تحقيق-“سأستدفئ بنار الانتقام”.. الكراهية تخيم على أطلال سنجار العراقية
رويترز – ايزابيل كولز
سنجار (العراق) (رويترز) – تعد طاولات النزهات على الجبل المطل على بلدة سنجار من المظاهر المتبقية لزمن كانت تعيش فيه الطوائف المختلفة جنبا الى جنب في هذا الجزء من شمال غرب العراق.
كان هذا قبل أن يجتاح متشددو تنظيم الدولة الإسلامية المنطقة في اغسطس آب العام الماضي ليقتلوا أعدادا كبيرة من سكانه اليزيديين ويألبوا الجار على جاره. وتمت استعادة السيطرة على البلدة لكن الضرر الذي لحق بالعلاقات بين سكانها السابقين ربما لا يكون قابلا للإصلاح.
تذهب الشاحنات الصغيرة الى البلدة وتعود محملة بكل شيء من أطباق استقبال القنوات الفضائية الى الدراجات ذات الثلاث عجلات التي نهبت من منازل مسلمين سنة يتهمهم اليزيديون بالتواطؤ في أعمال وحشية ارتكبت ضدهم.
وقال شاب يزيدي بينما كان يحاول وضع مجموعة من الارائك على ظهر شاحنة صغيرة حمراء “هذا منزل جارنا. جئت لأخذ متعلقاته والآن سأنسف منزله.”
واعترف الشاب اليزيدي الذي طلب عدم نشر اسمه بأنه لا يحتاج الى الأرائك لكنه يمكن أن يقطعها ويستخدمها كحطب لإيقاد نار للاستدفاء من برد الشتاء قائلا “سأستدفئ بنار الانتقام.”
كان مصطفى جار الشاب اليزيدي عربيا سنيا انضم لتنظيم الدولة الإسلامية وهدده قبل أن يهاجم المتشددون سنجار ويحاصروا قرى في أغسطس آب 2014 فقتلوا مئات المنتمين لهذه الطائفة واستعبدوا آلافا آخرين فهم يرون أنهم يعبدون الشيطان.
واستعادت القوات الكردية بلدة سنجار من قبضة التنظيم السني المتشدد الأسبوع الماضي في هجوم استمر يومين دعمته ضربات جوية نفذتها قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
ويجري الكشف الآن عن مزيد من الأدلة على الفظائع التي وقعت هناك. لقد عثر على مقبرة تضم رفات اكثر من 70 امرأة يزيدة طاعنة في السن إلى الشرق من سنجار مطلع الأسبوع.
داخل البلدة كتبت كلمتا “سني” و”يزيدي” على أبواب منازل ومتاجر. يقول اليزيديون إن المتشددين هم الذين وضعوا هذه العلامات لتمييز المنازل والمتاجر التي سينهبونها ويحرقونها.
وقال يزيدي آخر من منطقة سينوني شمالي الجبل وكان من بين ما نهبه شواية لحم ومقعد “لا ندخل إلا المنازل التي تحمل كلمة سني.”
في شارع مجاور ساعد برجيس حسن ولده في جر وحدة مطبخ كاملة إلى خارج منزل.
وقال “كل هؤلاء كانوا مع الدولة الإسلامية… ديننا يحرم أن نأخذ شيئا من الآخرين لكن هذه الأشياء مباحة لنا.”
وأضاف “يستطيع الشيعة أن يعودوا لكننا لن نقبل بالسنة. إذا جاءوا إُلى هنا فسنقتلهم.”
وأقر راشو عمر داناي (54 عاما) وهو يزيدي من قوات البشمركة بأنه ليست أيدي كل العرب السنة ملطخة بالدماء لكنه قال إن اثنين فقط من كل مئة أبرياء.
ومازال معظم اليزيديين يعيشون في مخيمات بمنطقة كردستان ويقول داناي إنهم لن يعودوا بصفة دائمة الا اذا حصلوا على أسلحة ثقيلة للدفاع عن أنفسهم بالإضافة إلى ضمان بالحماية من المجتمع الدولي.
بطاطا وتي.إن.تي.
قبل اجتياح الدولة الإسلامية كان يعيش في سنجار والقرى المحيطة نحو 200 الف شخص معظمهم أكراد وعرب من الطائفتين السنية والشيعية الى جانب المسيحيين واليزيديين. واليزيدية ديانة تجمع بين عناصر من عدة أديان قديمة بالشرق الأوسط.
الآن باتت البلدة شبه مهجورة. لكن في صف من المنازل التي استخدمها متشددو تنظيم الدولة الإسلامية بدت علامات على أنه كان هناك من يشغل أحدها مؤخرا اذ تفوح رائحة الطعام المتعفن وتناثرت الحشيات والوسائد الاسفنجية على الأرض.
وثبتت الأغطية على النوافذ من الداخل تفاديا لدخول الضوء والكشف عن وجود شاغليه الذين كتبوا اسماءهم على الجدران بالداخل بقلم ملون وكذلك عبارة “خليفة المسلمين” في إشارة إلى زعيم التنظيم ابو بكر البغدادي.
وتم لصق لافتة على باب ِإحدى الخزانات كتب عليها “لا يفتح إلا بأمر الأمير.” إلى جواره كان هناك كيس من البطاطا (البطاطس) وآخر به مادة تي.إن.تي. المتفجرة.
في غرفة منفصلة كانت تستعمل كمكتب على ما يبدو توجد آثار ممارسة عمل إداري مثل قائمة مطبوعة باسماء المتشددين الذين تلقوا أجرا قدره 30 الف دينار عراقي (27 دولارا) وسجل باسماء 142 رجلا يشاركون في دورة للشريعة الإسلامية بمنطقة سنجار.
كما تركوا وراءهم نموذجا يستعمل لطبع شعار الدولة الإسلامية.
وتناثرت طبعات حديثة من مجلة تصدرها الدولة الإسلامية على مكتب بالإضافة الى عدة نسخ من رسالة مطبوعة تأمر “الاخوة في سنجار” بحفر خندق للاحتماء من الضربات الجوية.
كما حفر المتشددون شبكة أنفاق تحت الأرض مكنتهم من التحرك في أنحاء البلدة دون رصدهم.
أعلام
بعد إعلان النصر على المتشددين في سنجار قال الزعيم الكردي مسعود البرزاني إن علم منطقة كردستان العراق هو الوحيد الذي سيرفرف فوقها ليبعث بذلك رسالة الى حكومة العراق والفصائل الأخرى التي تتنافس على النفوذ بالمنطقة.
حقيقة الأمر أن مجموعة من الأعلام والرموز التي تدل على جماعات كردية ويزيدية مختلفة تزين الأطلال.
يغطي علم منطقة كردستان أعلى مبنى في سنجار وهو صومعة حبوب لكن رايات أصغر لجماعات متنافسة مرتبطة بحزب العمال الكردستاني علقت الى جواره.
كان العلم الأقل وضوحا هو علم العراق الذي ليس له سوى وجود رمزي فوق مكتب رئيس البلدية.
ويتمركز أفراد من الشرطة العراقية جميعهم من اليزيديين في فيلا من طابقين لأن قاعدتهم الموجودة على الجانب الآخر من الشارع يحتلها حزب العمال الكردستاني الذي اكتسب موطئ قدم في سنجار حين أنقذ فرعه السوري آلاف اليزيديين الذين تقطعت بهم السبل في الجبل. وتضم قوات الحزب في المنطقة مقاتلين من تركيا وسوريا.
ترفرف صورة لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان على سارية علم في ميدان في سنجار بينما لصقت صور البرزاني على الجدران.
وتزيد سيطرة كل مجموعة على منطقة نفوذ من احتمال وقوع أعمال عنف جديدة في بلدة تلفها المأساة.
في مكتب ناظر مدرسة للبنين تحولت الى قاعدة عسكرية قال القائد اليزيدي قاسم شيشو إن حزب العمال الكردستاني ليس محل ترحيب.
وأضاف “لن نتنازل عن سنجار لأي قوة أجنبية. أتمنى أن يفكروا مليا حتى لا يندلع صراع مهلك بيننا.”