هل سيشهد العراق بوادر تغيير سياسي مع إقرار قانون تعديل قانون انتخابات مجلس النواب
مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي (ICSSI) – نوفمبر 2013
مع اقتراب موسم الانتخابات المقرر اجرائها في الـ 30 من نيسان لسنة 2014، وبعد خلافات طويلة بين الكتل السياسية مثلت ازمة سياسية كبيرة ، اقر مجلس النواب العراقي قانون تعديل قانون انتخابات مجلس النواب. تم التصويت بالإجماع على القانون في الرابع من نوفمبر – تشرين الثاني.
صاحب اقرار القانون اشارت عديدة على ان ضغوط خارجية وداخلية ساهمت في اقناع القوى السياسية العراقية خصوصاً التحالف الوطني الذي يقود الحكومة على القبول بالقانون وتعديلاته. البعض تحدث عن ضغوط من الرئيس اوباما و اخرين عن ضغوط من المرجعية الدينية العراقية. بينما يبدو ان الجدل ما يزال مفتوح حول امكانية نقض القانون الجديد امام المحكمة الاتحادية العليا.
اعتمد القانون الجديد القوائم المفتوحة والدوائر المتعددة ، واقر نظام “سانت ليغو” المعدل كطريقة لاحتساب المقاعد وتقسيم الاصوات ، والذي يشابه الى حد ما الطريقة التي اعتمدت في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة والتي سمحت للكتل السياسية الصغيرة بالحصول على مقاعد وعدم تدوير المتبقي لصالح الكتل الكبيرة كما كان يحصل في السابق. واقر القانون استمرار العمل بالاعتماد على إحصائيات وزارة التجارة في ما يخص تقدير عدد السكان، وذلك لعدم التمكن من إجراء تعداد سكاني جديد. واعتمد القانون الجديد عمر 30 عاماً كحد ادنى للترشيح لعضوية المجلسوان يكون المرشح حاصلاً على شهادة الإعدادية كأقل تقدير. وابقى المراجعة التي تقوم بها هيئة المسائلة والعدالة حسب قانون هيئة المساءلة والعدالة او اي قانون اخر يحل محله.
ووفقا للقانون الجديد الذي نشرته عدد من الصحف العراقية مثل صحفية المدى ،اصبح عدد اعضاء مجلس النواب 328 بزيادة 3 مقاعد تتوزع بين محافظات البصرة والانبار وكوردستان . واكد القانون على بقاء حصة النساء بنسبة لاتقل عن 25% بينما اعطى حصة 8 مقاعد للمكونات الدينية بواقع 5 مقاعد للمسيحيين، وواحد لكل من الايزيديين والصابئة المندائيين والشبك.
المساندين لهذا القانون ينطلقون من كونه يعطي فرصاً أفضل للقوائم الصغيرة و متوسطة الحجم ويسهم في انهاء هيمنة ما يسمى بالقوائم الكبيرة وهي تسمية تطلق على التحالفات التي فازت بالانتخابات الماضية والتي يطغي على اغلبها طابع التوجه السياسي المرتبط بالدين والمذهب الديني فيما عدا اقليم كوردستان. والسبب بربط زيادة فرص القوائم الصغيرة والمتوسطة مع فكرة التغيير هو ان فسح المجال لقوائم صغيرة سيعطي فرصة لتلك القوائم ذات الصبغة المدنية غير دينية او الوطنية غير منحازة للانقسامات المذهبية بين سنة وشيعة. وبذلك تحصل انعطافة لصالح الاهتمام بالمواطن والمواطنة ويترك امر الدين والمذهب للمواطن ولحريتة الشخصية بالتدين من عدمه. ويشير بعض المساندين لفرص التغيير الى ان الجمهور العراقي تعلم من الفترة الماضية بان لا يثق بالقوائم والكتل التي طبعت المشهد السياسي العراقي بعدد من الازمات والخلافات التي تهدد امن ووحدة ونسيج المجتمع العراقي. لكن حتى في حال وصول عدد من هذه القوائم لمجلس النواب الجديد، ما يزال التساؤل قائم حول فرص تشكيل حكومة مستقرة فيما لو كان البرلمان القادم مقسم على كتل متعددة و متباينة الى حد يصعب معها خلق تحالفات.
ليس هناك من شك بأن قدر من التغيير يمكن ان يحصل خلال الانتخابات القادمة ، لكن السؤال الان هو عن حجم هذا التغيير واتجاهه. ويبدو المجتمع المدني العراقي هو المراهن الاكبر على تغيير جذري، فبينما تقوم التحالفات التقليدية على الروابط الدينية و العشائرية، يبقى امل كثير من العراقيين الفاعلين في المجتمع المدني ، بإنضاج بديل يعتمد الهوية العراقية ويطرح برنامج سياسي لا يفرق بين مواطن وأخر وفقا للدين او المذهب ويقدم ضمانات حقيقية للحريات الشخصية ولاحترام حقوق الانسان. هذا ويبدو رصيد حركات المجتمع المدني منذ عام 2011 ومنذ تظاهرات ساحة التحرير في بغداد ومثيلاتها في عدة محافظات عراقية، حاضر وبشكل ومتزايد. ويضاف لذلك الحضور نجاح انشطة نظمت خارج اطار الخطاب المذهبي والتحزب الطائفي، مثل “مهرجان السلام” الذي نظم لعامين متواليين في حدائق ابي نواس، وفعالية “انا عراقي انا اقرأ” او “حملة الغاء تقاعد البرلمانيين” او “حملة انقاذ نهر دجلة” أو الحدث العراقي الاجتماعي المميز “المنتدى الاجتماعي العراقي” الذي عقد في ساحة القشلة اواخر سبتمبر- أيلول 2013. كل هذا الرصيد وهذه الأنشطة يمكن ان تكون زخم يساهم في ان ينضج بديل او على الاقل ان تدعم بديل مدني يمكن له ان يصبح حليفا لها في تحقيق تغير اجتماعي ملموس. لكن الفيصل في مثل هذا التغيير بكل الاحوال هو ليست النخب المدنية، بل جمهور المصوتين الذي يمثل الاغلبية والذي يمكن ان يتم استمالة عواطفه وميوله الدينية والعشائرية مرة اخرى!
البعض يعول على اختيار الاغلبية من جمهور المصوتين لصالح التغيير، بسبب الفشل المستمر في تقديم الخدمات مثل الكهرباء والبنى التحتية من ماء ومجاري. ويعزز هذا الشعور استمرار التدهور الامني في هذه الاثناء مدعوماً بشكل كبير بسيل من الخلافات السياسية العميقة بين القوى السياسية المتنفذه، حيث بالفعل بدأت صفحة جديدة من الجدل على الساحة السياسية حول آلية إجراء الانتخابات في كركوك والتي تدار من قبل مجلس غير منتخب.
فمن جانبها عبرت الكتلة العربية في مجلس محافظة كركوك وعلى لسان عضو مجلس المحافظة محمد خليل الجبوري بانها ماضية باتجاه المشاركة بالانتخابات برغم عدم تحقيقهم لأمور كانوا يسعون إلى إقرارها في قانون الانتخابات.على الجانب الآخر يبدو التركمان اكثر تمسكا بموقفهم الرافض لقانون الانتخابات الجديد، ويقول عضو مجلس المحافظة عن المكون التركماني نجاة حسين ان “الحكومة المركزية والبرلمان أخفقا في إجراء تدقيق لسجل الناخبين في كركوك، ونحن نطالب إما بتدقيق سجلات الناخبين، او بتطبيق نظام الكوتا”.وعلى الجهة الثالثة يبدو موقف الاكراد مؤيداً لقانون الانتخابات ومتهماً للأطراف الأخرى بمحاولة عرقلة إجراء الانتخابات ، فقد أشارت قائمة التآخي الكردية في مجلس محافظة كركوك إلى وجود من يحاول وضع العقبات ومواد منافية للدستور للحيلولة دون إجراء الانتخابات.
بينما يزداد تعقيد الواقع الامني في اغلب محافظات العراق، فاستمرار التدهور الامني يصاحبه استمرار الاصرار على حزمة من الاجراءات الامنية العقيمة التي تعتمد امن مناطقي معزز بجدران ونقاط تفتيش ووجود عسكري مكثف ،ينتقص من حرية المواطن ويعجز في نفس الوقت عن حمايته. بدل من اختيار مفهوم الامن العام المبني على اساس بناء صلة وثيقة بالمواطن والفرد العادي. فإذا كان مفهوم الامن المناطقي وامن الجدران ونقاط التفتيش وجده له تبرير اثناء الوجود العسكري الاجنبي لانعزاله عن المجتمع والمواطن فمن الغريب جدا ان تواصل الحكومة العراقية نفس النهج متأملة فرض سلطة القوة والعسكرة متغاضية عن النتائج السلبية لها.
وإذا كان حجم واتجاه التغيير ما يزال غير مؤكد فما هو مؤكد حتما بان الاشهر القادمة ستكون حاسمة، فإما ان تعمل القوى المدنية في جميع المحافظات العراقية بجد وتنسيق عال لتلتف حول بديل وطني مدني غير متحزب طائفياً او حتى دينياً، يؤمن بالحرية لجميع العراقيين على حد سواء. ولتقنع المواطن العراقي العادي بان اعطاء فرصة للبديل المدني قد ان آوانه، وان التصويت في هذه الانتخابات لا يجب ان يكون لمذهب او لدين ، بل لرؤية سياسية وطنية واضحة ترى في العراق دولة مدنية عصرية. وبهذا فان القوى المدنية ستستثمر جهود السنوات الماضية وربما ستفتح صفحة جديدة في تاريخ العراق بعد الاحتلال.
وإما ان تستمر القوى المدنية في ضياعها وانقسامها وضبابية ما تدعو اليه من تغيير خجول ، وبذلك تترك الساحة من جديد للقوى المحافظة ذات الصبغة الدينية والمذهبية ،خصوصاً وان الاخيرة تعد العدة وتحشد ادواتها المذهبية وتواصل تعزيز الانقسام الطائفي كخيار وحيد في العراق، لمن هم في الحكم او من هم في المعارضة. وهو الحال الذي شهدناه الاربع سنوات الماضية، والذي لو استمر لأربع سنوات اخرى فلن ينتج الا مزيد من التقسيم والتناحر والخطر على وحدة النسيج العراقي وعلى مستقبل العراق ككل.
تشرين الثاني – نوفمبر 2013