عائلات الموصل تعاني بين مطرقة المعارك وسندان المخيمات
في المسجد الصغير لقرية شهرزاد العراقية امتلأت المراحيض بأكوام من المخلفات البشرية وتناثرت القمامة حول الحديقة بينما جلست نساء مع أطفالهن الرضع في المصلى ونام عشرات آخرون على بطانيات رقيقة في العراء.
وتكدس 50 شخصا في منزل مهجور تعرض للقصف على مقربة من المسجد وغطوا غرفه بالورق لنيل بعض الخصوصية بعد يومين من هروبهم من المعارك في الموصل إلى هذه المنطقة على المشارف الشرقية للمدينة.
ويقول الجيش العراقي إن المنطقة آمنة الآن وإنه يوزع الغذاء على الأسر النازحة ومعظمهم جاءوا من حي الانتصار حيث تقاتل القوات العراقية تنظيم الدولة الإسلامية في هجوم لاستعادة السيطرة على الموصل المعقل الرئيسي الاخير للمتشددين في العراق.
لكن عثمان فاضل ليس مطمئنا. ويجذب فاضل ابنه البالغ من العمر أربعة أعوام بعيدا عن حفرة في الأرض بها قذيفة لم تنفجر. وحددت الأسر مكان الحفرة بقطعتين من الطوب. وفي وقت سابق هذا الأسبوع أصيب مدني واحد على الأقل في شهرزاد في إطلاق النار.
ويقول فاضل “يجب أن نخرج من هنا. جبهة القتال في الانتصار وليس هنا. لكن لا يزال الوضع هنا غير آمن. أوضاعنا المعيشية لا تحتمل. يوجد طعام لكن هذا هو كل شيء.. لا توجد مساعدة طبية.. لا شيء. الأطفال بدأوا يمرضون.”
وتريد أسرة فاضل المكونة من سبعة أفراد أن تغادر المنطقة وتتجه إلى مخيم الخازر على بعد نحو 30 كيلومترا إلى الشرق حيث تأمل في أن تكون الأوضاع أفضل. لكنهم يربضون منذ يومين في ظل عدم وجود وسائل نقل أو مخرج.
وهذه الأسرة من بين عدد متزايد بسرعة من الناس الذين يهربون من الموصل فيما بدأت المخيمات حول المدينة تعج بالنازحين الذين لم يعد لكثير منهم منازل يعودون إليها.
وتقول مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين إن قرابة 48 ألف شخص هربوا من منازلهم منذ أن بدأت العملية المدعومة من الولايات المتحدة لاستعادة الموصل الشهر الماضي.
وتقول أيضا إن مئات الآلاف قد يتشردون بسبب المعارك التي تتحول إلى حرب مدن طويلة الأمد ضد التنظيم المتشدد.
وقال جندي في شهرزاد إنه على ثقة بأن المعركة لانتزاع حي الانتصار وهو من عدد قليل من أحياء الموصل دخلتها القوات العراقية بعد أسابيع من المعارك ستنتهي قريبا بالنصر.
وأضاف قائلا “من الأفضل أن تبقى الأسر هنا بدلا من أن تذهب إلى المخيم وبهذه الطريقة يمكنهم أن يعودوا إلى منازلهم بعد طرد الدولة الإسلامية.”
لكن الكثيرين في شهرزاد قالوا إن منازلهم دمرت وإنهم لا يريدون ان يغامروا بالاقتراب من جبهات القتال بعد أن لاذوا بالفرار.
وقال فاضل “وجدنا أنفسنا محصورين وسط القصف من الجانبين. في بعض الأحيان تقصف داعش المدنيين عمدا.”
وتسببت انفجارات في اصابة جلال الدين ابن فاضل بشبه الصمم. وأظهر فاضل سجلات الصبي الطبية التي كُتب فيها الطبيب إنه في مرحلة متوسطة إلى شديدة من فقدان السمع.
وقال فاضل “إنه بحاجة للعلاج. ربما في المخيم نستطيع أن نبدأ في البحث عنه. نحن بحاجة لأن نذهب هناك.”
ولا يعمل نظام الصرف الصحي في شهرزاد ويشعر الأهالي بالقلق من أن أطفالهم قد يصابون بأمراض بسبب الأوضاع المزرية.
وتقول عائشة تركي وهي تحمل ابنتها الرضيعة “الطعام الذي يوزعه الجيش معظمه أرز وخبز. هذه الطفلة بحاجة لحليب الاطفال.. إنها تعاني أيضا من البرد أثناء الليل وليس لدينا مأوى حقيقي.”
وقالت منظمة الصحة العالمية يوم الجمعة إن نحو 70 بالمئة من النازحين الجدد يعيشون في مخيمات وإن آلافا آخرين اختبئوا حيثما استطاعوا مثلما هو الوضع في البيوت الخرسانية المتهالكة في شهرزاد.
وتقول الأمم المتحدة إن من المتوقع أن تزداد أعداد الهاربين وإنها توزع مؤن الشتاء مع انخفاض درجات الحرارة.
وفي وقت لاحق يوم الجمعة وصلت بضع شاحنات عسكرية إلى القرية وبدأت الأسر تصعد اليها.
وبالنسبة للموجة المقبلة من الهاربين من حي الانتصار فإن قرية شهرزاد البائسة ستكون ملاذهم ولن يعرفوا إلى متى سيبقون فيها.
رويترز : (إعداد ليليان وجدي للنشرة العربية – تحرير وجدي الالفي)