ليس فقط الشيعة، بل جميع المكونات العراقية تشارك وتدعم المظاهرات
المونيتر – سعد سلوم
الإزدحام في شارع محمد القاسم في بغداد في الساعة الثانية من ظهر يوم الخميس 31 تشرين الاولالجاري، لم يكن سببه سوى بائع متجول للعلم العراقي، وقف في منتصف الشارع ليبيع اعلاما صغيرة الحجم لكل سيارة تمر بمبلغ الف دينار عراقي (أقل من دولار). الشارع الذي يعد أطول الطرق السريعة التي تلتف حول محيط مدينة بغداد لم يشهد احتفاء بقطعة القماش المنسية هذه من قبل، تمر السيارات ويرفرف العلم من نوافذها في مشهد تضامن واسع، في حين يبتسم البائع المتجول الذي أزدهر عمله فجاءة بسبب الاحتجاجات، يقول للمونيتور في سعادة غامرة “بعت لحد الان أكثر من الف علم ولم تتجاوز الساعة الثانية ظهرا”.
وفي مشهد اوسع مما يحدث في شارع محمد القاسم، فإن الإحتجاجات بعثت روحا خامدة تحت الرماد بين العراقيين من كافة الطوائف والإثنيات.
فقد أعلن مجلس شؤون الصابئة المندائيين في ميسان جنوب العراق عن الغاء جميع مظاهر الاحتفال بمناسبة عيد الازدهار المندائي، والاقتصار على الطقوس الدينية احتراما لدماء الضحايا من المحتجين الذين سقطوا برصاص القوات الأمنية في بغداد والمحافظات، وشرح رئيس الطائفة المندائية في ميسان”نظام كريدي” في حديثه مع المونيتور طبيعة مشاركة أفراد الأقلية المندائية التي تضمنت مسيرة تضامنية للمندائيين في المحافظة دعما لمطالب المحتجين، ووزعت موادا غذائية على المتظاهرين.
على صعيد متصل الغى الكاردينال “لويس ساكو” بطريرك بابل على الكلدان في العراق سفره الى هنغاريا للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزراء هنغاريا، مفضلا البقاء في بغداد في هذه الظروف التي وصفها بـ” العصيبة”، وأشار في حديثه مع المونيتور الى إنه زار بمعية مطارنة أخرين في صباح يوم الاثنين 28 تشرين الاول 2019 جرحى الاحتجاجات في مستشفى الكندي ببغداد، وقدم مبلغا من المال لشراء ادوية للجرحى. كما دعا الكاردينال رؤساء الطوائف المسيحية وممثلون عنهم صباح الثلاثاء 29 تشرين الثاني 2019 الى لقاء تشاوري في مقر البطريركية الكلدانية ببغداد، يتعلق بالأحتجاجات، ثم صدر بيان في ختام اللقاء أكد على الوقوف الى جانب المتظاهرين، ودعم مطالبهم المشروعة، شاكرا “هؤلاء الشباب والشابات وهم مستقبل العراق، على سلميتهم وكسرهم الحواجز الطائفية، وتاكيدهم على الهوية الوطنية العراقية الواحدة، ومطالبتهم أن يغدو العراق وطنا للجميع، متأسسا على المجتمع المدني واحترام التعددية”. وطلب البيان من الحكومة أن تضطلع بمسؤوليتها تجاه حماية حياة المتظاهرين وحقهم في التعبير السلمي عن رأيهم.
في حين أطلق نشطاء مسيحيّون من سهل نينوى حملة تضامن مع الإحتجاجات ليلة 27من تشرين الأول الجاري وتحت شعار “نحن مسيحيّو سهل نينوى، نتضامن مع إخوتنا المتظاهرين، ونعتذر عن الخروج بتظاهرة لأنّ مدننا لا يُسمح لها بالتظاهر”وقرنوهامع الهاشتاك الشهير للتظاهرة#نريد_وطن، #نازل_أخذ_حقي.
وبيّنت الناشطة المدنية رند خالد صبيح للمونيتور الى إن المبادرة تطمح لإقامة أنشطة وفعاليات وحملات أخرى منها حملة دعم الجرحى والأشخاص الذين يحتاجون الدعم.وبينت بوصفها احدى المشاركات في المبادرة الى إنها تعد نقطة انطلاق لتشجيع جميع المسيحيين على التضامن مع الاحتجاجات، مبنية تضمن المبادرة رسالة قوية بإننا “كمسيحيين معكم، أنتم نحن ونحن أنتم”، مشددة على إن العراقيين على اختلاف اديانهم هم”شعب واحد يحبّ الحياة”.
أما في الموصل، فإن المتضامنين من سكانها السنة الذين وقعوا في قبضة داعش طوال سنوات فقد عبروا عن تأييدهم للأحتجاجات عبر السوشال ميديا ايضا، وقوبلت مبادراتهم باستدعاء من قبل جهات امنية متنفذة لكتابة تعهد شخصي بعدم تحريك الشارع لمساندة المظاهرة حسب ما أخبر أكثر من ناشط المونيتور.وتعلق الناشطة الموصلية “ليلى صالح”على هذه التطورات بقولها إن”اغلب المتضامنين هم من الفئة الشبابية من كلا الجنسين، لهم نشاط مجتمعي ومدني ولم تستطع الاحزاب السياسية المؤدلجة او حتى الفصائل المسلحة كسب ودهم خلال مرحلة ما بعد التحرير من داعش”، وتفسر سبب تضامنهم بالقول إلى إنهم “وجدوا في محتجي بغداد والمحافظات الجنوبية عناصر مشتركة مثل الوقوف ضد الفساد الحكومي وسطوة الاحزاب وحماية الميليشات للفاسدين الممولين لتلك الفصائل”، كما تعلق على استدعاء الجهات الأمنية لهم بقولها إن ذلك اضطر الناشطين للخروج من المدينة طلبا للحماية، وفضل أخرون السفر للالتحاق بالأحتجاجات في بغداد والمحافظات،وشجع ذلك النازحين من اقرانهم في بغداد والمحافظات للالتحاق بهم.
في حين كان الموقف الكردي متفاوتا بين صمت رسمي وتأييد ضيق من قبل بعض النخب من صحفيين وناشطين ونواب البرلمان الاتحادي من الاحزاب المعارضة للحزب الحاكم في أربيل، والذين أصدروا بيانا تضامنيا وقع عليه أكثر من مائة ناشط، اعلنوا فيه إن الاحتجاجات الشعبية تعبير صادق وشجاع بوجه سوء استخدام السلطة، وضم أصواتهم لأصوات المحتجين الذين وصفهم البيان بـ”الشجعان”و”الرافضين لطريقة ادارة البلاد عبر منظومة متكاملة من الفساد والمحاصصة الحزبية وسطوة المافيات والميليشيات المسلحة التي تهيمن على مجمل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية في البلاد”.وقدم البيان تفسيرا لإنطلاقها بذكر تحويل الدولة إلى مؤسسات عائلية وطائفية بغطاءات مختلفة، وفي ذلك إشارة نقدية خفية الى الحكم العائلي في اقليم كردستان ايضا، كما يشير البيان الى “ربط مستقبل البلاد بمصالح ونفوذ نخب سياسية واقتصادية فاسدة وتسخير سيادتها وإمكاناته لمصالح إقليمية وأجنبية سبب آخر من أسباب غضب الشارع ودفعه للاحتجاج”.
ويفسر ناشطون ومعلقون أكراد سبب الصمت الرسمي الى الحذر، بل الخوف على المكتسبات التي تحققت للأكراد في ظل النظام السياسي بعد عام 2003. فهناك تخوف من ضياع هذه الحقوق، خاصة بعد تحسين وضع العلاقة بين الإقليم والمركز في عهد عبدالمهدي.
وتبين هذه التحركات، أن الحركة الإحتجاجية الحالية، رغم تمركزها في المناطق الشيعية، ولكنها لم تكن طائفية ومنحصرة على الشيعة.