قانون الأحزاب يحظر الفصائل المسلحة، لكن الواقع يبقيها أكثر قوة
تشترط المادة الثامنة من الفصل الثالث من قانون الأحزاب السياسية وهو الفصل المُتعلّق بأحكام التأسيس أن لا يكون تأسيس الحزب أو التنظيم السياسي وعمله متخذاً شكل التنظيمات العسكرية أو شبه العسكرية كما لا يجوز الارتباط بأية قوة مسلحة، وفقاً لما جاء في القانون المنشور على الموقع الرسمي لمجلس النواب العراقي.
وبالاستناد إلى هذه المادة وغيرها من مواد نصّ عليها القانون تصبح الفصائل المسلحة العراقية التي يبلغ عددها أكثر من (42) أمام خيار واحد هو حلّها ونزع سلاحها.
الظروف التي يمر بها العراق والتي تتمثل بمحاربة تنظيم داعش تجعل من الصعب حلّ هذه الفصائل التي تشكِّل رأس الحربة في أكثر من جبهة ضد التنظيم، كونها تمثل النسبة الأعلى في قوات الحشد الشعبي المرتبطة رسمياً بالحكومة العراقية عن طريق هيأة تحمل الاسم نفسه، وبالتالي يصبح وجود هذه الفصائل ضرورةً ملحة تحتاج إلى غطاء قانوني ليس بالضرورة أن يكون متوفراً في قانون الأحزاب السياسيّة الذي يعارض وجودها كقانون منفرد.
ورغم إخفاق مجلس النواب في تشريع قانون الحرس الوطني لوجود خلافات عميقة بين الكتل السياسية حول بنوده، إلا أن هذا القانون ربما سيكون الملجأ القانوني للفصائل المسلحة العاملة في العراق اليوم والتي يرتبط معظمها بأحزاب مشاركة في العملية السياسية أو ربما سيكون هنالك قانون بديل باسم آخر لحسم الأمر.
فالغطاء الرسمي الذي يوفّره ارتباط فصائل الحشد الشعبي بالحكومة لا يزال يواجه الكثير من الانتقادات لكون هذه الفصائل لم تصبح حتى اليوم قوات حكومية تخضع لوزارتي الدفاع والداخلية.
“هذه الفصائل أو المعلن عنها على الأقل مرتبطة بالحكومة وبالقائد العام للقوات المسلحة باعتبار العراق يخوض حالة حرب وعلى المدى المستقبلي يجب أن تدمج ضمن القوات العراقية”، يقول سامي العسكري عضو مجلس النواب.
ويضيف العسكري “هنالك رأي داخل المجلس بأن يصدر قانون للحشد الشعبي يجيز بقاء هذه القوات وارتباطها بالحكومة لتصبح جزءاً من منظومة لا علاقة لها بالأحزاب التي أنشأتها في الأساس”.
تبقى مسألة خروج هذه الفصائل من أحضان الأحزاب التي أنشأتها لترتمي في أحضان الحكومة العراقية محلّ استفهام الكثير من المراقبين الذين يرون في هكذا أمر جوانب غير مقنعة، إذ إن الكثيرين من عناصر هذه الفصائل هم بالأساس أعضاء فاعلون في أحزابهم التي تنتمي إليها هذه الفصائل فضلاً عن أن الكثير من هذه الفصائل شكِّلت على أساس أنها حزب سياسي في المدة الماضية ودخلت الانتخابات الوطنية والمحلية بمسمّياتها.
يقول أمير الوائلي وهو ضابط سابق “هل يُعقل أن حزباً سياسياً يمتلك خمسة آلاف مقاتل على سبيل المثال سيترك هؤلاء المقاتلين ليكونوا منتسبين في أجهزة الدولة الأمنية ويمنع من ضمّهم إلى صفوفه؟ هذه خسارة للحزب لن يقبل عليها أحد”.
ويضيف الوائلي إن “القانون أضاف عقدةً جديدة وهي منع منتسبي الأجهزة الأمنية من الانتماء إلى أي حزب سياسي وهذا الأمر سيشكّل خطورة بالغة، لأن ولاء هذا المنتسب سيكون لحزبه في حال لم يكن مقتنعاً بعمله العسكري ضمن القوات الأمنية الحكومية”.
لا يؤمن الوائلي وغيره الكثيرون بأن من الممكن فصل الأجنحة العسكرية للأحزاب عنها لكون طبيعة نشأتها والظروف التي تعاصرها تفرض عليها أن تكون كياناً ذا طبيعة عسكرية قبل أن تكون كياناً سياسياً.
بالمقابل يرى البعض أن القانون فُصّل على مقاس الأحزاب السياسية الموجودة حالياً، ما يُبقي المخاوف من الالتفاف عليه حاضرة وبقوة.
اللواء الركن المتقاعد عبد الكريم خلف وهو مدير غرفة العمليات السابق في وزارة الداخلية العراقية يرى أن القانون لن يسمح إلا للأحزاب الموجودة في العملية السياسية اليوم بالبقاء وممارسة العمل الحزبي، ويلمّح إلى إمكانية التفاف هذه الأحزاب على القانون لا سيما في ما يتعلق بمسألة الفصائل المسلحة.
ويقول خلف إن “القانون سيهمّش شريحة واسعة من العراقيين، وهم الأعضاء السابقون في حزب البعث المنحل فضلاً عن أن جميع بنوده الأخرى لا سيما المتعلقة منها بالتمويل وبالفصائل المسلحة من الممكن الالتفاف عليها فهم بارعون في ذلك”.
وخلافاً لما ينص عليه القانون تبدو الفصائل المسلّحة العاملة حالياً في العراق متجهةً لتصبح أكثر قوة وتنظيماً من ذي قبل بانتظار تشريعات جديدة ربما تكون أكثر ملاءَمةً للطبيعة العسكرية للأحزاب العراقية بحكم الظروف الراهنة.