدي الى الجوع والعوز والمرض وفقدان المسكن. للأسف كانت الإجراءات المتخذة من الجانب الحكومي تركز على تطبيق العزل الاجتماعي دون النظر لحاجات المواطنين الملحة من المواد الغذائية والاحتياجات الخاصة الحياتية، والآثار الناتجة عن ذلك، ولا نعلم كم من الوقت سيستطيع هؤلاء الصمود والالتزام بالبقاء في المنازل؟!
ان الطريقة الحكومية في إدارة الازمات اتسمت في بعض الأحيان الجانب الشكلي البيروقراطي، ولم تتطور لكي تشرك عناصر الدولة الأخرى الشريكة للحكومة من النقابات العمالية والمهنية ومنظمات اصحاب العمل ومنظمات المجتمع المدني، فهم قادرين على المساعدة في إدارة الازمة العامة وخدمة البلد، كونهم الجهات القطاعية والاجتماعية من الجانب العملي والجهات المتضررة والمستفيدة من تلك القرارات في الوقت ذاته، وهذا الخلل أدى الى قصور في وضع الحلول وظهور آثار جانبية للإجراءات المتخذة دون دراسة جوانبها كافة بعناية مسبقاً. أن الوضع الراهن يتطلب من الحكومة تشكيل لجنة طوارئ تضم إضافة إلى جانبها النقابات والمنظمات لمعالجة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة.
من جانب اخر، يواجه النازحون صعوبات كبيرة خاصة مع قرار حظر التجوال، من هذه الصعوبات عدم توفر امكانية المراجعة الصحية فترة سريان العمل بالحظر بسبب وجود مخيمات النزوح خارج المدن وطبيعة الاجراءات المشددة المفروضة عليهم.
وفيما يخص التعليم هناك مشكلة حقيقة تواجه ملايين طالبي العلم، فالأوضاع وتبعاتها، عطلت الدراسة في المؤسسات التعليمية المختلفة، والبديل كان التعليم الالكتروني، وكما هو معروف للجميع العراق احد البلدان السيئة من ناحية تقديم خدمة الانترنيت وارتفاع أسعارها، لذلك الحكومة العراقية مطالبة بإيجاد حل لهذه المشكلة ممكن عبر تحسين خدمة الانترنيت وتزويد كافة الطلبة بالخدمة مجانا. ممكن للمجتمع المدني بكافة تشكيلاته ان يلعب دور في هذا الجانب فهم لديهم خبرات وامكانيات في هذا المجال ممكن تسخيرها في هذا المجال. ان الوباء فرض علينا واقع جديد، يفترض ان نتعامل معه، ونطوع نشاطنا فيما يسهم للخلاص منه، فالمطلوب اليوم تضافر كل الجهود الساعية الى إيجاد مخرج من الازمة، ان تفكر وتقترح وتطالب وتساهم في الميدان من اجل العبور الى بر الأمان، فالوباء لم يفرق بيننا بسبب الجنس، العرض، المذهب، العقيدة، والقومية، الكل معرضون للخطر، والكل معني بإنقاذنا من هذا الوباء.
تحية لجميع من يساهم من في حمايتنا ويسعى لتخليصنا من هذا الوباء.
نبقى في المنزل، لكننا نبقى فاعلين ومساهمين في بناء عراق اخر ما يزال ممكنا
بغداد ١٢ نيسان ٢٠٢٠