الخلافات الكردية تصل إلى أوروبا: نهاية العام .. بداية سيئة للدبلوماسية الكردية
دخل اقليم كردستان منذ الثاني عشر من تشرين الاول (اكتوبر) الماضي بشكل تام في مرحلة جديدة حيث منعت قوة مسلحة بأمر من قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني رئيس برلمان كردستان من دخول مدينة اربيل التي كان عائدا اليها من مدينة السليمانية لمزاولة عمله في برلمان كردستان.
ومنذ ذلك اليوم ولا يزال الوضع الاقتصادي للاقليم معلقا على الرغم من المحاولات السياسية العديدة، ولكن يبدو انه لم تتمكن اية محاولة من تخفيف آثار أحداث الثاني عشر من أكتوبر.
وجاءت زيارة مسعود بارزاني – الذي لا يعترف اي من الاحزاب الرئيسية الاربعة في برلمان كردستان ما عدا الحزب الديمقراطي بشرعية منصبه الحالي منذ التاسع عشر من آب (اغسطس) الماضي- الى دول الخليج والمملكة العربية السعودية في وقت تشتد التوترات السياسية والامنية في المنطقة وقد ادى اسقاط الطائرة الحربية الروسية من قبل تركيا الى تسارع التطورات.
وعلى الرغم من نشر العديد من الشائعات والانباء حول الزيارة زعمت تلقي بارزاني مساعدات مالية كبيرة من السعودية مقابل دعمه السنة في العراق، الا ان رئاسة اقليم كردستان رفضت تلك المعلومات واعلنت في بيان نشر في السادس من كانون الاول (ديسمبر) الجاري ان زيارة بارزاني الى الرياض كانت لبحث الاوضاع والاحداث السياسية الاخيرة.
وبالاضافة الى الاحداث الحالية التي تشهدها المنطقة والعراق، أثار منصب بارزاني نفسه أزمة كبيرة داخل اقليم كردستان، فمن الناحية القانونية “انتهت الولاية الثالثة” لبارزاني في التاسع عشر من آب (اغسطس) لذلك لم تكن الاحزاب الاربعة الرئيسية الاخرى مستعدة للمساومة على تمديد ولاية بارزاني.
ولكن قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني وبارزاني نفسه مصرون على منحه المنصب من جديد مع صلاحياته السابقة، وقد ادت هذه الخلافات الى تعطيل تام للعملية السياسية والادارية.
من جهة اخرى وفي التوقيت نفسه وصل الدكتور يوسف محمد رئيس برلمان كردستان (الذي طلب منه حزب بارزاني رسميا التخلي عن منصبه كما منعه الحزب نفسه بالقوة من دخول اربيل) الى العاصمة البلجيكية بروكسل. ويقول كامران سبحان مستشار رئيس البرلمان للشؤون الاعلامية: “ان الزيارة جاءت بدعوة رسمية من البرلمان الاوروبي”.
والقى الدكتور يوسف خلال زيارته خطابا كرئيس برلمان كردستان في الرابع من كانون الاول (ديسمبر) دعا فيه الى مزيد من الدعم لاقليم كردستان ضد داعش وقال: “كثيرا ما تتصرف الميليشيات وكأنها فوق القانون، وقد اجبرونا بعد الثاني عشر من تشرين الاول (اكتوبر) من هذا العام على العودة الى محافظة السليمانية ولم يسمحوا بدخولنا اربيل، كما اجبروا اربعة وزراء على ترك اعمالهم”.
وقد جاء كلام الدكتور يوسف كإشارة لتوضح ان هناك سلطة “ميليشياوية” موجودة في عاصمة اقليم كردستان وهي فوق القانون.
ويوضح المشهد الحالي ان القوى الكردية لم تكن مختلفة فيما بينها بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 بقدر اختلافها الان كما لم تصدر خلافاتها الى خارج الاقليم.
فاذا حاول محلل سياسي او سياسي في الخارج فهم الخلافات الكردية فيكفيه الاستماع الى عدة جمل من تصريحات رئيس برلمان كردستان فقط ليعرف الوضع وان ما يوضح المشهد اكثر هو التوضيح الذي نشرته ممثلية اقليم كردستان في اوروبا والذي وصف د. يوسف والوفد معه بانهم “وفد حركة التغيير وليس برلمان كردستان”.
وبعد إعلان يوسف محمد من ألمانيا ان عددا من ممثليات اقليم كردستان في اوروبا “ارادوا منع الزيارة وحاولوا عرقلتها”، قالت ممثلية اقليم كردستان في اوروبا في توضيح نشر في السادس من كانون الاول (ديسمبر) الجاري، قالت انها لم تحاول ابدا عرقلة “زيارة د. يوسف ووفد التغيير” دون الاعتراف بكونه رئيسا لبرلمان كردستان. متهمة يوسف محمد بانه “حاول تقديم صورة مشوهة عن تجربة اقليم كردستان لأوروبا”.
ويبدو ان زيارة رئيس برلمان كردستان الى اوروبا كان لها تأثير في تغيير نظرة السلطات والسياسيين الاوروبيين الذين يظهرون كأصدقاء ومتعاطفين مع الكرد منذ اعوام، فبعيد اجتماعه مع كلوديا روث نائبة رئيس البرلمان الالماني في الخامس من كانون الاول (ديسمبر)، كتبت روث على صفحتها في الفيسبوك: “استقبلت اليوم د. يوسف محمد رئيس برلمان اقليم كردستان وتبادلنا بالتفصيل الآراء حول الاوضاع الحالية في كردستان والعراق.
يحتاج اكراد شمال العراق الى مساعداتنا ودعمنا في قتالهم ضد داعش، لأنهم يلعبون دورا مهما في تحقيق السلام وتعزيز المنطقة، ولكنني قلقة من ان الاكراد ليسوا على وئام في سياستهم الداخلية في حين ان برلمانهم معطل”.
ويشدد المحللون والخبراء الكرد على ان تشرذم الدبلوماسية الكردية سيؤثر تماما على “البيت الكردي المضطرب” حيث بدأت الان حدود حرب القوى العظمى تتحدد في المنطقة تماما ويكاد الكرد يقعون ضمن دائرة التوترات المستقبلية دون ان تكون لهم خطة موحدة.
وقال د. ريبوار كريم محمود الاستاذ المختص في العلوم السياسية في جامعة السليمانية لـ”نقاش”: انه “في وقت يزداد اصدقاء اقليم كردستان بسبب الحرب ضد الارهاب، تعلم الدول الاجنبية ان اقليم كردستان لا يملك كلمة موحدة في القضايا المصيرية وربما تثبت الزيارات المختلفة وغير المتفقة لبارزاني ود. يوسف ووفد وزارة البيشمركة ذلك. ان هذه الزيارات المختلفة والتي تفتقر الى التنسيق دليل على تشرذم البيت الكردي ولم تبق شيئا للوحدة وستقع مسؤولية هذا الوضع على عاتق الجميع”.
وبالاضافة الى ذلك زار وفد من وزارة البيشمركة ايطاليا والفاتيكان وقد ترأس الوفد كريم سنجاري وزير البيشمركة وكالة فيما استبعد الوزير الحقيقي بضغط من الحزب الديمقراطي الكردستاني ولا يستطيع العودة الى اربيل.
اذا فإن ثلاثة سلطات مهمة هي (التشريعية والتنفيذية والعسكرية) في اقليم كردستان في خلاف و بعيدة عن الوئام ليس في الداخل فحسب بل عند زيارة الخارج ايضا، لذلك فان الدبلوماسية الكردية الآن هي عكس الدبلوماسية في العالم فبدل كسب التعاطف والدعم لمشاريعهم السياسية يشتتون بها بيتهم في الخارج ويقسمون أصدقاءهم.