لا إرادة سياسيّة لاحترام حقوق الإنسان.. في العراق
بقلم علي معموري
في العراق وزارة خاصة بحقوق الإنسان ولجنة برلمانيّة تختصّ أيضاً بحقوق الإنسان، كذلك ثمّة عشرات من اللجان والمراكز والمؤسسات الحكوميّة وغير الحكوميّة التي تدرس وتتابع وضع تلك الحقوق والانتهاكات التي تلحق بها في العراق. لكن النتائج العمليّة تكاد تكون معدومة، إذ يسجّل العراق مرتبة عالية جداً في انتهاك حقوق الإنسان في المجالات المختلفة، من حالات التعذيب في السجون وخنق حريّة التعبير والتضييق على الصحافيّين وغير ذلك.
وقد سجّلت منظّمة “هيومن رايتس ووتش” حالات عديدة من التعذيب والاعتقالات العشوائيّة وانتهاكات مختلفة لحقوق الإنسان في العراق، في تقريرها لعام 2013. كذلك وصفت الحالة العامة لحقوق الإنسان في العراق بالضعيفة والسيئة. وقد خصّت بالذكر المعتقلين والصحافيّين والناشطين والنساء، بوصفهم الأكثر تضرراً من جرّاء الانتهاكات التي تلحق بحقوق الإنسان في العراق. وقد اتهمت المنظّمة وزير العدل العراقي وجهات حكوميّة أخرى بعدم تقديم معلومات كافية عن وضع السجون والمعتقلات والأماكن الأخرى المرتبطة بانتهاك حقوق الإنسان.
وفي آخر تقرير للمنظّمة صدر بتاريخ الخامس من شباط/فبراير الجاري، تمّ الكشف عن حالات عديدة من الإساءة إلى نساء من كلتا الطائفتَين السنيّة والشيعيّة في أثناء الاحتجاز. وقد كشف التقرير عن وجود آلاف من النساء العراقيات في مراكز احتجاز غير قانونيّة، وقد تعرّضت كثيرات منهنّ للتعذيب بما فيه الانتهاك الجنسي. كذلك أشار التقرير إلى انتشار الفساد وعدم النزاهة في القضاء العراقي، إذ ثبتت حالات عديدة من الاعترافات المنتزعة بالإكراه ومن دون الأخذ بالإجراءات اللازمة وفقاً للمعايير الدوليّة.
ومن المثير للاستغراب أن الأحزاب الحاكمة اليوم في العراق حين كانت في موقع المعارضة في عهد النظام السابق، كانت تستند بشكل مستمرّ الى تقارير منظّمة “هيومن رايتس ووتش” لإثبات جرائم ذلك النظام. لكنها اليوم وبعدما استلمت السلطة، لم تعد تعر اهتماماً لتقارير هذه المنظّمة العالميّة وتعتبرها مضلّلة وغير محايدة وغير موضوعيّة ومسيّسة من قبل الجهات المعارضة للحكومة العراقيّة.
وفي آخر المستجدات ذات الصلة، صدرت مذكرتَي قبض من قبل محكمة النشر والإعلام بحقّ القاضي منير حداد الذي صادق على حكم إعدام الرئيس العراقي السابق صدّام حسين، وكذلك بحقّ الإعلامي سرمد الطائي المعروف بانتقاده لأداء الحكومة في ملفاتها السياسيّة والاقتصاديّة والخدميّة المختلفة. وجاءت مذكرتَي القبض بتهمة “القذف والتشهير” ضدّ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. وهذه سابقة تسجّل منذ العام 2003، إذ استند القاضي الى قوانين مشرّعة في عهد النظام السابق لم يتمّ تغييرها لحدّ الآن. وقد دافع المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء علي الموسوي عن إصدار هاتَين المذكرتَين، قائلاً “إن رئيس الوزراء هو مواطن عراقي كحال أي شخص يدافع عن نفسه بالطرق القانونيّة والقضائيّة… وهذا أمر من شأنه أن يعزّز دور القانون والقضاء. فالكلّ خاضع لهما”.
وفي نموذج آخر يدلّ على عدم وجود إرادة سياسيّة جادة لاحترام حقوق الإنسان في العراق، فقد تأخّر تشكيل “المفوضيّة العليا لحقوق الإنسان” في العراق سنوات عدّة. وكان القانون 53 لعام 2008 قد نصّ على تشكيل هذه المفوضيّة التي لا تخضع لرقابة الحكومة وسلطتها. لكن هذا الأمر تأخّر إلى العام 2012. وقد تشكّلت أخيراً في ظروف صعبة وغير مرحّب بها.
وأوضح الدكتور قولو سنجاري وهو أحد أعضاء المفوضيّة لـ”المونيتور” أن المفوضيّة أعدّت أول تقرير لها حول وضع حقوق الإنسان في العراق، وسيقدّم قريباً إلى مجلس النواب. وشرح أن التقرير يتضمّن أربعة أبواب رئيسيّة و12 ملفاً تشمل كل حالات انتهاك حقوق الإنسان في العراق من قبل الجهات الحكوميّة وغيرها. أضاف أن التقرير يخصّص مساحة أكبر للفئات الأكثر تضرراً والأشدّ حاجة إلى الرعاية، وهي: المعتقلين والنساء والأطفال والأقليات. كذلك يتضمّن توثيقاً لحالات انتهاك حقوق الإنسان في ملف الإعدامات التي تنفّذها الحكومة.
وعن المشاكل التي واجهتها المفوضيّة في إعداد تقريرها الأول، قال سنجاري إن المؤسسات الحكوميّة لم تكن متعاونة، بل كانت تعرقل أداء مندوبي المفوضيّة ومهامهم. ومثالاً على ذلك، أشار إلى حقّ المفوضيّة قانونياً في زيارة السجون والمعتقلات وكل أماكن الاحتجاز الأخرى من دون أي إنذار مسبق ومن دون حاجة إلى الحصول على أي شكل من الموافقات الحكوميّة. لكن وزير العدل العراقي حسن الشمري رفض ذلك وطلب من المفوّضين تقديم طلبهم لزيارة أي مكان والانتظار للحصول على موافقة من قبل الوزارة.
وحول وجود أي نوع من الاستهداف لطائفة معيّنة في حالات انتهاك حقوق الإنسان، قال سنجاري إن المفوضيّة لم تسجّل ذلك، بل إن الحالات شملت أفراداً من مختلف الطوائف والقوميات في العراق.
وكتقييم نهائي لوضع حقوق الإنسان في العراق، قال سنجاري بأن النتائج محزنة جداً، مشيراً إلى وجود خلل كبير في المجالَين التشريعي والتنفيذي. وتحدّث عن نقص كبير في التشريعات المتعلقة باحترام حقوق الإنسان، في حين تتوفّر قوانين كثيرة تشرّع انتهاك حقوق الإنسان. وهذه قوانين متبقية من عهد النظام السابق وما زالت سارية المفعول. ولفت إلى أن لا أحد يبالي بإصلاح القوانين أو بالعمل على تشريعات جديدة، كذلك ما من ضمانات لتطبيق التشريعات من قبل الجهات الرسميّة المتكفلة بالموضوع.
وأخيراً يبقى أنه وعلى الرغم من تعدّد المراكز المختصّة بمراقبة حقوق الإنسان في العراق، لا نجد ما يضمن احترام تلك حقوق وصونها على أرض الواقع. وذلك بسبب غياب قرار حاسم وإرادة جديّة من قبل الإدارة السياسيّة والشركاء السياسيّين في الحكم، بالإضافة إلى عدم اهتمام القوى العظمى بالضغط على الحكومة العراقيّة لتحسين أدائها في هذا المجال.