مجتمعنا الكوردي مطالب بالتحرك العاجل لنصرة المرأة ومناهضة التحرش الجنسي بها
أربيل – سبتمبر ٢٠١٥
ملخص دراسة متخصصة من نتاج منظمة المسلة لتنمية الموارد البشرية، وفي اطار حملة شهرزاد، بالتعاون مع مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي.
قام بالدراسة الميدانية الباحثة الدكتورة شنو خليل
مقدمة
التحرش الجنسي ظاهرة إجتماعية يعاني منها اقليم كوردستان العراق، والنساء والفتيات هن الغالبية العظمى لضحايا التحرش الجنسي، بالرغم من أن الدراسات تشير لوجود فئات أخرى مثل المراهقين والأطفال والأقليات، قد يكونون بدورهم ضحايا للتحرش.
غالباَ ما يتم فهم التحرش الجنسي بالنساء بشكل خاطئ، لذا ظلَت هذه الظاهرة ولوقت طويل أحد المحرمات التي لا يجب التحدث عنها. لم يعتاد الناس حتى كلمة تحرش. إلا أن ذلك لا يعد مبرراً لتجاهل التحرش أو التظاهر بعدم وجوده، خصوصاً وأنه يحصل كل يوم من حولنا ونراه يحدث يومياً في شوارعنا.
التحرش الجنسي بالنساء جريمة وليس أبداً حدثًاً عادياً يمكننا تجاهله. كما وأنه من الخطأ إعتبار التحرش الجنسي “غلطة تقع على عاتق الضحية” : الشخص المتحرش به أو المعتدى عليه! أبداً، فالتحرش بأحدهم هو إختيار يتخذه المتحرش بغض النظر عن ملابس الشخص المعتدى عليه أو تصرفاته أو مكانه. لذلك لايمكن باي حال من الاحوال تبرير التحرش، باعذار تتعلق بملبس او مكان تواجد الضحية. فالشخص المتحرَش به ليس مسؤولاً عن التحرش الجنسي الذي يتعرض له لا بشكل كلي ولا بشكل جزئي.
تعريف التحرش الجنسي بالنساء
يصعب وضع تعريف دقيق للتحرش، لكن المقصود بالتحرش الجنسي بالنساء في هذه الدراسة، هو محاولة إستثارة المرأة جنسياَ دون رغبتها، ويشمل ذلك بأنه أي فعل أو كلام ذات طابع جنسي غير مرحب به يصدر عن الرجل، بحيث ينتهك به جسد أو خصوصية أو مشاعر المرأة مما يجعلها تحس بعدم الأمان أو الإحترام أو الإرتياح. التحرش لا يعني الممارسة الفعلية للجنس، وإنما ممارسة الأفعال الإيحائية التي تدل على الرغبة في ممارسة الجنس.
قد يختلط على البعض مفهوم التحرش والمضايقات الجنسية بمفهوم المعاكسة في الشارع، لكن الأمرين يختلفان تماماً وإن كانا في المحصلة قد يسببان الأذى للفتاة.
فالمعاكسة هوالتفلظ بعبارات الإعجاب بالطرف الآخر، أو عرض نفسه عليه للحب أو الزواج وقد تكون تلك العبارات صريحة أو رمزية ولكنها بكل الاحوال لاتسعى لاهانة واخافة الفتاة. أما التحرش فهو ظاهرة عنف ضد المرأة وهو غير نابع بالضرورة من دافع الرغبة الجنسية وحدها بل أحياناً من دافع التسلط والرغبة في إذلال الطرف الأخر وإهانته ويستمد هذا التحرش نوعاً من المشروعية من خلال التفوق السلطوي الإجتماعي – السياسي أو الثقافي الذي يتمتع فيه في المجتمع.
و قسم لايستهان به من التحرش يحصل عادة من قبل رجل في موقع قوة بالنسبة للمرأة، مثل المدرس والتلميذة، الطبيب والمريضة، أو بين صاحب محل و العاملة او المشترية، أو بين المدير و الموظفة أو حتى رجل دين ومتعبدة!
قد يحصل التحرش في الشارع، السوق، الدوائر الحكومية، داخل وسائل المواصلات، المدارس أو الجامعات، أمكان العمل، أماكن العبادة او الزيارة الدينية، العيادة الطبية، المنزل. كذلك ممكن ان يتم التحرش عبر وسائل الإتصال كالهواتف والإنترنت.
ويزيد التحرش في اماكن العمل والدراسة من معاناة المراة المكافحة التي ترغب بتكملة تعليمها او بممارسة عمل كريم ترزق منه. ولا يفرق مع المتحرش عادة كون الضحية فتاة بالغة او قاصرة او حتى ان كانت متزوجة.
دراسة التحرش خطوة اولى لفهم الظاهرة والتفكير في معالجتها
وبالنظر لكون التحرش الجنسي بالنساء ظاهرة شائكة وحساسة، لذا جاءت هذه الدراسة لتبرز وبكل وضوح ماهية هذه الظاهرة في أقليم كوردستان العراق وأشكالها وأبرز الأماكن التي تتم فيها، كل ذلك بغية الوقوف على أسبابها ووضع تصورات لمعالجات إجتماعية وقانونية – تشريعية لحلها ولمعالجة وتخفيف اثرها في شوارعنا و مدارسنا واسواقنا و اماكن العمل وغيرها من الاماكن العامة.
قامت الباحثة بإجراء دراسة إستطلاعية، من خلال أخذ عينة عشوائية مكونة من (٢٠٥) مفردة من النساء والفتيات لتغطي اهم مدن أقليم كوردستان العراق، وبواقع ٥٧ مفردة من مدينة دهوك، و ٦٥ مفردة من مدينة السليمانية، و ٨٣ مفردة من مدينة أربيل. تمت الدراسة خلال النصف الاول من عام ٢٠١٥.
وأكدت نسبة (75.6%) من العينة بأنهن تعرضن للتحرش، في حين أكدت نسبة (24.4%) منهن بأنهن لم يتعرضن له. وهذا يؤكد أن التحرش الجنسي بالنساء هي ظاهرة قائمة وموجودة بشكل كبير في المجتمع الكوردي. وهو امر غير مستغرب لان المجتمع الكوردي جزء من المجتمع الشرقي الذكوري الذي مايزال يحمل افكار قديمة توارثها من العادات والتقاليد البالية، تشمل هذه الافكار النظرة الدونية للمراة والاجتهادات الخاطئة حول كون عدم إحتشام المرأة سبب للتحرش بها.
أما بخصوص نوع التحرش الذي تعرضت لها المبحوثات، فقد إجابت نسبة (21.3%) إنهن تعرضن للتحرش اللفظي، ونسبة (35.5%) منهن تعرضن للتحرش بالنظر، ونسبة (9%) باللمس، في حين أكدت نسبة (32.2%) منهن أنهن تعرضن لكل الأنواع المذكورة أعلاه، أما نسبة (1.9%) منهن فقد أكدن بأنهن تعرضن للتحرش من أنواع أخرى منها التهديد والترهيب من قبل المتحرِش وكذلك التحرش من خلال وسائل الإتصال كالهواتف والإنترنت.
أما بصدد أكثر الأماكن التي تعرضت فيها المبحوثات للتحرش، فقد أجابت نسبة (36.1%) منهن بأنهن تعرضن للتحرش في السوق، ونسبة (22.6%) منهن في الشارع، ونسبة (1.3%) منهن في عيادة طبية، ونسبة (5.2%) منهن في أماكن عملهن، ونسبة (8.4%) منهن أثناء مراجعتهن للدوائر الحكومية، في حين أكدت نسبة (23.2%) منهن بأنهن قد تعرضن للتحرش في أكثر من إحدى هذه الأماكن، وأخيراً أكدت نسبة (3.2%) منهن بأنهن تعرضن للتحرش في أماكن أخرى غير التي تم ذكرها كمنازل أقاربهن وأصدقائهن.
وحول الوسيلة أو الطريقة التي تتعامل بها المبحوثات مع المتحرش بهن، فقد أجابت نسبة (76.1%) منهن بأنهن يفضلن السكوت وتفادي المتحرش، في حين أكدت نسبة (23.9%) منهن بأنهن يقمن بردع المتحرش ومواجهته وفضحه.
وإختار (48.3%) من العينة عدم القيام برفع دعوى قضائية ضد المتحرش بهن، و أكدت نسبة (12.1%) منهن بأن السبب هو الخوف من رد فعل العائلة، ونسبة (52.5%) منهن قد أكدن أن السبب هو الخوف من الفضحية وتشويه السمعة، بينما أجابت نسبة (16.2%) منهن بأن السبب يكمن في صعوبة اثبات جريمة التحرش، في مقابل نسبة (11.1%) منهن أكدن بأن المتحرش بهن سوف يفلت من العقاب، وأخيراَ فقد أثبتت نسبة (8.1%) من المبحوثات وضمن فقرة أسباب أخرى بأن السبب هو تفاهة الموضوع وعدم إهتمامهن بالأمر أصلاً.
وحول إطلاع المبحوثات على القوانين الخاصة بجريمة التحرش الجنسي، فقد أكدت نسبة (25.9%) منهن أنهن على علم ودراية بالقوانين التي تجرم التحرش، في مقابل نسبة (74.1%) منهن قد أكدن عدم درايتهن بهذه القوانين.
وشخصت المبحوثات نقطتين مهمتين حول الجانب القانوني، الاولى هو ضعف القوانين التي تجرم التحرش، اما الثانية فهي تجنب المواطن و منفذي القانون عن التدخل قانونيا في مسال التحرش كونها مسائل حساسة ، قد تثير خلافات عشائرية ومنها الفصل العشائري وغيرها من وسائل الإبتزاز الموجودة الآن في ظل غياب سلطة القانون في المجتمع الكوردي خاصة والمجتمع العراقي بشكل عام.
هل مظهر المراة ومكان تواجدها وساعته، له علاقة بالتحرش
حتى في عينة هذه الدراسة كان هناك رأيان بخصوص مظهر المراة وملبسها وعلاقته بالتحرش، الأول يؤكد بأنه ليس للرجل الحق بأن يتحرش بالمرأة في حال كانت ترتدي ما يغريه، فحرية الملبس جزء من الحرية الشخصية، وليس لاحد الحق في إستباحة جسد المراة فقط لكونها لبست ما يغري. ويتذكر المواطن العراقي بان المرأة في السبعينات كانت ترتدي ملابس أكثر إغراءاً ومع ذلك لم يكن الرجل يتحرش بالمرأة بالشكل الذي يحدث الآن.
ويبدو ان عدم انتشار التحرش في فترة السبعينيات من القرن الماضي تعود لأن الفرد كان ينبذ التحرش كفعل ، وانه كان يخاف رد فعل المجتمع المحيط به الذي كان ينبذ التحرش. مما يعني أن التحرش هو نتاج إختلال في المنظومة القيمية للمجتمع ككل وللمتحرِش بشكل خاص.
أما الرأي الثاني فيؤكد أن المسؤولية في التحرش بالنساء هي مسؤولية مشتركة. فالمرأة من خلال عدم إحتشامها في الملبس تشجع التحرش بها، فهي حرة في حريتها الى الحد الذي لا يتجاوز حرية الاخرين، فملابس المرأة وزينتها تثير غريزة الرجل الذي لا يستطيع كبح جماع شهواته أو بسبب قلة وعيه وثقافته لاسيما في المجتمع الشرقي مما يدفعه أحياناً الى التحرش بالمرأة.
كذلك فقد اكد (56.6%) بأن تواجد المرأة في الأماكن المزدحمة والمغلقة قد يمنح المتحرش فرصاً أكثر للتحرش بها، بينما رفضت نسبة (43.4 %) منهن أن يكون المكان هو السبب.وأظهرت الدراسة أن نسبة (54.1%) منهن يعتقدن ان التواجد خارج المنزل لوقت متاخر يعني التعرض اكثر للتحرش. في مقابل نسبة (45.9%) منهن قد رفضن بأن يكون ذلك سبب للتحرش بالمرأة.
أثر التحرش الجنسي على المراة نفسي واقتصادي واجتماعي !
وتؤكد الدراسة بان للتحرش الجنسي على المراة اسباب بالدرجة الاولى نفسية، فقد أكد (74.6%) من المبحوثات بأن التحرش يؤثر نفسياً عليهن، في حين أظهرت نسبة (15.6%) من العينة بأن التحرش قد يؤثر سلباً على ظروفهن الإقتصادية، وهو امر متوقع لان تفشي التحرش الجنسي يعني تعطيل المراة عن العمل وابعادها عنه. وأكدت نسبة (9.8%) منهن بأن الأضرار تكون إجتماعية في بعض الأحيان، بسبب رد فعل العائلة والمجتمع من حول الضحية.
العادات والتقاليد سبب السكوت عن التحرش وهو الامر الذي يؤدي الى تفاقم الظاهرة وازديادها
فقد أكد (62%) من أفراد العينة أن عادات المجتمع سبب من أسباب إنتشار وبقاء هذه الظاهرة وذلك لأن المجتمع الكوردي مجتمع تقليدي يحكمه العيب والحرام وهذا غالباَ ما يدفع المرأة الى السكوت في حال تحرش بها الرجل خوفاَ من لوم المجتمع وتحميلها المسؤولية.
كما و أظهرت الدراسة أن (77.6%) من العينة أكدن أن سكوتهن قد يكون السبب لإستغلال ضعفهن والتمادي أكثر عليهن. الرجل وان كان هو مرتكب التحرش ، دائما في موقف القوة، ومن تجرؤ على الشكوى واللجوء للقانون فقد تتعرض الى التحرش من قبل الشرطة نفسهم. وتخاف الضحية من اتهامها بانها هي السبب وانها تشوه سمعة عائلتها اذا ما ذهبت للقضاء او الشرطة.
التوصيات: إن التصدي لظاهرة معقدة كظاهرة التحرش بالنساء تتطلب جهوداً كبيرة ومركزة من قبل العديد من الجهات سواء كانت حكومية أو غير حكومية أو المؤسسات التربوية أو الأسرة نفسها. وادناه اهم التوصيات التي خرجت بها هذه الدراسة:
أ – توصيات موجهة للدولة
- وضع التشريعات الكفيلة للوقوف بوجه الظاهرة والحد من إزديادها وتشديد العقوبات ضد مرتكبيها
- تدريب رجال الشرطة على كيفية التعامل مع قضايا التحرش الجنسي، وتكثيف الوجود الأمني ومساندة الضحية.
- إنشاء مكاتب خاصة لتلقى شكاوى التحرش الجنسي، موظفيها نساء ورجال معدين للتعامل مع هذه الحالات.
- مراجعة المناهج الدراسية للتأكيد على المساواة وان الاماكن العامة بضمنها الاسواق والطرق واماكن الترفيه مخصصة للجميع ذكور واناث، وتوجيه الجيل الجديد نحو رفض سلوك التحرش والتجاوز على حرية الاخرين الشخصية.
ب – توصيات موجهة لمختلف فعاليات المجتمع المدني
- ندعو منظمات المجتمع المدني لتنفيذ برامج وانشطة تستهدف رفع الوعي القانوني والإجتماعي لكل فئات المجتمع لاسيما المرأة بالتحرش كجريمة وكفعل منبوذ، تشجيع المرأة على رفع دعوى قضائية وفضح المتحرش في حال تعرضها للتحرش الجنسي، وتامين دعم المجتمع للضحية.
- ندعوا الشباب لفتح حوارات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي للتوعية والتنبيه لمخاطر الظاهرة، حوار بين الشباب من الجنسين كبديل للعنف واللامساواة وبناء مجتمع متمدن تحكمه قيم العدالة والمساواة بين الجنسين وإحترام الآخر.
- ندعو وجوه المجتمع من أساتذة الجامعات والأعلاميين والممثلين والفنانين ورؤساء العشائر ورجال الدين وأعضاء البرلمان، كل بحسب إمكانياته وقدراته، الإضطلاع بأدوارهم بنشر ثقافة المساواة والتوعية بان الاماكن العامة مخصصة للجنسين.
- ندعو الأسرة لتشجيع الإهتمام بالثقافة الجنسية داخل الأسرة، وتشجيع الشباب على مناقشة سبل حماية انفسهم واحترام حرية الاخرين وتعزيز قيم المساواة بين الجنسين دون أي تمييز.