المعارضة السياسية ضحية للاجتثاث الحكومي
لم تكن مصادفة أن يُحرم عدد من النواب الحاليين من المشاركة في الانتخابات المقبلة قبل ستة أسابيع من موعد الانتخابات، خصوصاً وأن هؤلاء النواب يشتركون بانتقادهم سياسة رئيس الحكومة نوري المالكي ويكشفون ملفات فساد الوزارات.
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهي الجهاز التنفيذي المسؤول عن إجراء الانتخابات في العراق منع عدد من النواب من المشاركة في الانتخابات بشكل نهائي وهم صباح الساعدي وهو شيعي مستقل وجواد الشهيلي من التيار الصدري وعبد ذياب العجيلي وحيدر الملا ووزير المالية رافع العيساوي وجميعهم من كتلة متحدون والنائب السابق مثال الالوسي.
ومن المقرر إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة في العراق في 30 من نيسان (أبريل) بمشاركة 39 ائتلافا سياسياً كبيراً من السنة والشيعة والأكراد فضلاً عن 244 كيان سياسي من جميع أنحاء البلاد، فيما يبلغ عدد المرشحين نحو 9000 مرشح.
ويقول القضاء العراقي إن هؤلاء النواب خرقوا مادة في قانون الانتخابات تتعلق بحسن سيرتهم كشرط للترشيح ولذلك تم حرمانهم من الترشيح في الانتخابات النيابية.
وتنص المادة الثامنة من قانون انتخابات البرلمان الذي أقره البرلمان في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي على وجوب أن يتمتع المرشح بشروط أهمها أن لا يقل عمره عن ثلاثين عاماً، وأن لا يكون عضو سابق في حزب البعث وأن يكون حسن السيرة والسلوك وغير محكوم بجريمة مخلة بالشرف وشروط أخرى.
السياسيون المحرمون من الترشيح للانتخابات المقبلة طُبقّت بحقهم الفقرة الثالثة من القانون وهي أن “يكون المرشح حسن السيرة والسلوك” لكن العديد من خبراء القانون والدستور يؤكدون إن هذه المادة غير واضحة وتقبل أكثر من تفسير ويمكن توجيه أي تهمة بسببها.
يقول القاضي رحيم العكيلي الرئيس السابق لهيئة النزاهة لـ “نقاش” إن “هذه الفقرة القانونية عامة، ويمكن تفسيرها وفق الأهواء الشخصية، حيث فسرت المفوضية هذه الفقرة بشكل تعسفي ضد نواب معروفين بأنهم يعارضون سياسات الحكومة”.
مفوضية الانتخابات أعتبرت تصريحات وانتقادات هؤلاء النواب والسياسيين من خلال وسائل الإعلام لرئيس الحكومة نوري المالكي ووزراء حزبه ونواب كتلته البرلمانية تتعارض مع شرط حسن السيرة والسلوك.
فمثلا كانت انتقادات النائب جواد الشهيلي ضد وكيل وزارة الصحة عادل حسن وهوعضو في حزب الدعوة لسوء إدارته، سبباً في حرمان الشهيلي من الترشيح، أما النائب حيدر الملا فإن انتقاده لوزير التعليم العالي علي الأديب أحد أبرز قيادات حزب الدعوة هو الذي منعه من الترشيح، أما النائب السابق مثال الالوسي فتم حرمانه من الانتخابات لأنه انتقد خلال برنامج تلفزيوني سياسات المالكي.
يقول الالوسي لـ “نقاش” إنها “خطة مدروسة لإسكات أصوات المعارضين للمالكي لإفشال الديمقراطية في العراق”، حيث أصبح السياسي الذي يكشف الفساد في الحكومة سيئ السمعة”.
وأضاف “سنلجأ إلى المحكمة الاتحادية العليا لإنصافنا ونتمنى أن لا تخضع هي الأخرى لضغوط سياسية”.
وكان من المقرر أن يشارك الآلوسي في الانتخابات ضمن “التحالف المدني الديمقراطي” وهو تحالف يضم العديد من الأحزاب العلمانية والليبرالية التي تؤمن بضرورة فصل الدين عن الدولة، وتدعم المجتمع المدني.
ويؤكد عدد من النواب إن حرمان المرشحين من المشاركة في الانتخابات لن يقتصر على هؤلاء السياسيين والنواب، بل سيشمل مرشحين آخرين يبلغ عددهم بالعشرات لأنهم معروفين بانتقادهم للحكومة.
الفقرة القانونية المتعلقة بالسلوك يتم تطبيقها على خصوم رئيس الحكومة المالكي فحسب ولا يتم تطبيقها على أعضاء كتلة “دولة القانون” التي يتزعمها المالكي، فمثلا قررت المفوضية قبل أيام منع النائبين سامي العسكري وعمار الشبلي وهما أعضاء في حزب الدعوة، والنائب عالية نصيف الداعمة للمالكي من المشاركة في الانتخابات لكنها ألغت القرار بعد أيام قليلة.
وقال النائب جواد الشهيلي في مؤتمر صحافي عقده الأثنين الماضي داخل مبنى البرلمان إن “هناك 48 نائبا مهددين بالمنع من المشاركة لكن بينهم 15 نائبا عن دولة القانون لن يتم استبعادهم بسبب تسييس القضاء لصالح الحكومة”.
الطريقة الجديدة لإبعاد الخصوم تمت من خلال “محكمة النشر” الخاصة بمراقبة وسائل الإعلام ودراسة الدعاوى القضائية التي تُرفع ضد وسائل الإعلام، والدعاوى التي ترفع ضد الأشخاص الذين تعتبر تصريحاتهم لوسائل الإعلام مسيئة لهم.
ويقول القاضي رحيم العكيلي لـ “نقاش” إن “محكمة النشر والإعلام أصبحت أداة لتكميم الأفواه وإسكات الانتقادات ضد السلطات وأداة لانتهاك الدستور وحرية التعبير والإعلام والصحافة”.
المادة القانونية التي تم خلالها استبعاد النواب لم تكن موجودة في قانون الانتخابات السابق، في الانتخابات البرلمانية الماضية التي جرت في 2010، وكانت شروط الترشيح تتضمن فقط عدم انتماء المرشح لحزب البعث، وعدم اتهامه بقضية جنائية، ولكن فقرة “حسن السيرة والسلوك” أضيفت لاحقاً وتم استغلالها لاستبعاد الخصوم.
يقول الخبير القانوني والقاضي منير حداد لـ “نقاش” “كان على النواب أن يكونوا حذرين عندما صوتوا على هذه المادة ضمن قانون الانتخابات، لأنها مادة غير واضحة”.
المشكلة الأكبر إن هذه المادة ستجعل النواب في البرلمان المقبل خائفين من انتقاد الحكومة، حتى إن العديد من النواب الحاليين المعروفين بانتقاد الحكومة، بدأوا يمتنعون من التصريحات الإعلامية خوفاً من استبعادهم من الانتخابات المقبلة.
ويشكو العديد من مراسلي الصحف والقنوات الإعلامية المتواجدين في البرلمان من صعوبة الحصول على التصريحات من النواب إزاء القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية المهمة في البلاد.
إضافة إلى هؤلاء النواب الذي حرموا من المشاركة في الانتخابات فإن هناك نحو 500 مرشح للانتخابات تم حرمانهم أيضا بتهمة الانتماء إلى حزب البعث السابق، إذ ما زالت الأحزاب الشيعية ترفض إلغاء القانون الذي يمنع أعضاء حزب البعث السابق قبل 2003 من الحصول على مناصب سياسية.
ويواجه “ائتلاف دولة القانون” بزعامة رئيس الحكومة نوري المالكي اتهامات مباشرة بالتدخل في عمل القضاء، وممارسة أساليب سياسية غير شرعية للفوز في الانتخابات المقبلة.
فالمفوضية قررت استبعاد العديد من النواب المعارضين للحكومة، والسماح للمرشح مشعان الجبوري المتهم بقضايا فساد والذي كان يشتم المالكي قبل سنوات ويؤيد تنظيم القاعدة وهذا القرار أثار المخاوف من القضاء العراقي سيما وإن مشعان الجبوري أعلن منذ شهور تأييده للمالكي.
يقول الصحفي والكاتب سرمد الطائي في مقال نُشر في صحيفة “المدى” المحلية إن “سبب قيام المالكي بإبعاد خصومه من الانتخابات لأنه يعرف جيدا إن وضعه صعب في الحصول على ولاية ثالثة وهو يسعى لفعل أي شي للبقاء في منصبة”.