إنقاذ نهر دجلة.. حملة بيئية تناهض بناء السدود داخل وخارج العراق
حسام صبحي – ناشط بيئي
في عام 2013 تنبأ عزام علوش، المهندس العراقي وصاحب منظمة “الطبيعة العراق” المعنية بالشؤون البيئية وإنقاذ الأنهار، بأنّ نهر دجلة ستتحول إلى جدول صغير وأنّ ذلك سيكون سبب نزاعات بين الدول المجاورة بمجرد اكتمال مشروع سد اليسو. فعلا تحققت هذه النبوءة مؤخرا رغم أنّ سد إيليسو لا يعمل حتى الان بكامل قدرته. انتشر قبل عدة أيام في مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الإخبارية في العراق فيديو يظهر شاب عراقي يقطع نهر دجلة مشياً، متمكّنا من ذلك بسبب الانخفاض المهول للنهر مع استمرار موجة الجفاف في العراق وتفاقم تأثيرات التغيير المناخي بشكل تتابعي من تصحّر وموجات العواصف الترابية وانخفاض المحاصيل الزراعية نتيجة هذه التغييرات. هذا وقد عجزت الحكومة العراقية منذ تسع سنوات، أي منذ أوّل تصريح حقيقي من متخصص بيئي يحذر من عواقب وخيمة ما لم يتم التحرّك سريعاَ لدرء خطورة السدود التركية، من إنجاز أي شيء يذكر على هذا الصعيد. بل تجاهلت الموضوع ولم تأخذه على محمل الجدّ، معتمدة ربما على “رضوخ” العراقيين لانقطاعات المياه منذ عقود وللعواصف الترابية. لكن الأمر اليوم يقترب من الكارثة، والعراق من بين الدول الأولى التي سينعكس عليها التغيير المناخي في الكوكب.
ومع تأخر الرد الحكومي وتقصيره، يسعى المجتمع المدني بكل جهوده وطاقاته إلى حشد الرأي العام من أجل خلق حراك للضغط على الدول لإيقاف بناء السدود وإيجاد الحلول والبدائل. من أبرز تحرّكات المجتمع المعنية بهذ الشأن وأكثرها نشاطا، حملة إنقاذ نهر دجلة التي تنشط في هذا المجال منذ عام ٢٠١٢، وهي حملة دولية أطلقتها مجموعة من النشطاء الاجتماعيين والبيئيين الدوليين والمحليين لإنقاذ التراث الطبيعي والثقافي على نهر دجلة من آثار السدود وغيرها من المشاريع الضخمة المدمرة، وتنشط في دول مجاورة كسوريا و إيران وتركيا.
يقول “سلمان خير الله” المدير والتنفيذي لجمعية حماة دجلة/ المنسقة للحملة الدولية في العراق: إن الهدف الرئيس من انطلاق حملة “إنقاذ نهر دجلة” عام ٢٠١١ هو الضغط على عدم اكمال سد “اليسو”، وإدراج نهر دجلة و الأهوار إلى لائحة التراث العالمي، ما سيجنبنا بناء أي سدودا أو مشاريع مدمرة للبيئة الحيوية للنهر، ويضيف خير الله إلى موقع ارفع صوتك: الحملة بممثليها الدوليين والعراقيين مؤمنين بمناهضة بناء السدود العملاقة، كون هذه المصدات الكونكريتيه تشكل جلطة لمسارات المياه ذات أبعاد سلبية بيئية، اجتماعية واقتصادية.
ينشط اعضاء الحملة من الأكاديميين والخبراء والمهتمين بمجال البيئة والمياه في عدة محافظات عراقية ابتداء من الشمال وحتى الجنوب ومنطقة المصب، يناهضون بناء السدود والمشاريع التي تقام على مسار نهر دجلة والتي لا طائل منها سوى ضررها البيئي، كما تعتمد الحملة في نشر قضاياها وأهدافها ضمن الوقفات الاحتجاجية واستثمار منصات التواصل الاجتماعي، إلى جانب مساعي الحملة في نشر الوعي بين الشباب بين المواطنين، يسعى أفرادها إلى توجيه المقتوالسيول رحات والحلول العلمية والواقعية للوفد العراقي المفاوض لتركيا بخصوص السدود وأثرها السلبي على العراق. كما تقدّم الحملة المقترحات الانية للحكومة والبدائل عن بناء سدود عراقية، منها ما يسمى بحصاد المياه او (water harvesting) وهي تقنية تركز على تجميع مياه الأمطار من خلال حفر جفر مائية في المناطق القرب زراعية والمناطق الأخرى، تستعمل هذه التقنية في الهند ودول أخرى.
مع توقع حدوث زيادات في درجات الحرارة (والتي شُهدت فعلًا) في المنطقة بسبب تغير المناخ، فإن حجم المياه المفقودة بسبب التبخر من خزانات السدود آخذ في الازدياد أيضًا حيث تشير التقديرات إلى أن التبخر من خزانات العراق يقلل من إجمالي إمدادات المياه في البلاد بأكثر من 10٪ كل عام (معهد الطاقة العراقي، 2018).
وفقًا للدراسة الاستراتيجية للمياه والأراضي الرطبة في العراق المعروفة بـ (SWLRI)التي نشرت في عام ٢٠١٥ من قبل استشاريين متخصصين في الموارد المائية العراقية والدولية، إلى أن الطلب على المياه في العراق يتجاوز الموارد المائية المتاحة، وأن البلاد لا تحتاج إلى المزيد من السدود أو الخزانات الكبيرة. كما صرح الوزير الأسبق للموارد المائية حسن الجنابي بان سد مكحول مرفوض في الاستراتيجية المائية وانه ذو مضار كثيرة دون منافع”.
إنّ القوّة المائية لتركيا – Water Leverage – ليس شأنا بيئيا فحسب، بل قضية جيوسياسية إقليمية، وتدرك تركيا ذلك والعراق، جغرافيا وسياسيا، ليس في الموضع القوي وقد يضطر لتقديم تنازلات من أجل انقاذ أنهاره. قبل تسع سنوات كان الوضع الأمني في العراق آخذا في التدهور حتى انتهي ثلث البلد بيد تنظيم داعش الارهابي، وكانت ميزانية الدولة واهتمامها مصبوب على المؤسسة العسكرية حتى تمّ استرجاع المحافظات والمدن في اواخر سنة 2017. وفي هذه الفترة، تدهورت علاقة العراق بتركيا، والتي كانت متهمة من قبل العراق وسوريا وإيران بتيسير حركة أفراد داعش بين أوروبا وسوريا والعراق، إلى جانب الضربات الجوية المتعاقبة على قرى محافظة دهوك وناحية سنجار بداعي ملاحقة أفراد حزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه تركيا كتنظيم إرهابي. كل هذه الوقائع على الأرض تعقّد مهمة الوفد العراقي المفاوض بخصوص المياه والأنهار، وموقف العراق بشكل عام. وتختلف العلاقة بين العراق وتركيا اليوم، فرغم اعتراض العراق مؤخرا على الضربات الجوية لمناطق في إقليم كردستان، إلى أنّ القوات العسكرية العراقية البيشمركة الكردية تدعم المساعي التركية في سنجار، ويمكن تفسير هذا التغيير في الموقف إلى الضغط التركي بسبب موضوع الأنهار، واقتناع الحكومة العراقية بأن ابقاء العلاقة مع تركيا إيجابية هي الخطوة الأولى في نجاح مساعي المفاوضات والحصول على بعض التنازلات من أنقرة من أجل إستعادة شرايين الحياة في بغداد والأهوار.
قد لا يستطيع المجتمع المدني وضع الحلول الجيوسياسية أيضا، ولكنه يمكن أن يكون أداة للسياسات المائية السليمة اجتماعياً وبيئيا بين الدول المشتركة لحوض دجلة والفرات، هو التنسيق التعاوني على مستوى حوض النهرين والذي يضم منظمات المجتمع المدني المستقلة والمجتمعات المحلية والبلديات والباحثين والإدارات الإقليمية، الذين بدورهم ان يصلو بحلول لمشاركة المياه بطريقة لا تخل بالتوازن البيئي. لا نحتاج إلى المزيد من السدود والمزيد من مشاريع الري. يجب أن تكون الأهداف الاستراتيجية هي استعادة النظام البيئي للنهر والعودة إلى المحاصيل الأقل استخداما للمياه في الزراعة، فضلاً عن إزالة بعض السدود. يجب أن يقتصر إنتاج الطاقة الكهرومائية على مستوى منخفض. يجب تطوير حلول المياه بشكل رئيسي على المستوى المحلي وخاصة مستوى الحوض الفرعي، مع الأخذ بعين الاعتبار احتياجات الناس والنظام الإيكولوجي.