المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

في ذكرى الاولى لانتفاضة اكتوبر، آلاف المتظاهرين في الساحات من جديد

بالامس في بغداد، وبالتزامن مع مرور الذكرى الأولى لانتفاضة تشرين اكتوبر تجمع الالاف من الشباب المحتجين في ساحات التظاهر لإحياء ذكرى المناسبة، مع مطالبات شديدة بضرورة مراجعة المنجزات التي تحققت خلال هذا العام ومدى قدرة السلطة على الإيفاء بالتزاماتها وتقييم ما تحقق من مطالب الاحتجاجات التي انطلقت في ٢٥ أكتوبر ٢٠١٩ في بغداد وعموم مدن وسط وجنوب العراق.

 

على عكس احتجاجات ٢٠١٩، التي تم التحشيد لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي عبر الهاشتاغ العربي “نريد وطن”، هذه المرة يتم التحشيد للاحتجاجات باستخدام هاشتاغات مجدولة وسرية – إلى حد ما – لمنع اختراق الميليشيات التي تسعى لإجهاض حركة الاحتجاج. وعلى الرغم من أن بعض المطالب لا تزال كما هي – الخدمات الأساسية، وخلق فرص العمل، ووضع حد للتدخل الأجنبي والفساد – فلا يمكن الجزم بحجم الزخم الجماهيري هذه المرة بسبب جائحة فايروس كورونا والعنف ضد المتظاهرين، مما أدى إلى مقتل أكثر من سبعمئة متظاهر واصابة الآلاف مع عشرات المختطفين.

 

هناك مسؤولية أخلاقية تربط بين منسقي المظاهرات في مختلف المدن. هذه المرة، يستخدم المنظمون خبراتهم من العام الماضي لتعبئة جولة جديدة من الاحتجاجات من خلال التنسيق مع قوات الأمن العراقية وتقديم مطالب سياسية محددة بوضوح أكبر. ويشمل ذلك: الانتهاء من قانون الانتخابات الجديد، وإجراء انتخابات مبكرة، والتنفيذ الكامل لقانون الأحزاب السياسية من خلال منع الميليشيات من الانخراط في العملية السياسية وكشف مصادر تمويل السياسيين، ومكافحة الفساد وفضح المتورطين، ومحاسبة المتورطين في قتل المتظاهرين، حصر السلاح بيد الدولة وإنهاء استهداف النشطاء من قبل المجاميع المسلحة المنفلتة.

 

خلال سنة من عمر الاحتجاجات، تسيدت التقلبات على شكل المشهد السياسي والاجتماعي العراقي. اذ شهدت هذه المدة اقالة حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي بعد قرابة شهر من الاحتجاج، ومن ثم خاضت القوى السياسية تحديات عسيرة لاقناع الشارع المحتج والمحافظة على مكاسبها السياسية في ان واحد، حيث تم ترشيح شخصيتين لشغل منصب رئيس مجلس الوزراء هما السيد محمد توفيق علاوي والسيد عدنان الزرفي الا ان التوافقات السياسية حالت دون تمرير أي منهما ليستمر الجدل بين الأوساط الجماهيرية حول قدرة الطبقة السياسية على اختيار شخصية تلبي تطلعات الشارع الغاضب. ومع ظهور أولى الإصابات بفايروس كورونا في العراق أواخر شهر شباط من العام الجاري، تم اعتماد ترشيح السيد مصطفى الكاظمي لرئاسة الحكومة الجديدة، التي تزامن تشكيلها مع إجراءات الحجر الوقائي المصاحب لجائحة كوفيد-١٩. لتأتي الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن انخفاض أسعار النفط لتساهم في تأزيم الموقف بعد عجز الحكومة عن سداد رواتب الموظفين ولجوئها لطلب الاقتراض الخارجي الذي عقد الوضع الاقتصادي للبلاد بشكل أكبر.

 

وبالعودة لمطالب الاحتجاج، ففي ٣١ تموز / يوليو، أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إجراء انتخابات مبكرة في ٦ حزيران / يونيو ٢٠٢١. ولم ينته البرلمان بعد من قانون الانتخابات بسبب الخلافات حول محتوى الإضافات، مثل عدد مقاعد الدوائر الانتخابية. كما تعهد الكاظمي مرارًا وتكرارًا بمحاسبة مرتكبي أعمال العنف ضد المتظاهرين، لكن لم تظهر نتائج ملموسة. على العكس من ذلك، تصاعدت عمليات الخطف والاغتيال بحق النشطاء في الآونة الأخيرة. وهذا يثير الشكوك حول جدية رئيس الوزراء في تحقيق العدالة. وبدلاً من ذلك، حاول الكاظمي تعيين شخصيات بارزة في حركة الاحتجاج من خلال عرض وظائف في حكومته عليهم، وتوظيف نشطاء على ملاكات وزارة الدفاع، ووعد بتعويضات لأسر الشهداء. ومع ذلك، فإن الأزمة الاقتصادية، الناجمة عن انخفاض أسعار النفط وفيروس كوفيد-١٩، حدت من قدرة الكاظمي على المواصلة باستخدام طريقة الاسترضاء التقليدية هذه.

 

بالنظر إلى أن احتجاجات أكتوبر ٢٠١٩ كانت عفوية، افتقر المتظاهرون إلى إطار منظم، والذي بدوره أعطى الأحزاب السياسية اليد العليا وفرصة التأثير على الحركة الاحتجاجية. مع أخذ ذلك بنظر الاعتبار، كشف ناشطون بارزون في الحركة عن هدفهم بالتظاهر السلمي في ٢٥ أكتوبر، والتنظيم من خلال تشكيل أحزاب سياسية جديدة في محاولة للدخول في العملية السياسية. كما أعلنوا عن مبادرة لإجراء حملة توعية عامة لتشجيع المواطنين على المشاركة في الانتخابات القادمة لترشيح من يمثلهم من دائرتهم الانتخابية.

 

وحول تعامل السلطة مع التظاهرات تجدر الإشارة إلى أن المتظاهرين وصفوا تجارب متباينة للغاية في تعامل القوات الأمنية في ظل حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي مقابل حكومة الكاظمي. هناك بعض المؤشرات البسيطة على أن عداء قوات الأمن بعد عبد المهدي قد تضاءل. أصبحت قوات الأمن أقل قمعاً وقد يكون هناك تعاون كبير بين الأجهزة الأمنية والمتظاهرين. قد يكون هذا بسبب مخاوف من أن التصعيد سيجبر الكاظمي على الاشتباك مع المتظاهرين، مما يتسبب في فقدان مؤيديه للثقة به.

 

ومع ذلك، فإن أحد أكبر بواعث القلق لدى المتظاهرين هو استمرار دائرة العنف ضدهم. وشهدت التظاهرات العام الماضي في العاصمة والمحافظات الجنوبية مستويات مختلفة من العنف. وقع ضحايا في ساحات التظاهر في ١١ محافظة في جنوب ووسط العراق، وارتُكبت جرائم مباشرة بحقهم مع تسجيل حالات عديدة من استخدام القوة المفرطة وغير الضرورية – الذخيرة الحية بدلاً من الغاز المسيل للدموع – ضد المتظاهرين في بغداد وذي قار وكربلاء والبصرة بشكل أساسي، وباقي المحافظات المحتجة.

 

ستندلع الاحتجاجات بدعوات للإصلاح. قد تشهد هذه التعبئة الجماهيرية حوادث عنف أعلى مما كانت عليه في أكتوبر من العام الماضي. يجب على المتظاهرين والنشطاء العراقيين توخي الحذر من المفسدين الذين قد يحبطون أو يخطفون المظاهرات في محاولة للتأثير على الأحداث لصالحهم. ان طريق التغيير يتطلب الكثير من الصبر والمطاولة مع الالتزام بالسلمية. قد تكون الحكومة قادرة على السيطرة على الوضع إذا التزمت بحماية المتظاهرين والحفاظ على سلمية التظاهرات واتخاذ خطوات جريئة لفضح المتورطين في أي تصعيد يدعو للعنف. على ان تكون أولوية السلطة حماية أرواح المتظاهرين وعدم اللجوء الى أساليب القمع التي اعتمدت سابقاً.