الفرصة المتاحة: السلام
ياسر السالم- جريدة طريق الشعب
قبل أيام، أثارت مقاطع فيديو انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، تكشف عن انتهاكات يرتكبها جنود ضد مدنيين من أهالي الفلوجة، موجة استياء وجدل مجتمعي وسياسي.
وبحسب بيان للمرصد العراقي لحقوق الإنسان، فأن 609 أشخاص من أبناء المدينة الهاربين من جحيم داعش، أطلق سراحهم -بعد تعرضهم للاحتجاز- لثبوت براءتهم أثناء التحقيقات، وأن أربعة توفوا منهم لأسباب قيل أنها «اعتداءات بالضرب»، وأن أثنين آخرين نقلا إلى المستشفى بسبب خطورة حالتهما الصحية.
هذه انتهاكات وقعت، لا نستطيع الاكتفاء بهز رؤوسنا وتجاوزها، بحجة أنها تجاوزات فردية قامت بها عناصرٌ من الأجهزة الأمنية.
من الجيد أن رئيس الوزراء تحدث عن وقوع انتهاكات ضد المدنيين، ووجه بالتحقيق فيها، ووعد بمحاسبة مرتكبيها طبقاً للقانون. ومن المهم أيضاً أن وزير الدفاع أوعز إلى مديرية الاستخبارات في الوزارة بالتحقق. الأمر الإيجابي كذلك، هو ما تقوله القيادات العسكرية، بأن العملية العسكرية لتحرير الفلوجة كان يمكن أن تحسم في أيام لو لم تكن سلامة المدنيين والحفاظ على أرواح الأهالي الأبرياء مقدمة على عملية الاقتحام.
هذه رسالة مطمئنة في مضمونها، لكنها غير كافية، ما لم تجر، فعلياً، محاسبة مرتكبي الانتهاكات وتقديمهم للعدالة في أسرع وقت.. لا رغبةً في تضخيم حجم الانتهاكات، كما تتمنى وتريد أبواق الطائفية، بل لأن من شأن ذلك، أن يشكل ضمانة أكيدة لعدم تكرار الانتهاكات ضد المدنيين الأبرياء.
فالمعركة مع داعش لم تنته بعد، وثمة مئات ألوف المواطنين الضحايا، ينتظرون ساعة خلاصهم وتحريرهم من سطوة الإرهابيين.. ويتوجب عدم السماح للتصرفات المسيئة، أن تشكل رهبة لدى هؤلاء من ساعة الخلاص.
هذه ليست مسؤولية حكومة ومؤسسات دولة وقوى سياسية وحسب، بل هي مسؤولية مجتمعية -منظمات ونخب. فالاخطر من تلك الانتهاكات، أن يقف ضدها مدعّو التمثيل الطائفي فقط.
لاشك، أن المنعطف الحالي الذي يمر به البلد، هو الأشد خطورة حيث أن سمته الأساسية: الحرب على الإرهاب والخلاص منه.
لذا، في اعتقادي، أنه في بلد بحالة حرب، لا شيء أهم من أن نرسي قدر الإمكان ثقافة احترام حقوق الإنسان، كي نفتح السبل الكفيلة بالخروج من المأزق القائم.
ففي حالات الحرب، لاسيما تلك التي تجري داخل وطن واحد، لا شيء يشيع أكثر من روح الكراهية والانتقام والثأر، وبالتالي التطرف.. والرغبة الجامحة في «تحقيق النصر».
ولكن، ما قيمة النصر على داعش وتحرير المدن من إرهابييه، إن لم يكن يجلب السلام معه؟!
بالنسبة ليّ، الحفاظ على بذور السلام، يجب أن يكون في مقدمة الأجندات. وإلا فالانتصارٌ مؤقت.. عسكريٌ وحسب.
ما يحقق الانتصار الدائم، هو السلام الدائم .. والفرصة متاحة!