!سكان الأنبار في كابوس، وحكومة العراق تزيد معاناتهم
هيومن رايتش ووتش – بغداد 4 مايو/أيار 2014
حكومة العراق تعمل على مفاقمة الأزمة الإنسانية في محافظة الأنبار عن طريق اعتراض سبيل السكان عند مغادرة المناطق التي يجري فيها القتال وعرقلة دخول المساعدات. وعلى الحكومة العمل الفوري على تسهيل مرور السكان الراغبين في الفرار من القتال ورفع القيود المفروضة على توصيل المساعدات الإنسانية.
قال ثمانية من سكان الفلوجة والرمادي، وهما المدينتان الرئيسيتان في الأنبار، لـ هيومن رايتس ووتش إنهم شاهدوا قوات حكومية بين يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان 2014 تطلق النار على سكان كانوا يحاولون الرحيل أو العودة إلى الأنبار، فتقتل البعض منهم. لم يتضح ما إذا كان لقوات المعارضة المسلحة وجود في المنطقة في توقيت تلك الاعتداءات، لكن بعض الشهود قدموا شهادات متكررة عما وصفوه بأنه، على الأقل، إطلاق نيران حكومية عشوائية عديمة التمييز.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “يتعين على الحكومة أن تساعد الأشخاص المحاصرين بفعل القتال، لا أن تستبقيهم في طريق الأذى وتحرمهم من المساعدات. لقد علق سكان الأنبار في كابوس، ولا تفعل الحكومة شيئاً سوى زيادة معاناتهم”.
استمر القتال في الأنبار بين قوات الحكومة وعدد من الجماعات السنية المسلحة، ومنها الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، منذ يناير/كانون الثاني 2014. وبحسب الأمم المتحدة، تسبب القتال في نزوح ما يزيد على 400 ألف نسمة من سكان المحافظة الذين يقدر عددهم بـ750 ألفاً، والذين يبقى الكثيرون منهم عالقين في مناطق النزاع. من بين العائلات الـ72910 المسجلة كعائلات نازحة، ما زالت 51 ألفاً منها على الأقل داخل الأنبار.
قالت هيومن رايتس ووتش إن القتال في الأنبار كان يمثل عقبة رئيسية أمام التصويت في الانتخابات الوطنية في 30 أبريل/نيسان. وتناقلت التقارير أن نسبة المصوتين في الأنبار كانت أقل من 30 في المائة.
وقد سبق لـ هيومن رايتس ووتش إدانة داعش مراراً لهجماتها المتعمدة على مدنيين في أرجاء العراق، مما يرجح أن يرقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية. وقد تبنت الجماعة المسلحة مسؤولية هجمات تستهدف المدنيين، بما في ذلك الاعتداء في 25 أبريل/نيسان على مؤتمر انتخابي في بغداد تسبب في قتل أكثر من 30 شخصاً، وما لا يقل عن عن 8 هجمات على مراكز اقتراع في العراق يوم 28 أبريل/نيسان عند قيام ضباط الجيش وغيرهم من العناصر الأمنية بالتصويت.
وفي يوم إجراء الانتخابات، تناقلت التقارير أن أعمال العنف منعت الكثير من الناس من التصويت، خاصة في المناطق السنية والمناطق التي تضم سكانا من السنة والشيعة. تسبب تفجير انتحاري في تكريت بمقتل 5 أشخاص، وقتل تفجير سيارة مفخخة سيدتين في كركوك، وتعرض مركزا اقتراع في بيجي إلى الدمار بمواد ناسفة، وأطلقت قذائف على مراكز اقتراع في ديالى، وفقا لتقرير إعلامية محلية. وظلت مراكز الاقتراع في العديد من المناطق التي يغلب عليها السنة في محافظة بغداد، من بينها الأدهمية وأبو غريب واللطيفية واليوسفية، ظلت مغلقة طوال اليوم، بحسب ما ذكره سياسيون محليون وسكان لـ هيومن رايتس ووتش.
وفي مارس/آذار أفاد رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق بأن جماعات مسلحة في الرمادي قد قامت بتفخيخ مبان سكنية وطرق، مما منع عائلات النازحين من العودة إلى منازلها.
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 42 من سكان الأنبار، وقد اضطر 35 منهم إلى الفرار من منازلهم وبقي 7 آخرون في الرمادي والفلوجة، علاوة على 4 من مسؤولي الحكومة وممثلي 6 منظمات إنسانية دولية تعمل في العراق. ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من زيارة الأنبار بسبب الأعمال العدائية المستمرة.
كما عجزت هيومن رايتس ووتش عن التحقق من العدد الدقيق للخسائر الناجمة عن شهور القتال الأربعة. في 25 أبريل/نيسان قال مدير مستشفى الفلوجة العام لوسائل الإعلام إن المستشفى قد سجل مقتل وإصابة 1418 شخصاً منذ بدء القتال، وكانت معظم الخسائر جراء قصف الأحياء السكنية في الفلوجة. وقال أحد العاملين بالمستشفى لـ هيومن رايتس ووتش في 27 أبريل/نيسان إن المستشفى قد سجل 262 حالة وفاة منذ يناير/كانون الثاني، “معظمهم من المدنيين”. وقال إن نسبة السيدات والأطفال في صفوف القتلى الذين سجلهم المستشفى تتراوح بين 40 و50 بالمئة.
في 27 مارس/آذار أفادت الأمم المتحدة بأن مديرية الصحة بمحافظة الأنبار قد أحصت مقتل 336 مدنياً وجرح 1562 منذ بدء النزاع. وأعلنت في 1 مايو/أيار أن مديرية صحة الأنبار أفادت بمقتل 135 وإصابة 525 في الأنبار في أبريل/نيسان، مع مقتل 57 وجرح 265 في الرمادي، ومقتل 78 وإصابة 260 في الفلوجة.
وقال سكان من الأنبار وعاملون بالحقل الطبي وعمال إغاثة لـ هيومن رايتس ووتش إن أرقام الخسائر أعلى بكثير على الأرجح لأن الكثيرين يعجزون عن الوصول إلى المستشفيات بسبب القتال. ويمتنع البعض عن الذهاب إلى المستشفيات خشية التضييق الذي تمارسه القوات الحكومية أو اعتداء الحكومة على المستشفيات، بحسب قولهم.
كانت الأمم المتحدة قد أفادت بأن القصف الحكومي قد أصاب مستشفى الفلوجة العام “في مناسبة واحدة على الأقل”. وقال موظف مستشفى الفلوجة الذي أجرت معه هيومن رايتس ووتش مقابلة إن قذائف الهاون والدبابات الحكومية أصابت المستشفى في عدد من المرات منذ يناير/كانون الثاني، بما في ذلك غرف الطوارئ ووحدة الرعاية المركزة وقسم الأشعة ووحدة التكييف المركزي. وقال إن أحداً لم يقتل في تلك الاعتداءات لكن أربعة عاملين بالمستشفى من بنغلاديش، وثلاثة أطباء عراقيين، وبعض المرضى أصيبوا بجروح. لم تستطع هيومن رايتس ووتش التحقق من شهادة الموظف، لكنها راجعت خمس صورا فوتوغرافية لما بدا وكأنه قذيفة هاون مستقرة في وحدة تكييف الهواء المدمرة.
قال موظف المستشفى إن مسلحين لا يعرفهم قاموا بحراسة مجمع المستشفى ومنشآت أخرى في الفلوجة، لكنه لم يرهم يدخلوا المستشفى أو يستغلوا ساحاته كقاعدة قط. كما أن طبيباً من المستشفى تم إجراء مقابلة معه في مارس/آذار، إضافة إلى عدد من سكان الفلوجة الذين ترددوا على المستشفى دورياً على مدار الشهور الأربعة الأخيرة، قالوا إنهم لم يروا مسلحين داخل المستشفى.
وقد قام الجيش منذ أوائل مارس/آذار بإغلاق كافة الطرق المؤدية إلى الفلوجة، في ما عدا جسر ضيق للمشاة من الصقلاوية، وهي بلدة واقعة إلى الشمال الغربي. قال أحد سكان الفلوجة إن الحكومة تسمح أيضاً بعبور المشاة على جسر يقع جنوبي عامرية الفلوجة، ولكن لمدة ساعة واحدة في المرة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة التوقف عن منع الناس من الفرار من القتال في الأنبار، وعليها توفير المأوى والغذاء والمؤن الطبية وغيرها من الضروريات للنازحين داخل المحافظة.
قال جو ستورك: “تنبغي محاسبة الجماعات المسلحة على ما يرقى إلى مصاف جرائم ضد الإنسانية، لكن جرائمها لا تعد بحال من الأحوال عذراً للقوات الحكومية التي تعاقب المدنيين في المناطق السنية”.
إطلاق النار على السكان الفارين
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 8 من سكان الفلوجة والرمادي الذين قالوا إنهم شهدوا في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2014 اعتداءات حكومية أصيب فيها أو قتل سكان كانوا يحاولون الفرار من الأنبار أو العودة إليها. ولم يتضح ما إذا كان لقوات المعارضة المسلحة وجود في تلك المناطق عند وقوع الاعتداءات، لكن الشهود قدموا شهادات متكررة على ما وصفوه بأنه يمثل، على الأقل، إطلاق نيران حكومية عشوائية عديمة التمييز قد ترقى إلى مصاف الاعتداء العمدي على سكان يحاولون الفرار.
في إحدى الحالات قال سعيد البالغ من العمر 33 سنة (والذي تم تغيير اسمه، مثل غيره ممن أجريت معهم المقابلات، حماية له) إن جنود الحكومة، دون أي سبب واضح، أطلقوا النار على سيارته وعلى 10 سيارات أخرى كلها تحمل سكاناً يفرون من المدينة، بينما كانوا يحاولون مغادرة الفلوجة عبر نقطة تفتيش الموظفين شرقي المدينة، في نحو الثالثة من مساء 30 يناير/كانون الثاني. أجرت هيومن رايتس ووتش المقابلة مع سعيد في مستشفى بإربيل، حيث كان يتلقى العلاج من رصاصة استقرت قرب عموده الفقري. وقال سعيد:
دون سابق إنذار بدأ إطلاق النيران. وكان صوته يوحي بأنه يأتي من كل مكان. كانت هناك مروحيات تطير فوقنا وتطلق النار على السيارات وعلى حي العسكري والضباط الثالثة [وهما اثنان من أحياء شرق الفلوجة]. كما كانت اثنتان من ناقلات الأفراد المدرعة بطول الطريق السريع تطلقان النار على السيارات، وقذائف الهاون تأتي من قاعدة المزرعة [وهي قاعدة للجيش العراقي تمثل جزءاً من مجمع المزرعة/الطريق العسكري شرقي الفلوجة]، التي تبعد نحو 3 كيلومترات عن الطريق السريع. بدأوا جميعاً يطلقون النار في وقت واحد.
حدث الأمر بسرعة كبيرة، دون إنذار، ولم يستمر أكثر من 5 أو 6 دقائق. أصيب أشخاص في 3 أو 4 سيارات أخرى بدورهم، ورأيت شخصاً مصاباً بالرصاص في يده وآخر في رأسه. كان طفلاً. لكنني لا أعرف ماذا حدث له.
قال سعيد إنه لم ير مقاتلين معارضين للحكومة في المنطقة في ذلك الوقت، ولم يعرف سبباً للاعتداء الحكومي.
وقال آخر من سكان الفلوجة، هو عبد الوهاب، إنه شهد في منتصف فبراير/شباط قوات للجيش تقتل والد ووالدة طفلين بينما كانوا يحاولون مغادرة الفلوجة في اتجاه بلدة السجر، على بعد نحو 5 كيلومترات إلى الشمال، وكان ذلك أيضاً دون أمارة على وجود قوات معارضة في المنطقة:
كانوا ينتظرون في سيارتهم ـ أب وأم وطفلاهما الصغيران ـ عند نقطة التفتيش المؤدية شمالاً إلى السجر، حين بدأ الجيش في إطلاق النيران. أصيب الأب والأم بطلقات مميتة، لكن الطفلان نجيا. وانتظرا توقف النيران ثم مضيا إلى السجر على الأقدام. قال لي صديقي الذي يسكن على مقربة إن جثتي الزوج والزوجة بقيتا في السيارة لمدة يومين قبل أن يأتي بعض السكان أخيراً لدفنهما.
قال عبد الوهاب إنه شاهد جنوداً في أواخر يناير/كانون الثاني يقتلون سائق شاحنة دون سبب ظاهر بينما كان السائق يحاول مغادرة الفلوجة إلى الصقلاوية، شمالي المدينة. وقال عبد الوهاب: “زعم الجيش إنهم ظنوه من داعش. وحين يقولون هذا فبوسعهم فعل ما يحلو لهم”.
قال أبو محمد، من حي العسكري في الفلوجة، لـ هيومن رايتس ووتش عبر تطبيق سكايب إنه قرر مغادرة الفلوجة مع أسرته في مطلع يناير/كانون الثاني بعد سقوط قذيفة هاون على منزلهم. كانت الطرق الرئيسية مغلقة، حسبما قال، فلجأ إلى مدقات الصحراء حتى صادف سيارتين مدمرتين كان أشخاص ينتشلون منهما بعض الجثث. وقال أبو محمد إن هؤلاء الأشخاص أخبروه بأن مروحية حكومية أطلقت النار على السيارتين:
توقفت وساعدتهما على استخراج الجثث. أحصيت ستة من القتلى، وكان ثلاثة منهم من الأطفال ـ اثنان صغيران جداً، وفتاة في نحو الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، وسيدتان، ورجل كان يبدو في نحو الثانية والعشرين. وكان هناك جرحى أيضاً، بعضهم جراحه خطيرة وبعضهم لا.
قال أبو محمد إنه واصل القيادة وبعد حوالي 20 دقيقة رأى مروحيتين حكوميتين تطيران فوقه. وقال: “شعرنا بالفزع، وظننا أنهم سيطلقون النار علينا كما فعلوا بالسيارتين الأخريين”. بعد هبوط المروحيتين قام الجنود بداخلهما بتهديد أسرة أبو محمد بالاعتقال لكنهم أخلوا سبيلهم لاحقاً، حسبما قال.
وقال موظف مستشفى الفلوجة لـ هيومن رايتس ووتش إنه في منتصف يناير/كانون الثاني، في واقعتين مختلفتين، شاهد قوات أمنية تطلق النار على سيارات بها رجال وسيدات وأطفال بينما كانوا يحاولون مغادرة الفلوجة على الطريق السريع الشرقي. وقال إن المستشفى منذ بدء النزاع قدم العلاج لأفراد ما لا يقل عن 12 عائلة أصيبوا برصاص القوات الحكومية عند نقاط التفتيش.
عرقلة المساعدات الإنسانية
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع ممثلي ستة منظمات إنسانية دولية، وتحدث كل منهم عن القيود الحكومية المفروضة على توصيل المساعدات إلى الأنبار، بما في ذلك عرقلة القوافل عند نقاط التفتيش.
في 3 أبريل/نيسان قامت اليونيسيف بتوصيل معدات نظافة شخصية (وهي عبوات تضم الصابون ومعجون الأسنان وغيرها من الضروريات) إلى الفلوجة، في ما وصفته الأمم المتحدة بأنه “أول عملية توزيع ناجحة من قبل وكالة تتبع الأمم المتحدة داخل حدود المدينة”. في 7 مارس/آذار أفادت اليونيسيف بتمكن قافلة إسعافات أولية من الوصول إلى عامرية الفلوجة، جنوبي الفلوجة، في اليوم السابق. وكانت عملية التوصيل يوم 3 أبريل/نيسان هي عملية التوصيل الإنسانية الوحيدة، بقدر ما استطاعت هيومن رايتس ووتش أن تتحقق، التي وصلت إلى الفلوجة منذ بدء القتال في يناير/كانون الثاني.
وفي 30 يناير/كانون الثاني، بحسب الأمم المتحدة، استوقف أفراد تابعون للجيش قوافل من المنظمة الدولية للهجرة، ومن منظمة الصحة العالمية، عند نقطة تفتيش، وقاموا باحتجاز موظف لم تتحدد هويته يتبع المنظمة الدولية للهجرة لمدة 24 ساعة، وموظف لم تتحدد هويته يتبع منظمة الصحة العالمية لمدة تتجاوز الشهر، وصادروا ما معهم من بضائع، رغم حصول المنظمتين على تصريح من الجيش بدخول المنطقة.
قال خمسة من سكان الأنبار على نحو منفصل لـ هيومن رايتس ووتش إنهم شاهدوا جنود الحكومة عند نقاط تفتيش في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط يمنعون شاحنات تحمل مساعدات من دخول الأنبار. وقال موظف مستشفى الفلوجة العام إنه شاهد قوات أمنية تمنع عمليات توصيل من طرف وكالات إنسانية، وكذلك سكاناً أفراد يحاولون إدخال أطعمة وغيرها من المؤن.
وقال موظف المستشفى: “لم نتلق شيئاً يذكر من المنظمات الدولية. وحين نحاول إدخال بضاعة بأنفسنا يتم التضييق علينا ومنعنا”.
وقال موظف المستشفى إنه حاول إدخال حاويتين من زيت الطعام إلى الفلوجة في يناير/كانون الثاني لكن الجنود أعادوه إلى بغداد واتهموه بـ”إحضار الزيت للإرهابيين”.
الاحتياجات الإنسانية
أدت شهور القتال الأربعة في الأنبار إلى خلق احتياجات إنسانية عاجلة، بحسب وكالات الإغاثة والأمم المتحدة، فقد كشفت النتائج الأولية لاستقصاء عن الأمن الغذائي أجراه برنامج الغذاء العالمي ونشره في 20 أبريل/نيسان، عن أن 79 بالمئة من النازحين في الأنبار يفتقرون إلى الغذاء الكافي. ووجد تقييم تفصيلي عن احتياجات النازحين في الأنبار، نشرته المنظمة الدولية للهجرة في 9 أبريل/نيسان، أن 40 بالمئة من النازحين الداخليين تبلغ أعمارهم أقل من 15 عاماً. وأكثر من خُمس الـ400 ألف من النازحين الداخليين المسجلين في الأنبار ينامون في مدارس، أو مبان مهجورة، أو ساحات عامة، ويفتقرون إلى المال اللازم للغذاء، بحسب التقييم المنشور.
وقد أجمع النازحون السبعة الذين لا يزالون في الأنبار وأجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات على أنهم لم يتلقوا أي شكل من أشكال المساعدة من الحكومة العراقية، وعلى أن مساعدات المنظمات الإنسانية لا تكاد تذكر.
في 27 مارس/آذار أفاد نيكولاي ملادينوف، رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق، بأن الكثير من الأسر النازحة بفعل الأزمة محاصرة في مناطق تشهد نزاعاً نشطاً. وقال إن وصول الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات إلى المتضررين يخضع لقيود كبيرة.
علاوة على المشاكل اللوجستية في نقل المساعدات إلى المحتاجين، قال ملادينوف إن تمويل المانحين للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية العاملة في العراق آخذ في النفاد. وقال إن الأمم المتحدة، نتيجة لهذا، “ستجد نفسها في القريب العاجل عاجزة عن مواصلة مساعداتها الإنسانية للفارين من القتال في الأنبار”. في 17 أبريل/نيسان أفادت الأمم المتحدة بأن “معظم الهيئات الأممية استنفدت أموالها السائلة ومؤنها اللازمة لمساعدة عائلات النازحين الداخليين” بسبب قصور الاستجابة الكافية من المانحين، بمن فيهم الحكومة العراقية، لمطالبة الأمم المتحدة بـ103,7 مليون دولار أمريكي لتغطية “خطة الاستجابة الاستراتيجية في الأنبار” التي تم إطلاقها في منتصف مارس/آذار.
وقد مثل تدفق النازحين في أجزاء مختلفة من محافظة الأنبار ضغطاً على موارد من قبيل المأوى والغذاء والدواء، وأدى إلى تضخم الأسعار، حسبما قال أشخاص في الأنبار لـ هيومن رايتس ووتش. قال معلم يعمل بمدينة هيت الواقعة غربي الأنبار لـ هيومن رايتس ووتش في 16 فبراير/شباط إن هيت تشهد عجزاً في الغذاء واللوازم الطبية والكيروسين والبنزين. وقد ارتفع عدد النازحين في هيت بأكثر من الضعف منذ ذلك الحين، بحسب إحصائيات المنظمة الدولية للهجرة، في وجود ما لا يقل عن 11655 عائلة نازحة في هيت حتى 2 أبريل/نيسان.
وقال سكان من الرمادي وعاملون بمستشفى الرمادي العام لـ هيومن رايتس ووتش إنهم يستطيعون الوصول إلى نحو 20 بالمئة فقط من اللوازم الطبية المعتادة، مما أدى إلى تضخم الأسعار ومحدودية خيارات العلاج.
القتال في الأنبار
بدأ القتال في محافظة الأنبار الواقعة في غرب العراق في 30 ديسمبر/كانون الأول 2013، حين قامت القوات الحكومية العراقية بمحاصرة مخيم اعتصام في ساحة مركزية بالرمادي. وكان متظاهرون سنيون يحتجون لمدة تفوق العام على ما زعموا أنه انتهاكات مستمرة من طرف قوات الأمن. وأدت المداهمة الحكومية لمخيم الاعتصام إلى نشوب القتال بين قوات الأمن ومسلحين محليين من السنة.
وسرعان ما امتد القتال إلى سائر أرجاء مدينتي الفلوجة والرمادي. وقال صحفي يسافر دورياً إلى الرمادي لـ هيومن رايتس ووتش إن الكثير من الأحياء هناك تعرضت لدمار شديد بفعل القتال بين القوات العراقية الخاصة والجيش العراقي من جهة، والجماعات المحلية المسلحة وبعض مقاتلي داعش من جهة أخرى.
تعرضت أحياء الضباط، والعادل، والبكر، والملعب، وشارع 60، والحاج الفقرا والبوجبار لدمار جزئي، بحسب الصحفي، وقد اطلعت هيومن رايتس ووتش على صور فوتوغرافية من مناطق أحياء البكر، والضباط، والملعب، وتظهر فيها تسوية كافة المباني تقريباً بالأرض وتغطية الشوارع بالركام.
في مارس/آذار 2014 أفاد ملادينوف رئيس بعثة الأمم المتحدة في تقرير موجه لمجلس الأمن الأممي بأن جماعات مسلحة في الرمادي قامت بتفخيخ مبان سكنية وطرق، مما منع العائلات من العودة إلى منازلها. وما زالت جماعات مسلحة، تشمل داعش، متمركزة على أطراف المدينة، وقد ساهم القتال العنيف في نقص الأغذية واللوازم الطبية.
وما زالت جماعات مسلحة معارضة، يبدو أنها تشمل داعش، موجودة داخل الفلوجة وحولها. وقد قامت القوات الحكومية منذ يناير/كانون الثاني بإطلاق قذائف الهاون على المدينة من قاعدة المزرعة/الطريق العسكرية الشرقية، على بعد نحو 5 كيلومترات من مركز مدينة الفلوجة، وأطلقت النار من ناقلات أفراد مدرعة متمركزة بطول طريق المدينة الشرقي السريع، على بعد نحو كيلومترين من المركز. واستخدمت المروحيات في إطلاق قذائف تركزت على المناطق الشمالية والشرقية من الفلوجة، وهذا بحسب سكان من الفلوجة ومعلومات قدمها مسؤول حكومي إلى هيومن رايتس ووتش. كما ورد في تقرير إنساني للأمم المتحدة بتاريخ 17 أبريل/نيسان عن الأنبار أن “قصف المدفعية المتجدد على العديد من أحياء الفلوجة مستمر، مع تقارير تفيد بأن القصف استهدف معظم الأجزاء المركزية والجنوبية والشرقية من المدينة”.
وقد امتد النزاع في محافظة الأنبار إلى مناطق أخرى من البلاد، إذ نشب قتال متقطع في ديالى، والموصل، وصلاح الدين، وأبو غريب في فبراير/شباط ومارس/آذار وأبريل/نيسان.
المعايير القانونية
تعد تحركات القوات الأمنية الحكومية لمنع أشخاص من مغادرة مناطق القتال، وإخفاق الحكومة في مساعدة أو تسهيل مساعدة النازحين في الأنبار، انتهاكاً لالتزامات العراق القانونية الدولية.
لقد صدّق العراق على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهما المعاهدتان الدوليتان الحقوقيتان اللتان تحميان الحق في الحياة، والحق في الوصول إلى المأوى والرعاية الطبية الكافية، والحق في الغذاء والحق في الصحة، والإخفاق في تسهيل الوصول الإنساني إلى الأشخاص الفارين من القتال في الأنبار قد ينتهك هذه البنود أو يناقضها. أما اعتداء القوات الأمنية على أشخاص يلتمسون الفرار من الأنبار وغير ذلك من أشكال التضييق الحكومي فهو بدوره ينتهك التزامات العراق الدولية، التي تلزم السلطات بضمان حرية التنقل.
إن قيام الحكومة بتسهيل الوصول إلى المساعدات ومحاسبة قوات الأمن على اعتدائها على النازحين من عدمه هو اختبار لمدى تقيدها بالتزاماتها الدولية في الفترة السابقة على الانتخابات. لكن شهادات السكان، والنازحين، وعمال الإغاثة، والمسؤولين لـ هيومن رايتس ووتش تبين بوضوح رسوب السلطات العراقية في الاختبار. لا تلوح في الأفق دلالة على هدوء القتال، ولا على انحسار معاناة الأسر التي حاصرها القتال واضطرها للنزوح.