السكان المحاصرون في الجبهات.. «خوّنة وجواسيس» ولا أحد يثق بهم
يُعاني سكان القرى والمدن التي تسيطر عليها داعش والتي تحولت إلى جبهات قتال بين الجيش العراقي وحلفائه من الميليشيات الشيعية وبين تنظيم “داعش”، أزمات عديدة أبرزها عدم ثقة الطرفين المتصارعين بالسكان فكل طرف يعتبرهم “خوّنة وعملاء” للطرف الآخر.
الأسبوع الماضي انتشر مقطع فيديو بشكل واسع بين العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي وأصبح له شعبية كبيرة، والفيديو يظهر فيه رجل مسن يسكن في قرية شمال بغداد وهو يتحدث إلى عناصر من تنظيم “داعش” الذي يسيطر على القرية ويقوم بمدحهم ويشتم الجيش العراقي والميليشيات الشيعية.
وبعد أيام على هذه الحادثة تمكنت قوات من الجيش العراقي والميليشيات من تحرير هذه القرية، واعتقلت الرجل ذاته واعتبرته خائناً، لكنه قال في مقابلة أخرى أجرتها معه عناصر الميليشيات إن تنظيم “داعش” أجبره على شتم الجيش والميليشيات.
هذه الحادثة توضِّح ما يعاني منه سكان القرى والمدن التي تشهد جبهات وساحات قتال بين قوات الجيش وحلفائه من الميليشيات الشيعية وبين تنظيم “داعش”، إذ إن هؤلاء السكان في نظر الطرفين خوّنة وعملاء للطرف الآخر، كما إنهم يقعون ضحية للمعارك بسبب القصف والاعتقالات وحصار المدن.
وهناك العديد من الجبهات بين الجيش وحلفائه وبين التنظيم المتشدد تمتد من مدينة الأنبار غرب البلاد إلى الشمال في الموصل وصلاح الدين وإلى الشرق في ديالى، وتلك الجبهات تضم قرى ومدن يسكنها الآلاف من السكان الذين يفضلون البقاء في منازلهم على أن يكونوا لاجئين في المدن الأخرى.
كريم الناصري مزارع يسكن في منطقة “التأميم” في مدينة “بيجي” التابعة إلى محافظة صلاح الدين شمال بغداد، يقول لـ “نقاش” إن “داعش يسيطر بين فترة وأخرى على المنطقة، وهو ينظر إلى السكان على إنهم عملاء وخونة للقوات الأمنية رغم إننا من الطائفة السنية”.
ويضيف “قام التنظيم المتشدد باعتقال عدد من سكان المنطقة وقتلهم بتهمة التعاون مع القوات الأمنية، وفي الأسبوع الماضي هرب مقاتلوه ودخلت القوات الأمنية إلى المنطقة وهم أيضا يعتبروننا خونة وعملاء للمتشددين إذ إن كلا الطرفين لا يثقون بنا”.
ويمتلك “داعش” العديد من السجون الخاصة به في المناطق الواقعة تحت سيطرته، وغالباً ما يستخدم مؤسسات حكومية سابقة مثل مباني الجامعات أو مجلس المحافظة كسجون ويقوم برفع علمه عليها لإيهام طائرات التحالف الدولي بأنها إحدى مقراته”.
وفي إحدى المرات قصفت طائرات التحالف الدولي سجناً في الموصل يضم العشرات من المعتقلين من عناصر القوات الأمنية السابقين بتهمة العمالة للحكومة، واستغل التنظيم المتشدد الحادثة لإثارة استياء سكان الموصل ضد الحكومة والولايات المتحدة.
ويشهد العراق يومياً معارك على جبهات مختلفة بين طرفي النزاع وهذه الجبهات متواصلة منذ شهور دون أن يقوم أي طرف بحسم نهائي فيها، وهو ما يستنزف قدرات الطرفين القتالية.
ويقول ضابط كبير في وزارة الدفاع طلب عدم الإشارة إلى اسمه لـ “نقاش” إن “عدد الجبهات مع تنظيم داعش تبلغ نحو 30 جبهة في محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى والموصل وأربيل تشهد قتالاً عنيفاً بشكل يومي”.
ويضيف غالبية الجبهات تحدث في قرى وبلدات مأهولة بالسكان، ويرفض سكانها المغادرة لخوفهم من التشرُّد إذا أصبحوا لاجئين خارج مدنهم، كما إن تنظيم “داعش” يجبر بعض سكان المناطق على عدم مغادرتها لاستخدامهم دروع بشرية.
وبشأن المعاملة السيئة التي يتعرض لها السكان عند تحرير مدنهم يقول الضابط إن الجيش لا يقوم بذلك وإنما بعض أفراد الميليشيات التي ترافق الجيش في جبهات القتال ويضيف “نحن نقوم بإجراءات للكشف عن عناصر داعش العراقيين المتخفين بين السكان”.
في مدينة “بهرز” التابعة لمحافظة ديالى شمال شرق بغداد، يقول ماجد العبيدي أحد سكان المدينة إن “قرى مدينتهم تحولت إلى ساحة قتال بين الميليشيات الشيعية وتنظيم داعش، وهناك معارك كر وفر بين الطرفين”.
العبيدي الذي اختطفت الميليشيات الشيعية أحد أشقائه بتهمة انتمائه إلى التنظيم المتشدد لأنه رفض قيامها بتفتيش منزله قبل أن تخرج زوجته وبناته من المنزل أثناء التفتيش، يقول إن “الميليشيات الشيعية وداعش يعاملون السكان بشكل سيئ، وكل طرف يعتبرهم جواسيس للطرف الآخر”.
ومن المشكلات الأخرى التي تعاني منها هذه المدن هو الخراب الذي تتعرض له المنازل ومحطات الماء والكهرباء والخدمات، أما المشكلة الأكبر فهي غالباً ما تكون مُحاصرة بين الطرفين ولا يستطيع سكانها المغادرة إلى المدن المجاورة لجلب الطعام والوقود.
وعلى سبيل المثال فإن منطقة “الخالدية” شرق مدينة الرمادي في الأنبار تعاني من حصار منذ إسبوعين، ويقول نعيم الدليمي أحد شيوخ عشائر المنطقة لـ “نقاش” إن “الأغذية نفذت من المنطقة ونريد الخروج منها لجلب الطعام ولكن الجيش يفرض حصاراً حولها”.
الدليمي يقول أيضاً إن “تنظيم داعش يفرض حصاراً من الجانب الآخر من المدينة ويمنع خروج أي شخص منها وهو يسعى لاستخدام السكان دروع بشرية، كما إننا نعاني من قلة الأدوية والمستلزمات الطبية”.
الرعب والخوف والموت في أي لحظة هو ما يشعر به سكان المناطق التي تشهد معارك في العراق، كما أنهم ضحية للصراع العسكري منذ شهور في مناطقهم، بعضهم جرّب أن يكون لاجئاً خارج مدينته لكنه فضل العودة الى منزله بسبب الاوضاع السيئة التي يعاني النازحين.