داعش ليست بديل المالكي
حازم مبيضين – جريدة المدى
يخوض رئيس الوزراء العراقي المُنتهية ولايته، والطامح لفترة رئاسية ثالثة حروباً في كل الاتجاهات، بعضها عسكري ضد مناوئيه من العرب السنة، وبعضها سياسي ضد رافضي ولايته الثالثة من القوى السياسية الشيعية، إضافة لحربه القديمة المتجددة ضد إقليم كردستان، وهو إذ يعتبر نفسه الممثل الشرعي للطائفة الشيعية، فإنه لاستكمال صورته كزعيم وطني يعتمد على بعض السياسيين السنة، الراغبين بتولي مواقع سلطوية تشبع نهمهم المادي والمعنوي، ويُعوّل على استمالة بعض الكرد لتكتمل الصورة، غير أن الموقف الكردي يبدو عصياً على الاختراق، اعتماداً على تجارب سابقة في التعامل مع المالكي، كان مآلها جميعاً الفشل الذريع.
بعد الانتخابات الأخيرة وما نجم عنها من صراع على السلطة، تتصدر داعش المشهد بغزواتها “المفاجئة” للمدن العراقية، ذات الصبغة السنيّة على وجه الخصوص، وليس آخرها الموصل التي خلت من القوات الأمنية ورجال الجيش، الذين انسحبوا لإعادة تنظيم صفوفهم، وتركوا مهمة الدفاع عنها لسكانها، وإذ تسيطر حالة من الشك حول قدرات داعش التي برزت مؤخراً، وتمكنها من استمالة بعض الراغبين في التخلص من حكومة المالكي، التي فشلت بجدارة في توفير الأمن وفرص العمل، والمتطلبات الأساسية للحياة الكريمة، فإن المدهش أن هؤلاء، وهم واقعون تحت سطوة الرغبة في الانتقام، يتناسون أن الحكومات إلى زوال، وأن الاستعانة بالشيطان “داعش” للتخلص من شيطان حكومة ظالمة وعاجزة، لن يكون أكثر من الاستجارة من الرمضاء بالنار.
الغاية لاتبرر الوسيلة كما يقول ميكافيلي، ذلك يعني أن الفرح “بانتصارات” داعش، الرخيصة والتفتيتية للمجتمع العراقي فقط لمجرد مناكفة المالكي، الذي يركب رأسه لتحقيق طموح شخصي على حساب الوطن، هو فعل غير أخلاقي ولا وطني ولا إنساني، وهو بالتأكيد ليس دليلاً على إيمان بالمنطلقات الدافعة لداعش، ولا قناعة بتدينها المصطنع والظلامي والتكفيري، لكنه يؤشر إلى حالة اليأس التي تصيب بالإحباط معظم العراقيين، الواجب تنويرهم بأن داعش ليست أكثر من تنظيم إرهابي ظلامي مقيت، لايؤمن بالإنسان وحريته وعقله، وهو يعمل بعيداً عن تعاليم الإسلام، إن لم يكن ضدها، على ترهيب الناس وتقييد المجتمع بمحرمات ومحظورات وقيود وفتاوى، كل وظيفتها تحويل الحياة إلى جحيم لا يطاق، تنظيم ظلامي يؤمن بقطع الرؤوس بدل محاولة الإقناع، ويتجاهل الآية الكريمة “وجادلهم بالتي هي أحسن”، وهو أيضا بندقية للإيجار، لانعرف من يستأجرها اليوم في بلاد الشام والرافدين.
لانظن أن هناك عراقياً وطنياً شريفاً، مهما كان موقفه رافضاً لسياسات المالكي، يقبل بأن يستبدله بداعش، ذات الأفكار الظلامية المتحجرة والمؤمنة بتفردها بالحقيقة، وأنها على صلة بالسماء، ما يوجب على بقية البشر الطاعة العمياء فقط، وإلاّ فحد السيف بانتظار الرقاب، أما الذين يؤيدونها دون انتماء لفكرها غير الإنساني، فسيجدون أنفسهم وقد تورطوا في لحظة غياب العقل بمالايريدون، وأن عليهم الوقوف في المرتبة الأدنى من أعضاء التنظيم الجهنمي، الموغل في الإجرام والدم العراقي، والذي سيغلق عليهم كل أبواب الحياة، ويمنعهم من العيش في مجتمع قابل للتعددية، سواء كانت دينية أو سياسية أو طائفية أو عرقية.
داعش ليست البديل الأفضل للمالكي الذي لم يكن البديل الأفضل لصدام، فكلاهما ينطلق من طائفية بغيضة، لن تعود على العراقيين بغير الخراب العميم، وظل الرايات السود لن يقي العراقيين من هجير النار التي تحرق وطنهم، وتحرق مستقبل أجياله وإلى عشرات السنين، والوقوف في وجه هجماتها البربرية واجب على كل عراقي، لأن هزيمتها لن تكون انتصاراً للمالكي بحال من الأحوال.