ناجي من جحيم داعش في قاعدة “سبايكر” في تكريت يروي تفاصيل عن المأساة
بغداد/ واي نيوز
علي او “علاوي” كما اسماه الشيخ (نزال ناجي الجبارة)، واسمه الكامل (علي حسين كاظم)، أحد الناجين من بين مجموعة جنود قاعدة سبايكر العسكرية، والذين واجهوا مصير الاعدام على يد تنظيم “داعش” في مدينة تكريت شمال غرب العاصمة العراقية بغداد، وقد كان منزل الشيخ (خميس الناجي الجبارة) في ناحية (العلم) ملاذه الآمن، بعد رحلة طويلة عانى فيها الكثير.
دجلة والموعد مع الدماء
قاعدة سبايكر العسكرية الواقعة شمال غرب مدينة تكريت، وتبعد عن المدينة نحو اثني عشر كيلومتراً، كان قد تم اخلاؤها بعد سيطرة المسلحين التابعين لتنظيم “داعش” الارهابي على مدينة تكريت في محافظة صلاح الدين وذلك عقب احداث سقوط الموصل على يد التنظيم المذكور، ومن هنا يبدأ (علي حسين) بسرد حكايته لـ “واي نيوز” حيث يقول “بعد تعرض مدينة تكريت للهجوم، قررنا الخروج من القاعدة رغم الرفض الذي جوبهنا به من قبل القيادات في الفرقة الذهبية، وبعد مغادرتنا خرجت الامور عن السيطرة، حيث كانت اعدادنا الكبيرة تفتقر للتنظيم، حيث فور وصولنا لحي القادسية- شمال مدينة تكريت- وقعنا رهينة بأيدي داعش وعصاباته، ولتسهيل مهمتهم وعدونا بأنهم لن يمسونا بسوء وانهم سيكتفون بنقلنا الى مدينة سامراء”.
وتابع “بطبيعة الحال، فقد نكثوا بوعدهم وهذا هو حال الجبناء دائماً، حيث نقلونا الى منطقة القصور الرئاسية المطلة على نهر دجلة والذي يفصل مدينة تكريت عن ناحية العلم”.
وأردف “بعد الوصول مباشرةً، قاموا بتفريقنا الى مجاميع، بعدها بادروا بسحب اول عشرة افراد من المجموعة الاولى تمهيداً لاعدامهم، وقد كنت من ضمن اولئك العشرة”!
قصة حياة
يتابع “علي” أنه “مرت عليّ لحظات عصيبة، حيث كان وابل الرصاص الذي انطلق صوبي وصوب رفاقي كافياً لان افقد الامل بالبقاء حياً، لحظات كانت تمثل بالنسبة لي دهراً كاملاً”.
وأكمل “بقدرة القادر لم تصبني رصاصاتهم، بل غمرتني بدلاً عنها دماء رفاقي، دماؤهم التي اختلطت ببعضها واتحدت”.
وأردف “مثلت دور الميت، وبقيت ساكناً تماماً”.
وبحسب وصفه فان باقي رفاقه في المجاميع الاخرى واجهوا نفس المصير، وصولاً لاخر مجموعة، حينها فقط توقفت حفلة الموت، وعن ذلك يقول علي “غادر القتلة المكان فور تأكدهم من اتمام مهمتهم، لكنهم كانوا على مقربة من المكان حيث كان مستحيلاً علي الحركة او الفرار ومغادرة المكان”.
واضاف “بقيت على هذا الحال، ساكناً بلا اية حركة تثير الشبهة من حولي، فوجئت بعدها ان صديقي الذي كان رأسه قرب رأسي، فيه بقية من روح بعد اصابته البليغة، احترت ساعتها وانا اتخبط بين شعوري بالفرح بنجاتي ونجاة رفيقي، او الحزن لما اصاب بقية رفاقي”.
وأكمل “بعد ساعات، جاء نفر من عناصر داعش لتفقد ما اذا كان بعضنا لا يزال على قيد الحياة، حينها، اكتشفوا امر صديقي الذي تأوه لا ارادياً من وجع اصابته، فصاح احدهم بصاحبه: هذا رافضي مايموت من طلقة وحدة. فقتلوه في الحال، مع انه لم يكن رافضياً كما ظنوا!”
حياة اخرى
اكمل علي قائلاً “بعد ليلتين من الحادث، وبعد ان تأكدت من مغادرتهم المكان تماماً، بدأتُ بالزحف ليلاً نحو دجلة، ويداي مربوطتان خلف ظهري، كان همي الاول فك وثاقي، حاولت الاستعانة ببعض الصخور او الحافات الحادة التي صادفتها اثناء توجهي نحو الضفة، لكنني فشلت”.
واضاف “بينما كنت منشغلاً بالاختباء وحل وثاقي، واذا بشاب في مقتبل العمر يظهر لي من بين الاشجار والقصب، كان بادياً عليه التعب والارهاق من جراء اصابة ما، ارتعدت في البداية لكنني تأكدت بعدها من ان حاله يشابه حالي، حيث كان يختبئ من عناصر تنظيم داعش كونه منتسب”.
وتابع “حاولوا قتله بأطلاق النار عليه، لم يصب لكن ذلك كان سبباً في وقوعه على صخرة في النهر هشمت اضلاعه”.
وأكمل علي “بقينا انا ورفيقي المصاب (عباس) – من اهالي الشطرة- يومين، حيث بعد ان ساعدني في فك وثاقي بدأت بالبحث عن اي شئ صالح للاكل، شريطة عدم الابتعاد عن المكان خوفاً من اعين داعش وزمرتهم، حيث اضطررنا لأكل الدود والحشرات، بسبب الجوع”.
واردف “صنعت لرفيقي سريراً من القصب عله يساعده في الحصول على الراحة من وجعه، حيث بدأت صحته تتراجع شيئاً فشيئاً، وكنت اشك باصابته بنزيف داخلي”.
وتابع بمرارة “طلب مني عباس الرحيل، واقنعني بادعائه ان رحيلي ضروري لغرض جلب المساعدة اليه بالسرعة الممكنة، وطلب مني ان اقص حكايتنا على كل من سأقابلهم، وان لا انساه”.
ضفة أخرى
قطع علي النهر سباحة ليلاً، وذلك بعد ان تأكد من ان عباس يختبئ وسريره جيداً بين الاشجار، وكذلك بعد ان قطع له وعداً بالعودة لنجدته قريباً.
وصل “علي” الضفة الاخرى والتي تمثل جانب تكريت الشرقي، ومن فرط ارهاقه، التجأ لكرسي سيارة كان مرمياً على جانب الطريق لراحة سريعة ما لبثت ان تحولت الى نوم عميق حتى طلوع الفجر.
يقول علي “ما ان طلع الفجر حتى هرعت لطلب المساعدة لصديقي المصاب، كل من صادفتهم من الاهالي قاموا بإمدادي بالطعام وكل ما احتاج لكنهم رفضوا نجدتي خوفاً من بطش التنظيم وجواسيسه”.
واضاف “بعد ان فقدت الامل، قابلت مجموعة من الفتية الذين اصطحبوني لوالدهم المسن، طمأنوني انهم سيفعلون ما بوسعهم لنجدة صاحبي، وطلبوا مني البقاء في ضيافتهم لحين اتصالهم بأحد شيوخ عشائر ناحية العلم”.
وأكمل “لم ارفض عرض الضيافة، فقد انهكتني رحلتي الطويلة وكنت بحاجة ماسة لقسط من الراحة”.
ويتابع علي سرد قصته قائلاً “بقيت في ضيافة الشيخ وابنائه ثلاثة ليال، وكانوا يطمئنونني بأنني باق معهم او يقتلون دوني، الى ان وصل الخبر بأن امري قد اكتشفته المجاميع الارهابية وانهم ارسلوا من يبحث في اثري، حينها قررت الرحيل”.
بعد ان اقنع “علي” الشيخ وابناءه بضرورة المغادرة، قاموا باصطحابه لبيت الشيخ “خميس الناجي الجبارة” حيث رحب الاخير بمقدم “علي” ، وطمأنه بقوله “خذ الامان فقد نجوت”.
الامان
يقول الشيخ “نزال الناجي الجبارة” وهو يصف تلك الايام بقوله “علاوي كان ضيفنا، لم نسأله عن هويته او طائفته، فهو عراقي اولاً، استضفناه ورحبنا بمقدمه، وقد كانت شقيقتي الشهيدة أمية من ضمن اوائل المرحبين به”.
ويتابع الشيخ نزال”كان اول مطلب لعلي فور وصوله هو نجدة صاحبه، لكنني وبعد ان وصفه ووصف موقعه، احترت بالكيفية التي يجب فيها اخباره بأن الاوان كان قد فات، وان رفيقه قد غادر الحياة، حيث علمت بذلك الامر من قبل وصول علي”.
واضاف “كنت حينها في مرحلة البحث عن اهل عباس، ولا زلت ابحث خصوصاً بعد ان عرفت من علي اسم الشهيد والمحافظة التي ينتمي اليها”. وأردف “بعد ان علم (علاوي) بما حدث، لم ينم ليلته، وكان يشعر بالحزن الشديد على رفاقه جميعاً”.
وتابع “من ضمن الامور التي حدثت اثناء تواجده، انه اتصل بابناء عمومته لطمأنتهم عل سلامته، واثناء اتصاله سمعت الشهيدة أمية بالصدفة علياً يتحدث قائلاً: اي مراح أأمن بأحد وما اثق بأحد. حينها بادرت الشهيدة بأخذ الهاتف من يد علي واخبرت ابن عمه بما فحواه: ما راح يمسه احد بسوء الا على جثثنه”
هوية مزورة
اثناء تواجد “علي” في منزل الشيخ خميس الجبارة، حدثت المواجهات والمعارك بين عشائر الجبور و”داعش”، والتي استمرت طيلة فترة تواجده وما بعدها، مروراً بحادثة استشهاد الشيخة أمية الجبارة، وعن ذلك يتحدث الشيخ نزال “كانت المعارك قد احتدمت في الفترة التي كان فيها علي في ضيافتنا، في النهاية استشهدت امية، فبكاها علي بحرقة”.
وأضاف “بقي علي في ضيافتنا مايقرب من ثلاثة عشر يوماً، وكان في ضيافة اهالي ناحية العلم من عشائر جبور ما يقرب من. 300 جندي من اهالي الجنوب وصلوا جميعاً بعد تأمين الطريق لأهلهم سالمين غانمين”.
وأكمل “قبل مغادرته قمنا بتزوير هوية جديدة له، غيرنا فيها لقبه واسمه، وقبل مغادرته طلب مني الدعاء له لكي يصل سالماً وتقر عيناه برؤية أطفاله”.
وتابع “غادرنا علي برفقة مجموعة من ابناء العشيرة، حيث خرجوا من المدينة متجهين صوب الحويجة مروراً بكركوك ومن ثم الى اربيل، الى ان وصل مدينته بعد رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر، حيث اجتاز فيها مايقرب من 20 سيطرة تعود جميعها لتنظيمات داعش”.
من فرح سالم