تشريعات العمل في العراق بين الواقع والمستقبل!
إعداد : وسام جاسب عوده
مدير برنامج العراق – بغداد
مركز التضامن العمالي الدولي
رقة مخصصة لمؤتمر المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي ” “تعزيز الحوار والمصالحة، والعمل من أجل التعايش السلمي، والفرص المتاحة للتضامن الدولي مع المجتمع المدني العراقي” المنعقد في اوسلو للفترة 27-29 اكتوبر 2014
مقدمة :
لا زالت التشريعات العمالية التي سنت أبان نظام صدام حسين سارية المفعول ولم يجرى أي تعديل جوهري عليها بإستثناء ما قام به الحاكم المدني الأمريكي في العراق بول بريمر أبان دخول القوات الأمريكية الى العراق بعد 2003 ، وتمثل ذلك ببعض التعديلات على فصل عمالة الأطفال في قانون العمل العراقي رقم 71 لسنة 1987.
تشريعات العمل سارية المفعول في العراق وعلى وجه الخصوص قانون العمل المذكور وقانون التنظيم النقابي العمالي رقم 52 لسنة 1987 تتقاطع وفي عدة بنود مع إتفاقيات العمل الدولية وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بحق المفاوضة الجماعية وحرية التنظيم النقابي في القطاع العام وحق الإضراب إضافة الى وجود ثغرات كبيرة فيما يتعلق بآليات حل نزاعات العمل الجماعية وتمثيل العمال على مستويات موقع العمل أو المهنة أو المستوى الوطني ، إضافة الى عدم وجود حماية قانونية كافية للعمال فيما يتعلق بمنع التمييز والتحرش وحظر العمل القسري .
وفيما يخص قانون التنظيم النقابي فالقانون ساري المفعول يحظر تشكيل عدة اتحادات عمالية ويقتصرها على منظمة عمالية واحدة وهذا ينافي اتفاقية العمل الدولية رقم 87 لسنة 1948 وإن لم يصادق عليها العراق الا انها تعتبر ملزمة كون العراق عضو في منظمة العمل الدولية ويلتزم بتطبيق إعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل لعام 1998 والذي يتضمن في بنوده ضمان حق وحرية التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية. كما ان نطاق سريان قانون التنظيم النقابي يقتصر على قطاعات العمل الخاص والمختلط والتعاوني دون القطاع العام وهذا مخالف وبصورة جلية لاتفاقية العمل الدولية المذكورة.
الوضع الحالي لمسودات القوانين والتغييرات الجديدة المحتملة
قامت الحكومة العراقية عام 2004 بالإعداد لمسودة قانون عمل جديد وجرت مناقشتها مع اطراف الحوار الاجتماعي في العراق وتم ارسالها الى مجلس شورى الدولة ومن ثم الى مجلس الوزراء وتمت المصادقة عليها وارسالها الى البرلمان في عملية إستغرقت عدة سنوات ، وباشرت لجنة العمل والشؤون الاجتماعية في مجلس النواب العراقي العمل على تلك المسودة عام 2012 بعرضها على اطراف الحوار الاجتماعي وبعض المنظمات الدولية منها منظمة العمل الدولية ومركز التضامن العمالي الدولي لإبداء الرأي ، ومن خلال المذكرات الفنية الثلاث لمنظمة العمل الدولية ونتائج الاجتماعات والمؤتمرات وورش العمل التي أقامها مركز التضامن العمالي الدولي بمشاركة ممثلي النقابات العراقية والبرلمان العراقي ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومنظمة العمل الدولية والاتحاد الدولي للنقابات تبين ان المسودة المعدة للتصويت تحتوي على ثغرات كبيرة وبحاجة الى مراجعة دقيقة ، وجرى العمل من قبل اللجان البرلمانية على إجراء التعديلات وتم التصويت على المواد الـ 46 الأولى من القانون ، بالرغم من عدم إدراج كافة التعديلات لأسباب قد تستوجب إعادة المسودة الى الحكومة العراقية للعمل عليها مجددا وهذا ما قد يستغرق وقتا طويلا.
نجحت الأطراف المذكورة وبتعاون تام من قبل لجنة العمل البرلمانية بإدخال تعديلات هامة على المسودة والتي لم يحتويها القانون 71 ساري المفعول منها :-
- حظر أسوء شكل عمالة الأطفال طبقا لإتفاقية العمل الدولية رقم 182 لعام 1999التي صادق عليها العراق عام
- حظر التمييز في الاستخدام والمهنة وكذلك على مستوى البحث عن فرص العمل والتدريب.
- حظر العمل القسري.
- حظر التحرش الجنسي في العمل.
- الإقرار بحق المفاوضة الجماعية وحق الإضراب.
فيما يتعلق بمسودة قانون التنظيم النقابي فكانت هناك مقترحان ، المقترح الأول أعد من قبل النقابات العمالية العراقية بدعم فني من المنظمات الدولية ومقترح آخر اعد من قبل لجنة العمل البرلمانية .
المقترح المعد من قبل النقابات العراقية يتوافق كليا مع معايير العمل الدولية المتعلقة بالحقوق والحريات النقابية في حين ان مقترح لجنة العمل الأولي يحوي على عدد كبير من المواد التي تتعارض مع معايير العمل الدولية. وبسبب التباين الكبير في المقترحين أعدت لجنة العمل مقترح ثالث يحاكي في المضمون ما قدمته النقابات في مسودتها بإستثناء انه لا يشير الى حق التنظيم النقابي في القطاع العام والذي يمثل أولوية قصوى للنقابات العراقية بجانب حق إقرار التعددية النقابية ، وكان هناك إتفاق بين النقابات العراقية ولجنة العمل البرلمانية بحضور ممثلي منظمة العمل الدولية والاتحاد الدولي للنقابات ومركز التضامن العمالي الدولي على قبول المقترح بصورة أولية لتقديمه للقراءة الأولى ليكتسب صيغة مسودة قانون بعد ان كان مقترح قانون على ان يتم إدخال حق التنظيم النقابي في القطاع العام بعد إجراء القراءة الأولى. وبالفعل تمت القراءة الأولى لمقترح قانون التنظيم النقابي المذكور في شهر كانون الثاني 2014 على امل إستئناف العمل بين النقابات العراقية ولجنة العمل البرلمانية بهذا الخصوص لكن عدم إستقرار الوضع السياسي في العراق القى بضلاله على عمل مجلس النواب العراقي وعدم إقامة الجلسات في الدورة السابقة لعدة أشهر مما حال دون إتمام هذا المشروع وإكمال التصويت على قانون العمل الجديد.
الأولويات التي يجب التركيز عليها في هذه الفترة في المدافعة عن الإطار القانوني
بهدف ضمان تشريع قانون عمل وآخر للتنظيم النقابي متوافقان تماما مع معايير العمل الدولية على النقابات العمالية العراقية ولجنة العمل البرلمانية مواصلة عملهما المشترك بهدف تسديد الثغرات في القوانين والاولويات التي يجب التركيز عليها هي :
- مراجعة المواد الـ 46 التي تم التصويت عليها من قبل البرلمان العراقي والمواد المتبقية قيد التصويت ومطابقة ذلك مع معايير العمل الدولية ومذكرات منظمة العمل الدولية الثلاث الموجهة للحكومة العراقية ومراجعة مقترحات ومقررات ورش العمل والإجتماعات والمؤتمرات التي نفذها مركز التضامن العمالي مع النقابات العراقية واللجان البرلمانية والشركاء الدوليين.
- التأكيد على عدم إستثناء أي تعديلات تتوافق مع معايير العمل الدولية وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بعقود العمل الفردية والجماعية وآليات التفاوض الجماعي وحل النزاعات سواءا كانت فردية ام جماعية ، نزاعات حقوق او مصالح وتضمين القانون أحكام واضحة وغير قابلة للتأويل في هذا الشأن.
- عدم إستثناء المقترحات التي تخص توفير الحماية القانونية الكافية للعاملين من عمليات التسريح من العمل غير المستندة على أسس قانونية والفصل التعسفي وإيضاح هيكلية ومهام وصلاحيات لجنة إنهاء الخدمة المقرة في القانون.
- توفير حماية قانونية للعمال العاملين مع الشركات الثانوية والمتعاقدة من الباطن مع الشركات الرئيسية.
- مراجعة صياغة المواد القانونية بالكامل كون البعض منها يحتمل تفسيره في أكثر من وجه مما قد يسبب بعض الإشكالات القانونية للأطراف التي ينظم عملها القانون.
- مراجعة مسودة قانون التنظيم النقابي التي تمت قراءتها كقراءة أولى في البرلمان العراقي من قبل الأطراف ذات العلاقة ( الحكومة والنقابات ) وعرضها على مكتب العمل الدولي لغرض إبداء الرأي بهدف إجراء التعديلات اللازمة والمباشرة بالقراءة الثانية خلال الفصل التشريعي الأول لمجلس النواب.
- إطلاع النقابات على مسودة قانون التقاعد والضمان الاجتماعي النهائية لغرض دراستها وإبداء الرأي قبل المباشرة بقراءتها والتصويت عليها في مجلس النواب العراقي.
- حث مجلس الوزراء العراقي على المصادقة على مقترح قانون التصديق على إتفاقية العمل الدولية رقم 87 لسنة 1948 والخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم وإعادتها الى مجلس النواب للتصويت عليها.
التحركات القادمة ونوع التضامن الدولي المطلوب
كان لعمل النقابات العراقية كفريق واحد أثر بالغ في تحقيق هذه الإنجازات على مستوى تعجيل اصدار قوانين عمل جديدة بعد سنوات طويلة من الإنتظار وكذلك المساهمة في ابداء الرأي وإجراء التعديلات اللازمة في فرصة لم تتح للنقابات العراقية منذ عقود طويلة.
وكان للمنظمات الدولية كمنظمة العمل الدولية والاتحاد الدولي للنقابات والاتحاد الأمريكي للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية ومؤتمر النقابات البريطاني وبعض المنظمات النقابية الأوربية ومركز التضامن العمالي الدولي وبعض منظمات المجتمع المدني كمنظمة جسر الى الإيطالية ومبادرة منظمات المجتمع العراقي والمنتدى الاجتماعي العراقي دورا فاعلا كل حسب نشاطاته من توفير الدعم اللازم للنقابات العراقية للسير قدما في موضوع التشريعات العمالية الجديدة من خلال مختلف الأنشطة التي تمثلت بتقديم الدعم الإستشاري وتدريب أعضاء النقابات العراقية على معايير العمل الدولية لبناء خلفية قانونية تمكنهم من المشاركة في عملية صياغة وتعديل القوانين وكذلك إقامة المؤتمرات وتوجيه رسائل مساندة للنقابات العراقية الى الجهات التشريعية في العراق وإقامة حملات المناصرة للنقابات العراقية لتمكينها من الدفاع عن حقها في إصدار قوانين عمالية عصرية. ووفق تقييم أنشطة الحملة في الفترة الماضية نلاحظ ان النقابات العراقية بحاجة الى ما يلي :-
- ديمومة عملها المشترك في هذا الاتجاه وتوحيد الجهود الدولية لتقديم الدعم الممكن للنقابات العراقية حسب ما تقرره وفق خطة عملها في هذا الاتجاه.
- توسيع نطاق الحملة الوطنية والدولية لإصدار تشريعات العمل الجديدة وذلك بإنضمام منظمات مجتمع مدني محلية ودولية بهدف تقديم الدعم المعنوي والمناصرة بخصوص هذا الموضع الهام.
- إستمرار حملات الضغط وتوسيعها داخليا لتشمل كافة التنظيمات في جميع المحافظات بعد إن إقتصرت في فترات ما على الاتحادات الرئيسية دونما فروعها.
- التواصل مع المنظمات الدولية وإطلاعها على تطورات سير الحملة والمستجدات لتتمكن من تقديم الدعم اللازم في الوقت المناسب.