واقع الاقليات في العراق
اعادت واحدة من التمثيليات التلفزيونية الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي حول الأقليات، بعد تطرقها لما تعرض له عدد من الأقليات الدينية والقومية من جرائم وحشية ارتكبتها بحقهم تنظيمات داعش الإرهابية، فهل انتهت مشاكل الأقليات بنهاية داعش؟ ام مازالت مسائلة الأقليات وحماياتهم وحفظ حقوقهم معضلة تواجه عملية بناء الدولة العراقية الحديثة؟ وهل تعتبر التعديدة الثقافة الدينية والعرقية في البلد مصدر قوة ام ضعف لهذا البلد؟ وهل ما زال بالإمكان الحفاظ على مستقبل نضمن فيه ان يكون للاقليات العراقية وجود في عراق المستقبل ام لا؟ هذا ما ناقشته هذه الندوة الرقمية التي نظمها منتدى السلام في نينوى بالشركة مع مسار اللاعنف وبناء السلام للمنتدى الاجتماعي العراق حيث ان هذه الندوة هي واحده من مجموعة ندوات تخص الاقليات، تناولت موضوع حماية الاقليات و قد شارك فيها مجموعة من الناشطين و الاعلاميين من مختلف الاقليات داخل و خارج العراق وبحضور “72 “ مشارك من جميع اطياف ومكونات العراق
جرى النقاش حول التسمية الصحيحة للافراد الذين ينتمون لجماعات دينية و عرقية و اثنية مختلفة من عدة جوانب قانونية و امنية حيث هناك نقاشات عديدة حول التسمية الصحيحة للجماعات المختلفة دينيا وعرقيا واثنيا عن الاغلبية فمنهم من يفضل مصطلح “المكونات” الصغيرة والاخر يريد مصطلح “الأقليات” و عند المقارنة بين المصطلحين نخلص الى ان مصطلح الاقلية هو الافضل للاقليات المتنوعة لما يقف وراءه من دعم تاريخي واستحقاقات، تكون الاكثرية ملزمة بها بحسب العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية والقانون الدولي، غير ان ما يشوب المصطلح هو مدلولاته في التمييز بين مكونات النسيج الوطني واعتباره رقما غير مهما في المعادلة الوطنية بكل توجهاتها.
بينما مصطلح المكونات من حيث الشكل قد يدل على الغاء التمييز بين مكونات النسيج الوطني واعتبار الكل متساوون ضمن هذا النسيج. غير ان واقع الحال يفند هذه الدلالة فالواقع وخلال السنوات الماضية اثبت ان الاكثرية بقت اكثرية متسلطة والاقلية ظلت اقلية مهمشة. وبالتالي فان مصطلح المكونات لم يسعفها في ان تكون مشاركة وبفاعلية، كحال كل المكونات الاخرى في رسم وادارة وتوجيه سياسة البلد. اضافة الى انها في حال تخليها عن مصطلح الاقلية قد تتخلى عن الحقوق التي يضمنها لها – في انضواءها تحت مسمى هذا المصطلح – تاريخيا وتشريعيا وقانونيا.
اضافت الاستاذة ولاء علي محمد من منظمة تموز للتنمية الاجتماعية “العراقيون أقلية.هذه حقيقة نعيشها يوميا، وهذا ما رأيناه في ثورة تشرين.العقلية التي تدار بها الدولة عقلية رجعية متخلفة، ولا يوجد رؤية واضحة واجماع على شكل الدولة وتكوين هوية جامعة”.
و ناقشت الندوة ايضا اذا كانت التعددية هي مصدر قوة ام ضعف و امكانية تثقيف الجيل الجديد بما يخص الاقليات في المناهج الدراسية وهل ان من الصحيح ان يتم انشاء قوات خاصة لحماية الاقليات من الاقليات نفسها ففي مجتمع تعصف به الصراعات الدينية والطائفية فبالتاكيد تشكل التعددية ضعفا، التعددية تكون مصدر قوة متى ما تحققت المساواة بين المواطنين على ارض الواقع وهذا على المدى المنظور غير متحقق فما دامت التشريعات الدستورية والقانونية تميز بين المواطنين ( دين الدولة هو الاسلام نموذجا. والمادة 26 / ثانيا/ من قانون الهوية الوطنية الموحدة : في موضوع اسلمة القاصرين من غير الديانة الاسلامية في حال اسلمة احد الوالدين ، نموذجا اخر) فالتعددية ستبقى مصدر ضعف، فالتعددية لا تنتعش وتكون مصدر قوة الا في دولة مدنية ، دولة مؤسسات ، دولة المواطنة.
كما و علق الناشط المدني سعد بكتاش من المكون الشبكي قائلا “مواطن الاقليات الى الان معرضة الى المساومات السياسية وتهميش واضح من قبل الدولة .والى الان لم نرى جدية حقيقية من قبل الحكومة تجاه الاقليات من حيث تعويض المتضررين والمخطوفين والحالات الأخرى وهذا يؤثر سلبا على الاقليات ووجودهم “.
و ناقشت الندوة ايضا فيما اذا كانت مشاكل الأقليات قد انتهت بنهاية داعش؟ ام مازالت مسائلة الأقليات وحماياتهم وحفظ حقوقهم معضلة تواجه عملية بناء الدولة العراقية الحديثة؟
داعش كتنظيم ارهابي عسكري قد ينتهي ، غير ان داعش كفكر تكفيري كان وما زال قائما في عقول الكثير، فسيظل التهديد الداعشي للاقليات عسكريا وفكريا قائما مادام هنالك تراخي في ردع صانعي الفتن. و علق مدير منظمة معاً للتنمية المستدامة الاستاذ رأفت خورشيد / بعشيقة قائلا:
“مشكلة فقدان الثقة وغياب الأمن والأفتقار الى السلامة تشكل تحديات تواجه الأقليات في العراق ، لو تحدثنا عن الأيزيديه فهناك تخوف من العودة الى مناطقهم رغم تحريرها والسبب يعود لفقدان الثقة بالمنظومه الدفاعية وللأسف نقولها هناك مؤشرات تتحدث عن نزوح عكسي مرة أخرى بسبب الأوضاع الغير مستقرة والتي تشكل تهديداً مباشراً على الأقليات”.
نظرة الى واقع الاقليات منذ 2003 الى الان يكفي ليكشف وبوضوح شديد ان التهديد للاقليات لم يات بمجيء القاعدة وداعش بل سبقه بسنوات فتفريغ البصرة من المسيحين سبق ظهور القاعدة وداعش نموذجا، وفي بغداد من تهديد وسلب وقتل واستيلاء على ممتلكات المسيحيين لا علاقة له بالقاعدة وبداعش ، حتى باتت الاقليات مهددة بالانقراض في البلد. كما اكد الاساتذة المتحدثين على نقطة مهمة ،تخص المناهج الدراسية وضرورة تغييرها بداية من الدراسات الابتدائية المبكرة وصولا الى الدراسات العليا، وايلاء الاهتمام الكبير بمكونات النسيج الوطني والتعرف بهم( قومياتهم، دياناتهم ، عقيدتهم ، عاداتهم ، تقاليدهم ..) والتركيز على التخلص من ما موجود فيها من افكار متطرفة في تكفير الاخر المختلف والتي تتطلب ارداة سياسية للتغير
و خرجت هذه الندوة بعدة مخرجات اهمها:
- تسمية الاقليات هي الاقوى قانونيا وهو مصطلح مستخدم في القوانين والمواثيق المعاهدات والإعلانات والأعراف الدولية ولديه معايير وخصائص دولية تقاس على اساسها الاقليات وحقوقها وحمايتها ولا يقصد بها الاقل شانا او اقل قيمة. لكن اجتماعيا والحضور التاريخي في العراق قد يكون غير مقبول استخدامه على بعض فئات التي تعتبر اقلية عددية بسبب عمقها التاريخي والاجتماعي في العراق.
- التنوع الثقافي والديني والعرقي والاثني هو قوى وغنى وإثراء للمجمع العراقي بعكس تجارب الدول الاحادية سواءا كانت سياسية او اقتصادية او مجتمعية.
- الجميع متاثر بموضوع التطرف العنيف ولكن نتائج التطرف ظهرت على الاقليات بشكل اكبر بسبب عددها و جزء من الاقليات مهددة بإنهاء وجودها في العراق.عدم وجود العدالة وتكافؤ الفرص احدى الامور المنتجة للتطرف العنيف وأيضا المناهج والأداء السياسي وخطاب الكراهية والوضع الاقتصادي ولا يقتصر على بعض الجماعات الارهابية.
- هناك اشكالية دستورية هي في المادة ثانية أ والتي تقول ( الاسلام هو مصدر التشريع ). واشكاليات قانونية تحول دون انصاف الكثير من حقوق الاقليات، مع ان العراق قد وقع على جميع المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الانسان وحقوق الاقليات. ولكن الاشكالية هي في القانون المحلي لان القانون لا يتفق لا مع الدستور ولا مع المعاهدات التي وقع عليها العراق.
- عدم تطبيق القانون ضد خطاب الكراهية والتطرف رغم وجود قوانين سارية المفعول من ضمنها قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.
- مناطق الاقليات وتحديدا سهل نينوى وسنجار اصبحت مناطق صراعات اقليمية ودولية وداخلية وأيضا خلاف الاقليات فيما بينها وبالتالي تكون مناطق غير مستقرة ويجب حسم الصراعات الموجودة على الارض وعائديتها الادارية.
- حقوق الاقليات في اي دولة مقرونة بثلاث معايير وهي: ا- حماية الهوية والوجود ب- المساواة وعدم التمييز ج- المشاركة السياسية الفعالة.
- لا يوجد ضغط سياسي من نواب الاقليات باتجاه الحلول الناجحة لمشاكل الاقليات. وأيضا هناك مشكلة ان غالبية ممثلي الاقليات في البرلمان الفدرالي والإقليم ينتمون الى الكتل الكبيرة. ومن هذه الحلول تعديل المناهج الدراسية.
- افرغت الكوتا من محتواها بسبب هيمنة الاغلبيات على مقاعد الكوتا وأيضا عدم وجود حق النقض ( الفيتو ) لممثلي الاقليات باتجاه القضايا الخاصة بهم وقانون الواردات البلدية نموذجا.
- الحل لمجتمعات الاقليات عند التصويت في الانتخابات هو انشاء سجل خاص للمصوتين على مقاعد الكوتا واختيار ممثليهم دون غيرهم.
- كان هناك عمل على المادة 125 في السابق حيث قدمت مسودة لقانون حماية الاقليات ومسودة لقانون حماية التنوع ومنع التمييز ضمن هذه المادة وكان هناك قراءة اولى في البرلمان لكن تعطلت القراءة الثانية لذلك نحتاج الى ضغط اكبر بهذا الاتجاه.