هجوم على التيار العلماني في العراق.. قبيل الانتخابات!
علی معموري – المونيتور
أصدر السيّد كاظم الحائري وهو أحد رجال الدين المقرّبين من حزب الدعوة والنظام الإيراني، فتوى تحرّم انتخاب العلمانيّين في الانتخابات العراقيّة المقرّر إجراؤها في 30آذار/مارس المنصرم. وانتشرت لافتات ضخمة بأعداد كبيرة في بعض مناطق بغداد، تحمل صور المرجع مع توقيع مكتبه وقد كتب عليها بخط غليظ: “يحرّم انتخاب العلماني…”. وكانت هذه اللافتات قد ظهرت في الأيام الأخيرة من شهر آذار/مارس المنصرم، وهي ما زالت مرفوعة في بعض مناطق بغداد.
ويتزامن ذلك مع هجوم إعلامي على التيار العلماني من قبل بعض الأحزاب الإسلاميّة في السلطة، إذ يعمد الإعلام الرسمي لتلك الأحزاب إلى تخويف الشارع بشكل مستمر قائلاً إن العلمانيّين لديهم أجندات خطرة وهم مرتبطون بأطراف أجنبيّة أو كانوا على ارتباط بالنظام السابق. والمثال الأبرز على ذلك، هو ما حدث مؤخراً للناشطة المدنيّة الشهيرة هناء إدوارد المعروفة بـ”تيريزا العراق ” بسبب خدماتها الإنسانيّة الكبيرة في العراق. فقد اتهمها موقع “المسلة” المقرّب من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بأنها ترفع العلم العراقي القديم الذي كان يُعتمد في عهد الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين، وزعم أنها متورّطة بملفات فساد من دون تقديم أي وثائق أو مستندات تثبت ذلك. كذلك وصف موقفها الذي انتقدت فيه المالكي على خلفيّة انتهاكات لحقوق الإنسان ترتكبها الحكومة العراقيّة في مؤتمر حضره رئيس الوزراء العراقي في العام 2012، بـ”الاستعراضي والمسرحي” لما فيه من “مبالغة في السلوك وتضخيم للذات”.
وفي مثال آخر، تعرض مثال الآلوسي لتشويه إعلامي من قبل مواقع مدعومة من قبل دولة القانون على أساس أنه مرتبط بالمخابرات الصهيونية والغربية. وقد فقد الآلوسي سابقاً اولاده الإثنين وطرد من البرلمان من قبل الاحزاب الدينية المتشددة بسبب مواقفه العلمانية ومشاركته في مؤتمر لمكافحة الإرهاب في اسرائيل.
كذلك، ظهرت تهديدات عديدة استهدفت شخصيات بارزة من التيار المدني في الآونة الأخيرة، من قبل جماعات متشدّدة. ومن أبرز مَن تلقّى مثل تلك التهديدات، الناشطة النسويّة في البصرة فاطمة البهادلي والأكاديمي والإعلامي العراقي سعد سلوم. وقد علّق الأخير نشاطه في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والأقليات بشكل شبه كامل، إثر تلقّيه تهديدات عبر رسائل واتصالات هاتفيّة وعبر مواقع شبكات التواصل الاجتماعي.
ويعتبر هذا الأسلوب طريقة شائعة في الضغط على الشارع العلماني في العراق، إذ يُستخدَم التسقيط الإعلامي والتهديد الأمني معاً لتضييق فرص نجاحه في المشاركة السياسيّة في البلد. وقد قتل العديد من وجوه هذا التيار من دون الكشف عن الفاعل أو قيام الحكومة بأي نوع من التحقيق أو حتى الإدانة.
ويرجع السبب الرئيسي لاستهداف التيار العلماني إلى كون الأحزاب الدينيّة المتشدّدة ترى مصلحتها الانتخابيّة في إبعاد العلمانيّين، إذ إن المبادئ والأهداف والآليات في إدارة الحكم تأتي متناقضة لدى الطرفَين. فيظهر نوع من المصلحة المشتركة لدى الأحزاب الدينيّة المتشدّدة المختلفة، في وجه العلمانيّين.
وما يساعد تلك الأجواء التي تشيعها الأحزاب الدينيّة، هو وجود مجموعة من التصوّرات النمطيّة الخاطئة حول العلمانيّة في الشارع العراقي. فمن جهة، ثمّة تصوّر بأن العلمانيّة هي معاداة الدين وتهدف إلى إلغاء الحريات الدينيّة التي حصل عليها الشيعة أخيراً بعد سقوط نظام صدّام حسين. ومن جهة أخرى، ثمّة تصوّر بأن النظام السابق كان نظاماً علمانياً، وأي دعوة إلى العلمانيّة تعني الرجوع إلى العهد السابق بالنسبة إلى الكثيرين.
ومن الملفت أن التيارات الدينيّة المتشدّدة السنيّة والشيعيّة وعلى الرغم من تضادها وتصارعها الطائفي، فهي موحّدة في معاداتها للعلمانيّين. وهو ما يجعل هؤلاء الأخيرين مهدّدين من قبل الجماعات الإرهابيّة والميليشيات وحتى الحكومة نفسها. ففي حين تسكت الحكومة عن التصريحات الطائفيّة لبعض أعضائها، تصدر مذكرات اعتقال بحقّ الوجوه العلمانيّة بسبب انتقادها لأداء الحكومة لجهة قلة الإنجازات والاتجاه نحو المنهج الطائفي.
ويعدّ استخدام الفتاوي الدينيّة لمحاربة العلمانيّين تطوّراً خطيراً في هذه الانتخابات، لم يسبق له مثيل. وتجدر الإشارة إلى أن السيّد كاظم الحائري صاحب الفتوى المذكورة آنفاً هو من رجال الدين المتشدّدين في إيران، وقد أصدر سابقاً فتوى ترغّب المجاهدين الشيعة بالذهاب إلى سوريا للقتال. كذلك يعدّ من الداعمين الأساسيّين للميليشيات الشيعيّة .
ومن الجدير بالذكر أيضاً أن الاتجاه المعادي للعلمانيّين لا يحظى بدعم المرجع الأعلى للشيعة السيّد علي السيستاني الذي لم يصدر منه لغاية الآن أي نقد أو رأي ضدّ العلمانيّين، بل على عكس ذلك صدرت منه مواقف عديدة تنتقد فرض الرؤى الدينيّة على المجتمع وتدعو إلى إتاحة الفرص المتساوية للجميع بالمشاركة السياسيّة.
ويبقى أن محاولة اللجوء إلى الفتاوي بالتزامن مع التشويه الإعلامي والتهديد الأمني، يظهر تخوّف الأحزاب الدينيّة المتشدّدة من تغيّر موقف الشارع العراقي في الانتخابات المقبلة، خصوصاً مع ظهور بوادر تقرّب ما بين الأحزاب الدينيّة المعتدلة والأطراف العلمانيّة في البلد.