المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

حرب الانبار ، كارثة انسانية وضياع للحقيقة!

مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي

16 شباط 2014

يصعب تخيل ما حدث، مرة اخرى يُجرَ العراقيين الى حرب لا طائل منها، فتعلو شعارات الحرب والعسكر على منطق العقل والحكمة. كم تمنى العراقيين ان ينتهي عهد الحروب التي عانوا منها منذ اكثر من 34 عام، لكن الواقع يأبى الى ان يكرر  ماسي ألحروب، و الأسوأ  من ذلك ان تكون الحرب هذه المرة داخليه القاتل والمقتول فيها عراقي.

رغم تباين اراء العراقيين حول ما يجري في الانبار من عمليات عسكرية مستمرة لأكثر من شهرين، فان الجميع يتفق على ان الحقيقة في هذه الحرب هي الضحية الاولى. فلا معلومات دقيقة عن عدد القتلى سواء من القوات الامنية او المدنيين او المجاميع المسلحة، ولا عن حقيقة من يخوض  هذه الحرب ولماذا  او عن مجرى العمليات العسكرية او عن نهاية مرتقبة لها.

وتنقل مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا “الفيسبوك” بشكل يومي ردود افعال الجمهور العراقي على هذه الحرب، وتنشر الصحف الرقمية مقالات متعددة ترصد المعارك. وبحسب المعلومات المتداولة، فقد تجاوز ضحايا الحرب من القوات الحكومية  الألف، وحسب وكالة المدى برس فان الأوساط السياسية والإعلامية العراقية تتداول معلومات تفيد بوقوع نحو ٣٥٠ قتيلاً و ٦٠٠ مفقود، في صفوف قوات الجيش، فضلا نحو ٣٠٠ مدني، وعدد غير معروف من “الإرهابيين” ، فضلا عن  حدوث أضرار مادية “يصعب حصرها” بالمحافظة.

ويتنازل عدد المتحمسين لهذه الحرب مع ازدياد عمرها ، فمنذ بدء العمليات العسكرية في صحراء الانبار، بدئت معها دعاية حكومية واسعة حضت بتأييد شعبي، فالحديث وقتها كان يدور عن مجاميع عبرت الحدود واتخذت من الصحراء معسكرات لتدريب متطرفين على صلة بتنظيم القاعدة الارهابي. لكن ومع تحول العمليات العسكرية الى داخل المدن وخصوصا مدينة الرمادي والفلوجة ، بدئ الجمهور العراقي يبحث عن حقيقة ما يجري في ضل تكتم حكومي شديد وتضارب المعلومات. ويقوم صقور هذه الحرب في حكومة رئيس الوزارة العراقي نوري المالكي، بنقل صورة عن انتصارات متكررة وربما عن تحرير مناطق لأكثر من مرة وعن استخدام اسلحة متطورة وعن قرب ادخال وحدات جديدة،وعن دخول متطوعين جدد. لكن بعض العراقيون بدو غير مقتنعين والبعض منهم  يتندر على مثل هذه الاخبار مقارناً بينها و بين ما جرى في زمن النظام السابق الذي كان ينتقل من حرب الى اخرى ومن “انتصار” لأخر، والنتيجة خراب عام وتهديم للبنى التحتية للعراق.

قطعات عسكرية عراقية قرب مدينة الفلوجة 2014
قطعات عسكرية عراقية قرب مدينة الفلوجة 2014

ووفقا لعضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، شوان محمد طه، في حديث له نقلته صحيفة المدى، فإن “أسباب خوض المعركة في الأنبار غامضة ونهايتها ستكون غامضة أيضاً”. فهناك “تعتيماً إعلامياً مقصوداً بشأن ما يجري من معارك في الأنبار،فمنذ بداية الأزمة “لم نرِ إلا الصور التي يتداولها الإعلام الحكومي الذي هو جزءاً من الأزمة الحاصلة” ويؤكد طه بأن “لجنة الأمن والدفاع والبرلمانية، تجهل عدد ضحايا القوات العسكرية والمواطنين الأبرياء والإرهابين، مؤكداً أن “المعلومة الدقيقة متوافرة فقط لدى القيادات العسكرية التي تتكتم عليها”.

البعض يُرجع مشكلة تضارب الاخبار وطول العمليات العسكرية وتحولها الى حرب طويلة ، لعدم مهنية متخذي القرار من السياسيين وعدم خبرتهم في ادارة الحرب، فنشر المدون “نبراس الكاظمي” على صفحته بان هنالك اكثر من 48 فوجاً عسكريا مختلفاً بالإضافة للشرطة الاتحادية، يشتركون في المعارك، و “بان الضباط يتهمون السياسيين بالتفريط بقوى مكافحة الارهاب، ذات التدريب والتجهيز العالي والمكلف لخوض عمليات خاصة من نوع محدد” عن طريق استخدامها واستنزافها كقوى مشاة. وكذلك “ينتقدون الاسراف باستخدام الفرقة التاسعة المدرعة ( وهي التي يعتبرها الضباط بمثابة الاحتياط الاستراتيجي للعراق) في قتال الفر والكر المغاير تماما لتدريب الفرقة ولقواعد الاشتباك التي تتبعها.”

مزيد من القطعات العسكرية تتوجه للقتال في الانبار
مزيد من القطعات العسكرية تتوجه للقتال في الانبار

وينشر نفس الكاتب عن وجهة نظر معارضة يحمّل من خلالها السياسيون هذه المرة ضباط الجيش المسؤولية عن ما يجري ، فيكتب: “يتذمر السياسيين من تردد الضباط وعدم التزامهم بأوامر القائد العام، ويتهمونهم بالتقصير والتخاذل. ويقولون بأن عمليات الانبار كشفت فساد كبار الضباط، مما انعكس على مؤونة وتجهيزات وذخيرة الجنود، والامور اللوجستية الاخرى” كما ذكر بان “هؤلاء السياسيين يعتبرون الفرقة العسكرية السابعة، وهي فرقة القائد الشهيد محمد الكروي، في حالة عصيان ضمني، لأنها ترفض ان تغادر ثكناتها او الامتثال للأوامر” كما كت عن وجود ” انتقاد من قبل مكتب القائد العام (رئيس الوزارء العراقي) للفرقة الذهبية (مكافحة الارهاب)، لما يصفوه بطيش قائدها، والذي كان قد وعدهم بإتمام المهمة عند انطلاقها في غضون ايام، ولكن الآن فإن خُمس تعداد الفرقة قد فقد ما بين قتيل او جريح”

من جهة اخرى يكتب البعض عن تداخل بين دور العشائر والمجاميع المسلحة التي تحارب مع او ضد الحكومة ، فيتفق الاغلب منهم على ان الحرب هذه يشترك فيها اكثر من فصيل معارض، من بينهم مسلحين عشائر مع تغلغل لمجاميع القاعدة و “تفريخاتها” الخطيرة مثل تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام “داعش” . وتنشر بعض المواقع افلام وصور عن ما يطلق عليه المحاربون انتصارات او تحرير،ففي احد الافلام  يتم تصوير عملية استهداف مركز شرطة والسيطرة عليه ، وفي اخر عملية ضرب رتل من الجيش العراقي ، وتصور هذه العمليات وكأنها انتصار حاسم، او عملية “تحرير” ويتندر احد المعلقين على الصور قائلاً “كأنها تتحدث عن معركة تحرير القدس!” كما تصور هذه المواد المنشورة ، ضحاياها على انهم عملاء ايران او انهم حرس ثوري ايراني!  من جانب اخر يصور قادة وصقور هذه الحرب بان كل من يقاتل ضد الجيش هم ثلة من الاجانب  والارهابيين ، مما يشرعن استهداف المدن والمساكن بقصف جوي ومدفعي.

مسلحون في محافظة الانبار
مسلحون في محافظة الانبار

وبالرغم من ان النفوذ الاقليمي الايراني او السعودي  السياسي خاصة ، واضح في عراق اليوم، لكن الادعاءات بان من يقاتل او من يقتل بأنهم ليسو عراقيين ، لا صلة له بالواقع ، لكنه جزء من دعاية متبادلة خطيرة تمهد لقتل عناصر الجيش والشرطة العراقيين من جهة وكل من قف ضدها من جهة اخرى. والمنطق يقول بإمكانية وجود اجانب من خارج العراق يشتركون في هذه الحرب، لكنهم لا يمثلوا الا جزء قليل جدا من وقودها.

 ويقوم البعض من رجال الدين والسياسة والعشائر بصب الزيت على النار ، محولين الحرب الى صراع طائفي (سني، شيعي) يخدم استمرار نفوذهم في المجتمع وربما كدعاية للانتخابات القادمة.  فتتحول لديهم مطالب العراقيين المشروعة في الاصلاح السياسي الى “مظالم ومطالب لأهل السنة” وتتحول الحكومة العراقية وقواتها الامنية مع محافظات كاملة الى عملاء و حرس ثوري ايراني! في المقابل توصف محافظات ومدن عراقية اخرى وبأكملها بأنها “حواضن للارهاب” ومركزاً للقاعدة والمخابرات السعودية! ويهاجم كلا هؤلاء الموتورين أي خطاب يدعو للحكمة والتعقل، ويصفوا متبنيه  بأنه اما عميل لإيران او للسعودية.

kartoon6

ويتهم المدنيين المحاصرين جانبي الصراع من جيش او مجاميع مسلحة بتحويل مدنهم الى جحيم لا يطاق، ففي اكثر من مرة تقطع الاتصالات وتستهدف المساكن ومراكز المعونات دون اي تمييز. وتتكرر صور القصف العشوائي و تتكرر معها الفظاعات التي ترتكبها المجاميع المسلحة مع المدنيين او اسرى الحرب العزل من الجيش او من العشائر ، فيقتلون وتمثل بجثثهم وتترك في العراء، في سلوك غير انساني وغير اخلاقي تتباهى به بعض المجاميع المسلحة مثل “داعش” كوسيلة لإرهاب أي معارض لها.

ويؤكد غالب العراقيين  بان الامن في العراق غير متوفر ، وان الحرب لم تفلح حتى في دعايتها بأنها تحاصر المسلحين وتحمي المدنيين منهم ، فما يوصف بانه حصار محكم للمسلحين لم يمنع  تنفيذ عمليات اجرامية متعددة وواسعة تستهدف المدنيين في بغداد او المدن العراقية الاخرى في جولة من العنف العبثي الذي يحصد ارواح ودماء المدنيين ويهدد مدن عراقية اخرى.

بالرغم من ازدياد العنف ، فان الأمر لا يخلو من صور إيجابية، فتتناقل نفس المواقع اخبار عن مواطنين عاديين سواء في جنوب او شمال العراق، يقومون باستقبال النازحين من مناطق المعارك ومد يد العون لهم وتامين مساكن وقتية للهاربين من جحيم الحرب الجديدة. وتنتهي اغلب هذه التعليقات مع أمل بان تنهي هذه الحرب بحوار تنتج عنه حلول سياسية وأمنية تشرك الموطن وتعزز من ثقته بالقوى الامنية العراقية. فمما لاشك فيه ان من يدفع ثمن هذه الحرب هم العراقيين بشكل عام وعشرات الالوف من النازحين والمدنيين بشكل خاص.