من يقف وراء محاولات فرض الشريعة على المجتمع العراقي؟
الكاتب: علي معموري
الخبر منقول عن المونيتر
مرّ أكثر من قرن وما زالت الأصوات التي تطالب بفرض الشريعة الإسلاميّة في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، تتصاعد. وكان الإسلامويّون طوال القرن المنصرم يسوّقون بضاعتهم من خلال ترغيب مجتمعاتهم بيوطوبيا دينيّة توفّر جنّة أرضيّة لأتباعها قبل الانتقال إلى جنّة السماء، صارخين بأعلى صوتهم بأن “الشريعة هي الحلّ”.
لم يكن إقبال المجتمعات على الإسلام السياسي المنادي بفرض الشريعة غريباً في ظلّ أجواء الاستبداد والانهيار الاقتصادي والتفتّت الاجتماعي التي شهدتها معظم دول المنطقة في تاريخها المعاصر. لكن الغريب هو أن بعد فشل مشاريع الإسلام السياسي في تجارب مختلفة لحكمه من شمال إفريقيا إلى أفغانستان، ما زالت شعارات هذا التيار ساخنة وجذابة لفئات من المجتمع!
وفي آخر تطورات الدعوة إلى فرض الشريعة على المجتمع العراقي، أعلن وزير العدل حسن الشمري أنه أعدّ مشروع قانون للأحوال الشخصيّة على أساس أحكام الشريعة وقد قدّمه إلى مجلس الوزراء للتصويت عليه ومن ثم إرساله إلى مجلس النواب للتصويت النهائي.
وقد أظهر طرح مشروع قانون الأحوال الشخصيّة المذكور وجود ميول قويّة نحو فرض أحكام الشريعة وأسلمة المجتمع من قبل الأحزاب الدينيّة. وقد صرّح الشمري أن المعترضين على القانون المذكور هم “ضدّ الأطروحة الإسلاميّة” ما يُظهر بأن المشروع هو بادئة لتطبيق أحكام الشريعة في العراق. وهذا يعني أن مدن العراق ستشهد تطبيق أحكام الرجم وقطع أعضاء الجسد وغيرها من العقوبات المخالفة لحقوق الإنسان، في حال تحقّق حلم الوزير بتطبيق الشريعة الإسلاميّة بأكملها.
وقد رحّبت أحزاب دينيّة منها حزب الفضيلة الذي ينتمي إليه الشمري، بالمشروع واعتبرته إنجازاً. وكان الشمري قد أعلن[A3] أن المشروع جاء بطلب من علماء الدين ورؤساء العشائر العراقيّة، بل إنه تمّ بالتشاور مع المراجع الدينيّة.
ويأتي هذا في حين أن المرجع الشيعي السيد حسين الصدر قد أفتى عقب الإعلان عن المشروع بأنه من الأفضل أن تكتفي الدولة بتشريع قوانين مدنيّة عامة تتوافق والمواثيق الدوليّة، وتدع المسائل الشرعيّة لأهلها بحيث يُتاح لكلّ واحد من المؤمنين الرجوع إلى من يقلّده في أعماله الشرعيّة.
وللاطلاع على رأي مراجع النجف الذين يمثّلون أكبر مرجعيّة دينيّة لشيعة العراق، كان لـ”المونيتور” حديث مع أحد الفقهاء المقرّبين من المراجع الذي قال “كنا نبغي أن يتحوّل العراق إلى دولة مدنيّة متحضّرة وكنا نتوقّع أن يُلغى الإعلان عن الديانة عن بطاقات الأحوال المدنيّة، لتتحوّل الديانة إلى سلوك شخصي حرّ يلتزم به الأشخاص عن إرادة قلبيّة وليس عبر الإلزام القانوني. لكن يبدو أن الأحزاب الدينيّة تسير بنا نحو الغرق أكثر في الطائفيّة والثقافة العشائريّة”. إلى ذلك لم يصدر إلى حدّ الآن أي طلب من قبل المتحدّثين الرسميّين باسم مراجع النجف الكبار حول هذا الموضوع، بل تركّزت مطالباتهم على توفير الخدمات والأمن والمصالحة الوطنيّة. وقد صرّح المتحدّثون باسم السيّد علي السيستاني كبير مراجع النجف مراراً، بأن المرجعيّة تريد دولة مدنيّة للعراق وليس دولة دينيّة.
ومن جهة أخرى ظهرت انتقادات واسعة لهذا المشروع، وقد اعتبره المنتقدون محاولة لاستغلال الجوّ الطائفي الساخن وللتغطية على الفشل الذريع لتلك الأحزاب بهدف كسب بعض الأصوات الانتخابيّة، بخاصة أن وزير العدل يواجه انتقادات لاذعة تطالبه بالاستقالة بعد حادثة هروب المئات من الإرهابيّين من بعض سجون العراق.
وقد أطلِقت حملة واسعة من قبل التيار المدني في العراق ضدّ هذا المشروع بسبب تضمّنه مخالفات واسعة لحقوق الإنسان، بخاصة الأطفال والمرأة. فقد نشر الناشط العراقي في مجال حقوق الإنسان والديمقراطيّة مصطفى الكاظمي على صفحته على موقع “فيسبوك” أن هذا القانون التعسّفي والظالم يتضمّن “اضطهاداً واضحاً ضدّ من لا يملكون من أمرهم شيئاً. فمن باب المثال منح الإجازة القانونيّة للآباء بتزويج أطفالهم ما دون التاسعة للبنات وما دون الخامسة عشر للأولاد، هذه جريمة بالنسبة للأطفال واستغلال للطفولة. أو جعل النفقة مقابل المتعة الجنسيّة، هي إهانة واضحة للمرأة وهدر لكرامتها”.
وفي ما يتعلّق بالصراع الطائفي، ستؤدّي محاولات تطبيق الشريعة في العراق إلى انقسام أكبر بين فئات المجتمع، إذ ثمّة اختلافات في الآراء الدينيّة بحسب المذاهب الإسلاميّة المختلفة، بل اختلافات في الآراء بين علماء الدين في داخل المذهب الواحد. وعليه، ظهرت مطالبات في المناطق السنيّة بالانفصال من المناطق الشيعيّة التي تتّجه نحو الإعلان عن دولة شيعيّة والدعوة إلى تأسيس دولة سنيّة في مناطقهم.
وأخيراً، يبدو أن شعار تطبيق الشريعة قد تحوّل من مجرّد الدعوة إلى حياة اجتماعيّة أفضل إلى عامل اجتماعي معقّد ومرتبط بصراعات الهويّة في الشرق الأوسط عموماً وفي العراق خصوصاً، ما جعل التمسّك به منهجاً للأحزاب الدينيّة بهدف الحفاظ على مكتسباتها السياسيّة وبقائها في السلطة أو مشاركتها فيها.