الطائفية وباء منتشر في الفضاء الرقمي، فاحذروا منه
عن دراسة لألكساندرا سيغل عن الطائفية ومناهضة الطائفية على الإنترنت
يبدو أن السرديات الطائفية وخطاب الكراهية في تصاعد في جميع أنحاء العالم العربي، بدءاً من الخطب الحماسية التي ينشرها الدعاة السلفيون، وانتهاءً بأشرطة الفيديو الدامية التي يوزّعها تنظيم (داعش). وبينما تحتدم الصراعات في العراق وسورية واليمن، تنتشر الرسائل العدائية والصور العنيفة على مدار الساعة عبر قنوات الإعلام التقليدي والإعلام الاجتماعي على حدٍّ سواء.
وعلى الرغم من أن استخدام اللغة الطائفية ليس بالظاهرة الجديدة، تجد الافتراءات المعادية للشيعة والسنّة، والتي تجرّدهم من السمات الإنسانية، طريقها إلى الخطاب العام على نحو مطّرد. إذ تشير الدراسات النوعية والتقارير الصحافية إلى أن تصعيد الحرب الأهلية السورية وتصاعد وتيرة العنف الطائفي في العراق والتدخّل في اليمن بقيادة السعودية، تميّز بانتشار اللغة المتعصّبة، وخاصة خطاب الكراهية.
فاللغة التي تنظر إلى أفراد جماعة دينية باعتبارهم “مرتدّين” أو مسلمين مزيفين، تزداد انتشاراً ليس في أوساط رجال الدين والمقاتلين على الأرض وحسب، بل أيضاً في أوساط المواطنين العاديين مع تصاعد هذه الصراعات. ويبدو هذا التصعيد في اللغة الطائفية واضحاً، ولاسيّما في فضاء الإنترنت، حيث يتم تضخيم الأصوات المتطّرفة.
وبينما قد يبدو انتشارُ خطاب الكراهية أو الرسائل المناهضة للطائفية وحدها أمراً غير منطقي نسبياً في مواجهة تصاعد أعداد ضحايا المعارك والهجمات الإرهابية، فإن الاتجاه العام في قبول أو رفض الخطاب المتعصب الذي يبثّ الفرقة، يمكن أن ينطوي على نتائج موضوعية على أرض الواقع. فلطالما استغلّت الأسر الحاكمة والمحتلّون الأجانب والساسة المحليّون والزعماء الدينيون والجماعات المتطرفة، السرديّات الطائفية ذات النكهات والأشكال المتنوّعة لحشد الدعم، في حين كانوا يشوّهون سمعة خصومهم المحتملين ويشتّتون شملهم.
اليوم ليس استثناء. فقد تكون لدرجة اللغة والإيديولوجيات الطائفية التي يتردّد صداها لدى العرب، تداعيات جيوسياسية هامة. على سبيل المثال، فيما تقرع الأُسَر الحاكمة الخليجية السنّية ورجال الدين المدعومون من الدولة طبول الحرب، عمدت إلى حشد شعوبها خلف التدخّل في اليمن، من خلال تصوير مايجري على أنه معركة طائفية بين إخوانهم السنّة وبين المتمرّدين الحوثيين الزيديين الشيعة الذين تدعمهم إيران. وعلى الرغم من تعقيدات الصراع، فإن التركيز على الانقسامات الطائفية بدلاً من الدوافع الاستراتيجية للقتال مكّن هؤلاء الأُسَر من حشد الدعم المحلّي الذي تشتدّ الحاجة إليه، في حين تم إظهار من اعترضوا على أنهم خونة وموالون لإيران.
وكلما تشبّث المواطنون بالسرديّات الطائفية بسرعة، كلما سَهُل على الحكام توطيد سلطتهم وإضعاف المعارضة السياسية. وفي سياق مختلف، عندما ينتج تنظيم داعش أشرطة فيديو مستوحاة من هوليوود ويتخلّلها العنف ضد الشيعة وخطاب الكراهية، يتم تصوير الخلافات الدينية القديمة لكن الكامنة في الغالب، كعناصر في معركة مدعومة إلهياً من أجل الهيمنة.
على الرغم من هذه التبعات على الاستقرار والأمن الإقليمي والعالمي، لايُعرف سوى القليل عن كيفية انتشار السرديات الطائفية والمناهضة للطائفية مع مرور الوقت. وتسمح مجموعة فريدة من البيانات على موقع تويتر تم جمعها في مختبر وسائل الإعلام الاجتماعية والمشاركة السياسية في جامعة نيويورك – وهي تشكيلة تضم حوالى 7 ملايين تغريدة باللغة العربية تحوي كلمات مفتاحية معادية للشيعة والسنّة ومناهضة للطائفية، تم بثّها بين أوائل شباط/فبراير ومنتصف آب/أغسطس 2015 – بتحليل الأدوار التي تلعبها أحداث العنف والشبكات الاجتماعية في انتشار لغة التعصّب على شبكة الإنترنت.
نظراً إلى التحدّيات التي ينطوي عليها قياس المواقف الطائفية المتغيّرة بصورة منهجية – وهو موضوع حساس للغاية – بواسطة بيانات الدراسات الاستقصائية أو طرق البحث التقليدية الأخرى، فإن بيانات تويتر توفّر صورة غير مسبوقة للزمن الحقيقي لتغيُّر الخطاب مع مرور الوقت. علاوةً على ذلك، تتيح بنية تويتر المجال لتحليل علاقات الأفراد مع النخب السياسية ورجال الدين المعروفين، والمتشدّدين الذين يعبّرون عن أنفسهم بصراحة، والجماعات المتطرّفة، وغيرهم من المواطنين على المنصّة نفسها، مايوفّر رؤية ثاقبة مفصّلة وقيّمة لبُنية شبكات الاتصالات والمصادر التي يتلقى الناس منها المعلومات.
توفّر البيانات شواهد موحية على أن حجم الخطابَين الطائفي والمناهض للطائفية على الإنترنت يتذبذب بصورة كبيرة استجابةً لحلقات العنف الإقليمية، ولاسيّما في إطار ردّ الفعل على التدخّل في اليمن بقيادة السعودية، والاشتباكات بين الميليشيات الشيعية وتنظيم داعش في العراق، وتفجيرات المساجد الشيعية في منطقة الخليج. علاوةً على ذلك، لايُعدّ مستخدمو تويتر منعزلين عن بعضهم البعض في مجموعات متجانسة إيديولوجيّاً، بل غالباً مايتناقشون ويتشاطرون آراءهم المتنوّعة والمتضاربة. وأخيراً، السرديات الطائفية على الإنترنت صادرة عن مجموعة متنوّعة من مستخدمي تويتر، بمن فيهم رجال دين بارزين، وقادة ميليشيات شيعية، وأنصار تنظيم داعش، ورجال أعمال سعوديين نافذين، ووسائل إعلام تحظى بالشعبية، ومستخدمين عرب عاديين.
توفّر هذه النتائج نظرة ثاقبة إلى الطريقة التي تؤثّر من خلالها الأحداث على الأرض، في التعبير عن التسامح الديني والتعصّب في الفضاء الإلكتروني، فضلاً عن الدور الذي تلعبه الأطراف الفاعلة السياسية والدينية والمتطرّفة في قيادة هذا الحوار.
لقراءة الموضوع كاملا اضغط هنا