دور النقابات العمالية في السلم الاجتماعي وإرساء الحريات والعدالة الاجتماعية
وسام جاسب
ضمن أنشطة المنتدى الاجتماعي العراقي في دورته الثانية أقام المنتدى ومركز التضامن العمالي الدولي (برنامج العراق) جلسة حوارية بالتعاون مع النقابات العمالية العراقية يوم السبت 3 تشرين الأول 2015 وعلى حدائق أبو نؤاس في بغداد حول “دور النقابات العمالية في السلم الاجتماعي وإرساء الحريات والعدالة الاجتماعية”. حيث شارك 15 مشارك ومشاركة من ثلاث إتحادات عمالية عراقية (الاتحاد العام لنقابات عمال العراق GFITU واتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق FWCUI والاتحاد العام لنقابات العاملين في العراق GFWUI) كما إنضم عدد من الناشطين المدنيين الى الجلسة الحوارية من خارج النقابات العمالية.
وتناولت الجلسة عدة محاور شملت دور النقابات العمالية في تعزيز السلم الاجتماعي وما قامت به الاتحادات والنقابات في هذا المجال بعد اثنا عشر عام من عملها بعد 2003، الحريات النقابية وأثرها في تعزيز الحريات العامة، دور الاتحادات والنقابات العمالية في السعي الى تحقيق العدالة الاجتماعية، رؤية النقابات العمالية المستقبلية حيال موضوع السلم الاجتماعي والحريات والعدالة الاجتماعية في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في العراق.
وتميزت الجلسة بتناول قضايا هامة لا تتعلق بالنقابات العمالية وعمال العراق فحسب إنما إتسعت لتتناول رؤية الاتحادات النقابية للوضع المستقبلي للعراق على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فضلا عما سيؤول اليه وضع السل
م الاجتماعي في البلد في ظل عدم قدرة الحكومة على إجراءات إصلاحات حقيقية سواءا كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية.
نبذ الطائفية وإرساء السلم الاجتماعي
وتناول المشاركون والمشاركات من النقابات العمالية ما قامت به النقابات في مجال تعزيز السلم الاجتماعي في العراق خلال فترة عملها السابقة وتطرقت الى حملات التوعية التي قامت بها بين أوساط العاملين حول أهمية التعايش السلمي ونبذ الخلافات الطائفية والتنبيه الى المخاطر المستقبلية لهذا الموضوع سواءا على مستوى الافراد او على مستوى المجتمع عموما. ولم تقتصر التوعية تلك على أوساط العمال انما دأبت الاتحادات على مخاطبة المجتمع العراقي عموما حول هذا الموضوع من خلال البيانات التي أصدرتها النقابات في مناسبات عدة وإدراج الموضوع كأولوية تعمل عليها النقابات وتجلى ذلك واضحا في مقررات المؤتمرات العامة والمجالس المركزية للمنظمات النقابية. وإنتقلت النقابات من خطوة الخطاب الى خطوات عملية تمثلت بأعمال مساعدة النازحين جراء إحتلال داعش لمناطقهم وتذكير المجتمع ان ما يحدث الا هو نتيجة للتصعيد الطائفي وخطأ النهج الحكومي القائم على المحاصصة الطائفية الذي رسخ تقسيم المجتمع عبر بعض التيارات السياسية التي روجت للطائفية بهدف تحقيق مكاسب آنية على حساب مستقبل العراق وشعبه.
كما تطرق المشاركون الى سياسات الإصلاح التي تقوم بها الحكومة وعدها بإنها غير حقيقية وسوف لن يكون لها تأثير على تحسين الوضع العام في البلد. كما جرى الحديث الى ان موضوع السلم الاجتماعي قد تتناوله النقابات العمالية على انه الخطوات الرامية الى تقليل فجوة الصراع بين العمال وأصحاب العمل ومحاربة التمييز، إلا إنه في العراق أخذ جانبا أوسعا ووضع النقابات في وضع لا تحسد عليه في معالجة الظواهر السلبية التي تهدد السلم الاجتماعي في البلد عموما وليس على مستوى العمال وأصحاب العمل. وأكد المشاركون الى ان النقابات العمالية هي الوحيدة القادرة على تعزيز السلم الاجتماعي وهي من المنظومات الوحيدة التي استمرت نقية بعيدة عن الطائفية والتقسيم أو التمييز بين أعضاءها بأي شكل من الأشكال.
قانون العمل الجديد
وتم عرض تجربة النقابات العراقية في موضوع المشاركة في صياغة وتعديل قانون العمل العراقي الجديد الذي صادق عليه البرلمان خلال شهر آب 2015 والذي يعتبر من أفضل قوانين العمل في المنطقة والذي من الممكن أن يساهم وبصورة كبيرة في تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز السلم الاجتماعي وحل نزاعات العمل إن جرى تطبيقه بفاعلية على الأرض ، حيث إن مسؤولية إنفاذ القانون هو مسؤولية الحكومة بالدرجة الرئيسية عبر لجان تفتيش العمل التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية
وأشار المشاركون الى إن موضوع السلم الاجتماعي مهدد بخطر كبير بسبب سياسات الحكومة الاقتصادية وسعيها السير في طريق الخصخصة وهيكلة الشركات العامة وشركات التمويل الذاتي وتسريح العمال أو إحالتهم على التقاعد القسري وفرض سياسات التقشف على العمال والموظفين والفقراء مما سيسبب بكوارث إقتصادية وتهميش شريحة كبيرة من أبناء الشعب العراقي وهي الطبقة العاملة. وان ذلك ينعكس تماما على وضع العدالة الاجتماعية في العراق وتوسيع الهوة بين فئات المجتمع كما إن العدالة الاجتماعية هي الأخرى مهددة بسبب الوضع المالي للعراق خلال الفترة المقبلة وبسبب سياسات التكييف الهيكلي الناجمة عن لجوء الحكومة الى الإقتراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وذلك سيلقي بضلاله على الأمان الوظيفي والعمل اللائق وتوفير فرص العمل والضمانات الاجتماعية والتعليم والصحة وغيرها من أمور تنعكس على الفرد والمجتمع بتوفير حياة حرة كريمة لكافة أفراد الشعب.
الحاجة الى وضع استراتيجية نقابية عمالية موحدة
ولم يفت المشاركون التطرق الى مخاطر الإرهاب وتأثيره على السلم الاجتماعي والعدالة الاجتماعية وان النقابات تقف بالكامل ضد الإرهاب ومن يروج ويمول ذلك، وتطرق المشاركون الى موضوع هام وهو إن الإرهاب قد جاء للمنطقة ( الشرق الأوسط ) نتيجة الأزمة المالية العالمية السابقة ومحاولة الرأسمالية وضع إستراتيجية لتقسيم البلدان والإستفراد بها وبثرواتها ومقدراتها البشرية والمادية وما الإرهاب الى هو نتيجة وترجمة لهذه الاستراتيجيات الرأسمالية. وإن على النقابات العمالية مهام جسيمة لمواجهة جميع تلك التحديات لتخفيف آثار تلك السياسات الإمبريالية
أما فيما يتعلق بالحريات النقابية والحريات العامة فأكد المشاركون ان الحريات النقابية هي جزء أساسي من الحريات العامة وهناك إنتهاكات كبيرة للحقوق والحريات النقابية قامت بها الحكومة خلال السنوات الماضية ومنها منع التنظيم النقابي في القطاع العام وملاحقة النقابيين والناشطين في القطاع العام وإحالتهم الى المحاكم بتهم كيدية وتعريض مجموعة أخرى الى عقوبات النقل الى دوائر بعيدة جدا عن محل عملهم وسكنهم الأصلي إضافة الى ظاهرة الإعتداء على مقرات النقابات وغلقها كما حدث مع نقابات الكهرباء وتعرض القوات الأمنية للناشطين النقابيين والاعتداء عليهم كما حدث في محافظة ذي قار مؤخرا. ناهيك عن إعتراف الحكومة بإتحاد واحد وتجاهل البقية في صورة مخالفة لأسس الحوار الاجتماعي وغيرها من إنتهاكات ساهمت في تقويض الحريات النقابية وإنعكاس ذلك على الحريات العامة.
وأكدت النقابات العمالية المشاركة في الجلسة الحوارية الى ان الحاجة تبرز في الوقت الراهن الى وضع إستراتيجية نقابية عمالية موحدة تنطلق أساسا من مصالح العمال للدفاع عنها والمشاركة في صنع القرارات التي تتعلق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد لما له من تأثير مباشر على حياة العمال وعوائلهم وجددت النقابات العمالية رفضها لسياسات الخصخصة وسياسات التكييف الهيكلي المفروضة من مؤسسات التمويل الدولية ، وطالبت بإطلاق الحريات العامة والحريات النقابية والإسراع بالمصادقة على إتفاقية العمل الدولية رقم 87 لسنة 1948 وكذلك تشريع قانون الحقوق والحريات النقابية على ان يكون متوافقا تماما مع معايير العمل الدولية وكذلك تشريع قانونا للتقاعد والضمان الاجتماعي للعمال يتلائم والوضع الاقتصادي والاجتماعي للعمال وتوفير ضمان البطالة والضمانات الاجتماعية الأخرى.