مرحلة ما بعد داعش في سنجار .. أعمال انتقامية ضد العرب
في سنجار مجزرة، لكن هذه المرة ضد العرب وليس الآيزيديين فهي بوادر الأعمال الانتقامية في مرحلة ما بعد تنظيم “داعش” في المناطق المحررة بمحافظة نينوى.
أعمدةُ النيران تتصاعد من المنازل، وصراخ النساء والأطفال وهم يفرون للنجاة بأنفسهم تتعالى، رجال وشبان يُقتادون إلى مصير مجهول، على هذا كله أفاق سكان قريتي “السيباية والجري” العربيتين في سنجار (110 كم غرب الموصل).
جماعة مسلحة من أتباع الديانة الآيزيدية تدعمهم عناصر من الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري التابع لحزب العمال الكردستاني (PKK)، طوقوا القريتين وبدأوا أعمال قتل واختطاف ونهب وإحراق للمنازل، بحسب شهود عيان.
الآيزيديون يتهمون سكان هاتين القريتين المجاورتين لهم بارتكاب جرائم ضدهم ونهب وسلب ممتلكاتهم بعد سيطرة “داعش” على المنطقة في آالماضي، لذا توعدوهم مراراً بالانتقام، والمتهمون ينفون صلتهم بـ “داعش” ويقولون إن الذين انتموا للتنظيم فروا مع عائلاتهم إلى الموصل بعد تحرير المنطقة من قبل قوات البيشمركة الكردية.
زهرة إحدى الناجيات مما باتت تُعرف بـ”مجزرة سنجار” تحدثت لـ”نقاش” عن ما شاهدته قائلة “دخل مسلحون إلى بيتنا وأطلقوا النار في الهواء، ثم طلبوا مني اقتياد ابنتي الصغيرة باتجاه مسجد القرية، بينما أمروا زوجي وولدّي الآخران بالبقاء، توسلت إليهم أن يسمحوا لي اصطحاب الصغيرين معي لكنهم صرخوا في وجهي رافضين”.
“هناك وجدت جمعاً كبيراً من النساء والأطفال وقد علا صراخهم وسط حالة من الرعب، خاطبَنا زعيمهم وكان بعض رفاقه يصوروننا بهواتف نقالة، وعدنا أنهم لن يؤذوننا، لكن قبل أن يختم أمرنا بترك القرية فوراً”.
“ونحن نغادر سيراً على الأقدام اعترضنا مسلحون وسلبونا مصوغاتنا الذهبية، أحدهم قال والغضب يتطاير من عينيه “من لا تمتثل للأوامر سأنزع عنها ثيابها” تتابع المرأة التي ترتدي زي الحداد منذ ذلك اليوم.
الفوضى عمّت المنطقة حينما تصاعدت أعمدة الدخان من القريتين وغادرت فواج النساء والأطفال منها، وعندما علم أقاربهم في القرى المجاورة إن أمراً خطيراً يحصل لم يستطيعوا فعل شيء خاصة بعد تعرض بعض من حاول إجلاء الفارين لإطلاق نار وأُصيب عشرة منهم بجروح.
وصلت زهرة وابنتها بسلام إلى منزل أقاربها، غير أنها كانت تذرف الدموع على زوجها وابنيها اللذين تركتهما تحت رحمة أشخاص تقودهم ثورة غضبهم، ولم تنفك تسأل عن مصيرهم مثل عشرات الأمهات اللواتي فقدنَّ أزواجاً أو أبناء.
استمرت أعمال النهب والتخريب طوال يومين، يقول ماجد علي الذي يسكن قرية مجاورة وينتمي للعشيرة ذاتها “رأينا عمليات نهب لجميع السيارات والمواشي وكل ما يمكن نقله، كانت العجلات تخرج محمَّلة باتجاه قرى الآيزيديين”.
“في الليل تسلل بعض رجال العشيرة إلى داخل القرية، فوجدوا جثثاً لرجال ونساء مسنين وأطفال أُعدموا ثم أُحرقوا ولم يستطيعوا دفنها خوفاً من هجوم مباغت” يضيف علي.
بعد يومين صار المشهد أكثر وضوحاً، عدد القتلى في القريتين وصل إلى 25 بينهم نساء وأطفال، والمفقودين منهم تجاوز عددهم الخمسين، بحسب إحصائية أعدّها أحد وجهاء العشيرة ونشرها على صفحات التواصل الاجتماعي.
في هذه الأثناء انتشر خبر الحادثة وزار وفد من مجلس محافظة نينوى المنطقة برفقة قوات البيشمركة، وعقب الزيارة علق عضو المجلس حسام العبار “استمعنا إلى شهادات ذوي الضحايا وشاهدنا من بعيد أعمال سلب ونهب في ثلاث قرى عربية، واتفقنا مع البيشمركة على إقامة حاجز أمني بين العرب والآيزيديين”.
“عاد الوفد الزائر وبعدها بساعات حاول مسلحون الهجوم على قرية رابعة، لكننا قررنا الدفاع عن انفسنا فاشتبكنا معهم واجبرناهم على التراجع” يقول علي.
أبناء العشائر العربية طلبوا مساندة قوات البيشمركة إذ لمسوا موقفاً إيجابياً منها بعدما حُررت 30 امرأة وطفلاً نُقلوا من قريتي “السيباية والجري” إلى مشارف جبل سنجار.
وزادت الثقة بهذه القوات عندما أبلغ أحد قادتها أبناء العشائر العربية بالوقوف إلى جانبهم لحماية قراهم من الأعمال الانتقامية.
الضجة التي أحدثتها هذه المجزرة والاتهامات التي وُجهت إلى قادة آيزيديين بعينهم بالتورط فيها، دفعت الزعماء الآيزيديين المسؤولين عن المناطق المحرّرة في سنجار إلى عقد اجتماع وإدانة الحادثة والوعد بعدم تكرارها، ونسبها إلى عناصر مجهولين لا ينتمون إلى أي فصيل مسلح.
وفيما انشغل الساسة والزعماء بالاتهام ورده على بقية الأطراف كان هناك نحو ألف عائلة بحسب مجلس المحافظة نزحت عن قراها وهي بأمس الحاجة إلى مساعدات عاجلة، وعلى الأرض المئآت من أبناء العشائر المسلحين استعادوا السيطرة على مناطقهم، ورغم وجود بسيط لقوات البيشمركة لكن لا أحد يضمن استمرار الهدوء النسبي في المنطقة سيما وإن المنطق القبلي وروح الانتقام هي السائدة.
بالنسبة لزهرة المرأة التي كانت مترقبة، حلّت عليها فاجعة كبيرة، فقد وجدت جثث زوجها وطفليها متفحمة بعد يومين من الحادثة في أحد منازل القرية.