المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

في اسباب سقوط الموصل: المالكي و تدمير الجيش العراقي من الأعلى

IraqArmy605-474852250

عن مركز كارنيغي للشرق الاوسط

 جزء من تقرير مفصل من اعداد فلورنس غاوب المحلّلة البارزة في “معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية”.

حتى قبل تولّي المالكي منصبه، سعت القيادة العراقية إلى تحصين نفسها من “الانقلاب العسكري”، وركّزت جهودها على وجه الخصوص على قيادة الجيش العراقي الذي أُعيد تشكيله. ومع ذلك، مضت التدابير التي قام بها المالكي، الذي تولّى مهام منصبه قبل أشهر فقط من تخلي الولايات المتحدة عن سيطرتها على الجيش العراقي في العام 2007، إلى ماهو أبعد من ذلك بكثير، حيث جعل عملية صنع القرار العسكري مركزية تحت قيادته، واستغلّ الولاءات الشخصية أو الانتماءات الطائفية لاستبعاد الأطراف الفاعلة السياسية المنتخَبة الأخرى. وأسّس جماعات شبه عسكرية كثقلٍ موازن للقوات المسلحة، وأنشأ أجهزة أمنية لمراقبة الجيش. وسعى المالكي أيضاً إلى منع العمل الجماعي، عن طريق التدخّل مباشرةً في العلاقات بين الضباط وجنودهم.

كان “مكتب القائد العام” أداة المالكي الرئيسة لتعزيز السيطرة على القوات المسلحة، استخدمه لتجاوز مؤسّسات الدولة الأخرى المعنيّة من الناحية النظرية بالعلاقات المدنية-العسكرية. ترأس المكتب، الذي صُمّم في الأصل كهيئة للتنسيق برئاسة رئيس الوزراء، فاروق الأعرجي، وهو حليفٌ للمالكي كان قد خدم في جيش صدام حسين، وتمت ترقيته إلى رتبة لواء ومعاون للقائد العام للقوات المسلحة. بهذه الصفة، أشرف الأعرجي على وزارتَي الدفاع والداخلية (وتجاهلهما)، وسيطر بالفعل على المسائل الأمنية في العراق. كان الأعرجي، الذي عمل خارج أي إطار قانوني، مسؤولاً فقط أمام رئيس الوزراء.

ما أن تولّى المالكي حقيبتَي الدفاع والداخلية في العام 2010، حتى أصبح مكتبُ القائد العام الهيئةَ التنفيذية الفعلية لقطاع الأمن كله، الأمر الذي أدّى إلى تهميش الوزارات المعنية. وعلى الرغم من وجود معارضة مدنية لجهود المالكي لتوطيد سلطته، إلا أنها كانت ضعيفة جداً وتفتقر إلى الخبرة. لم يتم وضع آليات كافية للرقابة، وأدّى الوضع الأمني المتدهور إلى تحويل الانتباه إلى مكان آخر. أما الذين عارضوا التجاوزات التنفيذية للمالكي بنشاط، فقد تمّت معاقبتهم وتهميشهم في الغالب. ووجد وزير الدفاع آنذاك عبد القادر العبيدي، الذي سعى إلى عدم تسييس الوزارة والقوات المسلحة، نفسه ممنوعاً من خوض انتخابات العام 2010 بدعوى ارتباطه بحزب البعث، وهو اتّهام لا أساس له. كما جاءت معارضة أنشطة المالكي في قطاع الأمن من مقتدى الصدر والزعيم الكردي مسعود البارزاني. فكثيراً ما انتقد الصدر، وهو رجل دين شيعي يتزعم حركة سياسية-عسكرية كبيرة وحليف سابق للمالكي، رئيس الوزراء علناً. وبحلول العام 2008، تم نفي الصدر وحلّ ميليشياته تماماً.

مع ذلك، استأنف الصدر انتقاداته بعد عودته إلى العراق في العام 2011، وأصدر “تحذيراً نهائياً للحكومة كي تتحمّل واجبها في حماية الشعب” و”ملاحقة وطرد الأعضاء غير الأكفاء والخونة في الأجهزة الأمنية الذين لايسعون إلا إلى السلطة والزهو”.

في الوقت نفسه، اتّهم البارزاني، وهو رئيس إقليم كردستان العراق، المالكي بأنه سلطوي يسعى إلى ممارسة السلطة الكاملة على القوات المسلحة. في العام 2012، أنهى البارزاني تعاونه مع المالكي، وأثار احتمال انفصال الأكراد. وكما ذكر موقع المونيتور، فقد دعا البارزاني إلى “حلّ قيادة الجيش العراقي لأنها غير دستورية” وانتقد سيطرة المالكي على قطاع الأمن. وتحدّى البارزاني أيضاً الرئيس ورئيس البرلمان ومجلس الوزراء “بسبب عدم مواجهة أساليب المالكي الديكتاتورية”.14 وقد أيّد البارزاني والصدر تصويتاً في البرلمان بحجب الثقة عن حكومة المالكي في العام 2012، لكن التصويت فشل بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني.

في ضوء غياب معارضة مدنية فعّالة، كرّس المالكي السيطرة على القطاع الأمني من خلال سلسلة من التدابير. فقد أنشأ مراكز قيادة إقليمية تجمع كل عمليات الجيش والشرطة في المحافظات التسع الأكثر تضرّراً من العنف في العام 2007، ووضعها تحت قيادة جنرالات موالين له. ثم استخدم المالكي هذه المراكز، التي كانت ترتبط مباشرة بمكتبه، لتجاوز هيئات صنع القرار الأخرى، بما في ذلك وزارتَي الداخلية والدفاع. وبدلاً من المرور عبر هيكل القيادة الرسمي، أنشأ المالكي هيكل قيادة غير رسمي عن طريق إصدار أوامر مباشرة للضباط، لابل كان يتصل بهم شخصياً في بعض الأحيان. وكان المالكي يربك أيضاً الخطط القتالية عندما يرغب في ذلك، عن طريق تحريك قواته والأمر بالقبض على الأفراد المعارضين.

في ظل حكومة المالكي، أخضع مكتب القائد العام وحدات عدّة من النخبة إلى سيطرته، مثل اللواء السادس والخمسين من الفرقة السادسة في الجيش العراقي (المعروف أيضاً باسم لواء بغداد). وقد أدّى ذلك إلى إضعاف سلطة وزارة الدفاع. تم نقل مقرّ قيادة “قوات العمليات الخاصة” أيضاً من وزارة الدفاع إلى مكتب القائد العام، واستُخدِم بصورة متزايدة باعتباره جهاز الأمن الشخصي للمالكي، المكلّف باستهداف خصومه السياسيين. وسرعان ما اكتسبت تلك القوات لقب “فدائيي المالكي”، مكرّرةً تجربة “فدائيّي صدام” السابقة، وهي القوة شبه العسكرية المكلفة بحماية النظام والتي أنشأها في تسعينيات القرن الماضي الرئيس العراقي السابق. قبل إنشاء المكتب، كان استهداف شخص ما بحاجة إلى موافقة اللجنة الوزارية للأمن الوطني، ورئيس الوزراء، ورئيس أركان القيادة المشتركة للجيش العراقي، ووزراء العدل والداخلية والدفاع. بحلول العام 2010، بدأ المالكي بالإشارة إلى نفسه باعتباره القائد العام، على الرغم من عدم وجود مثل هذا المنصب وفقاً للدستور العراقي. ومن خلال الزعم بأنه يمتلك السلطة “بصفته القائد العام”، طالب المالكي بإعادة فرز الأصوات في انتخابات العام 2010، وطلب إقالة مسؤولين كبار من “لجنة النزاهة” المكلفة بمكافحة الفساد.

كما تدخّل المالكي في السياسة الخاصة بأفراد الجيش لإنشاء شبكة من الضباط الموالين له. فقد عيّن ورقّى الضباط من دون موافقة البرلمان المطلوبة، من خلال تصنيف هذه القرارات على أنها مؤقّتة، وقام بتجنيد الأفراد ذوي الخبرة العسكرية الضئيلة أو المعدومة في سلك الضباط (كان يطلق عليهم ضباط الدمج). وكانت وظيفتهم تتمثّل في الحفاظ على شبكة من مخبري المالكي في المؤسّسة العسكرية. واضطرّ قادة كبار من ذوي الخبرة أيضاً إلى التنحّي أو إلغاء قراراتهم في الكثير من الأحيان.

 أما الضباط الذين حاولوا تقليص دور الميليشيات الشيعية، فقد تم طردهم من دون أي اعتبار للإجراءات الرسمية والتسلسل القيادي. وتم تطهير الضباط الأكراد من فرقتين عسكريتين في الموصل، والاستعاضة عنهم بموالين للمالكي. ولم يتمّ تحميل الضباط المقرّبين من رئيس الوزراء المسؤولية عن الفشل، خلال التحقيقات الفاشلة في هجمات إرهابية.

هذه التعيينات والترقيات وعمليات الطرد من الخدمة جعلت الجيش العراقي خاوياً من أي مظهر لمبادئ الجدارة.

حققت التدابير التي قام بها المالكي التأثير المطلوب: لم تعد القوات المسلحة في وضع يمكّنها من القيام بانقلاب. مع ذلك، وبمجرّد أن حان وقت القتال على نطاق واسع أثناء تقدّم تنظيم داعش في الموصل في حزيران/يونيو 2014، لم يكن الجيش قادراً على خوض حرب فعّالة فكانت سيطرة التنظيم على الموصل، لحظة حالكة بالنسبة إلى الجيش العراقي الذي شهد تفكّك فرقه الأربعة المدجّجة بالسلاح بشكلٍ سريع.