ثرثرة فوق خور عبد الله
كاظم فنجان الحمامي
نحن هنا في العراق لدينا قدرات مذهلة على تجاهل المخاطر المحدقة بنا, فنتغاضى عنها, ونرميها في سلة المهملات مهما بلغت شدتها وقسوتها ومرارتها, وعندنا استعداد تام لنسيان كبواتنا وعثراتنا ومصائبنا وويلاتنا, من دون أن يعني ذلك أننا تصدينا لها, أو استفدنا من دروسها المستنبطة, أو حققنا خطوة واحدة نحو الأمام لترميم ما حل بنا من خراب ودمار, ومن دون أن يعني ذلك أننا عالجنا الأوضاع البائسة التي مررنا بها.
بالأمس القريب تجاهل مجلس النواب صيحاتنا المعترضة على اتفاقية خور عبد الله, وذهبت احتجاجاتنا في مهب الريح, ثم طوى البرلمان صفحة خور عبد الله, وانشغل بغيرها, ولم يتطرق لتداعياتها المستقبلية.
بيد أن المثير للدهشة أن اللجان الفنية (التخصصية) باشرت بوضع اللمسات المقترحة لتفعيل بنود الاتفاقية, قبل تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية, وقبل اكتمال بناء ميناء (مبارك), والأنكى من ذلك كله أن المرشدين البحريين العراقيين, الذين شهد لهم العالم, وعُرفوا على رؤوس الأشهاد بخبراتهم الملاحية الميدانية الكبيرة, لا مكان لهم البتة في تلك اللجان.
والغريب بالأمر أن مجلس شورى الدولة أفتى عام 2009 بعدم إجراء أي اتفاقية حدودية بذريعة عدم توفر المفاوض العراقي الكفء في المرحلة الراهنة, وأشار في فتواه إلى أن الإرباك الملازم للأوضاع السياسية العراقية يحول دون التورط في الاتفاقيات الحدودية الثنائية, وأوصى بوجوب التريث, وعدم التسرع في إبرام الاتفاقيات الحدودية المريبة, لكن خيول البرلمان جمحت في الاتجاه المعاكس, ولم تلتفت لفتوى مجلس الشورى, في حين لم يلتفت المجلس نفسه إلى الأعداد الهائلة من الخبراء البحريين, الذين تفخر بهم البصرة.
أما كلمة (مُذلة) التي وصف بها النائب الدكتور جواد البزوني اتفاقية خور عبد الله, والتي صوَّت عليها أعضاء البرلمان بالإجماع, وطالبوا بإبقائها وتوثيقها في محضر الجلسة, لم تكن تكفي لردعهم عن المصادقة على بنود الاتفاقية, التي وصفوها هم أنفسهم, وبمحض إرادتهم, بكلمة (مُذلة).
المضحك المبكي في هذه المفارقات العجيبة, هو أن بعض مدراء الصدفة الذين لا علاقة لهم بالبحر, ولا يجيدون السباحة في النهر, صاروا هم الذين يتهكمون علينا, ويستخفون بنا, واهمين أنهم هم الأفهم والأعلم في هذا المضمار, وزاعمين أن اعتراضنا لم يكن له ما يبرره, ولا علم لنا بخصائص الملاحة في الخور, على الرغم من سبرنا لأغواره, وعلى الرغم من السنوات الطويلة التي أفنيناها في حفره وتعميقه وتأثيثه بالفنارات الملاحية.
لقد وجهنا إليهم الدعوات للتحاور معنا, وناشدناهم عشرات المرات للظهور في مناظرة تلفزيونية من أجل الوقوف على الحقيقة, وطلبنا منهم التحدث في ندوة عامة لتعريف الناس بالنواحي (الايجابية) للاتفاقية التي صفقوا لها, فأعلنوا موافقتهم الكلامية, لكنهم لم يلبوا دعوتنا حتى الآن, ثم أبدوا رفضهم المطلق للتحدث عن هذا الموضوع جملة وتفصيلا.