منظمة حرية المرأة في العراق تطالب بضرورة تعديل “قانون الحماية من العنف الأسري”
بيان صحفي
كل شهر، تتلقى المشارح العراقية عشرات الوفيات من النساء اللاتي قتلن على أيدي الرجال الأقرب لهن، كالزوج أو الزوج السابق اوالآب او الأخ اوالشريك أو الخطيب، معظم هذه الحالات يتم تهميشها والتغاضي عنها لدرجة التجاهل بحجة ان ما قام به هؤلاء الرجال كان دفاعاً عن شرف العائلة اوالقبيلة. هؤلاء الرجال يرتكبون هذه الجرائم بدون أن يتم محاسبتهم او معاقبتهم. و هذا دليل قاطع على أن المرأة لا يُنظر إليها على أنها مواطنة كاملة الحقوق، بل مجرد أداة تحت تصرف الرجل، يمتلكها ويستعبدها ويعاملها أسوء معاملة وقد يقوم بقتلها أحياناً. لذلك، فإن هنالك حاجة ملحة لإصدار قانون لوضع حد للإهمال الحكومي لهذه القضية وتجاهل إرتفاع حالات العنف ضد المرأة الذي يؤدي إلى وفاة ما يقارب ألف امرأة سنويا.
على مدى السنوات ال14 الماضية، نشطت منظمة حرية المرأة في العراق في النضال النسوي، جنبا إلى جنب مع منظمات أخرى عديدة. هدفنا هو حماية المرأة من العنف الذكوري ورفع صوتهاعالياً من أجل المطالبة الجماعية بأن يتم احترامها من قبل بلدها و قوانينه والحفاظ على حياتها. الحكومة العراقية رفضت توفير السند القانوني لتأمين منازل وملاجئ خاصة للنساء. وقبل عامين، ناشدت منظمة حرية المرأة في العراق المجتمع الدولي و مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ، من اجل حماية الملاجئ في العراق، وأرسل المجلس توصية إلى الحكومة العراقية لحماية النساء والسماح بعملية توفير وسهولة الوصول للملاجيء الخاصة بالنساء.
وكما حدث في الماضي، صاغت الحكومة العراقية وبرلمانها تشريعات تتعلق بالعنف المنزلي وراء الأبواب المغلقة، دون التشاور مع المنظمات النسوية العراقية التي تعمل على الأرض. فأي نقاش بين أعضاء البرلمان وأعضاء المنظمات مثل منظمة حرية المرأة لم يحدث، لا في مضمون التشريع، ولا حول فعاليته، وما إذا كان يضمن حماية الأجيال القادمة من النساء في العراق أم لا. إنه من غير المسؤول من جانب الحكومة ان تقوم بصياغة هذه الوثائق دون الاستفادة من المشورة التي يمكن للمنظمات النسوية العراقية ان تقدمها.
بعد كتابة المسودة الأولى لقانون العنف الأسري من قبل لجنة المرأة والطفل البرلمانية عام 2015، تم عرض التشريعات والعمل عليها داخل المنظمات شبه الحكومية الأبوية. ومن المضحك اننا لم نحصل على نسخة من المسودة الا بعد طلبات عديدة ومتكررة من قبل بعض الأفراد الذين شعروا بالمسؤولية لإتخاذ إجراء. كما وتفاجأنا بعقد السفارة الأمريكية للقاء مع المنظمات النسوية يوم ال16 من الشهر الجاري، من اجل دعم ورعاية هذا القانون. إن الغزو الأمريكي للعراق هو الذي خلق نظاماً سياسياً وبالتالي نظاماً اجتماعياً طائفياً وقبلياً ومتطرفاً دينياً، حيث لا تقدر فيه حياة المرأة. ومن المفارقات أنهم من جهة، هم الذين دمروا واقعنا النفسي والمادي، وكذلك الأساس الذي يقوم عليه المجتمع المدني، ومن جهة أخرى، يرعون الآن إقرار قانون لحماية المرأة.
وعلى الرغم من تحيز الهيئة التشريعية للحكومة ومعاداتها للمرأة، قررت منظمة حرية المرأة في العراق العمل وفقاً للمسؤوليات النسوية، ودراسة وتحليل القانون المقترح. حيث نقدم هنا ما لدينا من ملاحظات واعتراضات عليه. و نود ان نوضح بأننا نؤيد اعتماد قانون يحمي النساء من العنف وينقذ المئات من النساء من الموت سنوياً. الا ان هذا القانون يتطلب العديد من التعديلات ليكون فعالاً في حماية المرأة، وليس بمثابة وسيلة أخرى لإخضاع النساء لمطالب الأسرة التي يهيمن عليها الذكور والقبيلة.
إن التعديلات المقترحة والتي تم إرسالها لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في ديسمبر 2016 مرفقة مع هذا البيان. وإعتراضاتنا فهي كما يلي:
1- إن التشريع لا يعترف بوجود أعمال عنف محددة ضد المرأة: حيث ان عنوان القانون يدل على تخصصه بالعنف داخل الأسرة، والذي قد يكون موجهاً نحو أي فرد أو جميع الافراد داخل الاسرة بصورة متساوية، في حين أن الواقع يقول أن النساء هم الضحايا الرئيسيين للعنف العائلي؛ ويمكن أن تشهد المشارح في العراق على ذلك. العنف بين ألاخوين أو بين الأب والابن لا يمكن التعامل معه بنفس الطريقة التي يتم التعامل بها مع العنف الذكوري ضد المرأة.
فالأعراف الاجتماعية، والمبادئ الدينية، والقانون الجنائي، كلها أمور تضعف وضع المرأة ذات العلاقة برجل داخل الوحدة الأسرية. ولتعتبر ضحية للعنف، سيتم إستجواب سلوكها وأخلاقها بحيث يقع الخطأ عليها. وبالتالي، فإن علاقات الزواج لا تكون علاقة واحدة بين شخصين متساوين، بل بين شخصين غير متوازنين. رجل ذو سلطة وامرأة مقهورة.
إن “قانون الحماية من العنف الأسري” يضفي الشرعية على هذا التفاوت الاجتماعي في حين يجب أن يهدف إلى تحقيق المساواة الاجتماعية داخل الأسرة العراقية.
ولذلك، فإننا نقترح ان يتم تغيير إسم القانون ليصبح “قانون حماية النساء من العنف الأسري”.
2- ترتيب الاولويات بين المصالحة الأسرية وسلامة المرأة: في العديد من أجزاء هذا التشريع، يتم إعطاء الأولوية للمصالحة الأسرية، دون ذكر أو النظر فيما إذا كانت الضحية لا تزال غير آمنة وخاضعة للعنف داخل الأسرة. وعلاوة على ذلك، هناك أقسام في التشريع تعكس عدم الاكتراث إلى حق المرأة في العيش داخل بيئة آمنة. فالتشريع لا يقدم لها هذا الحق ولا يوفر الحماية الرسمية من قبل الدولة. وينعكس هذا أيضا في القيود المفروضة على المدة التي يسمح بها للمرأة أن تبقى داخل ملجأ، قبل ان يتم إعادتها إلى زوجها. ولذا فإننا نقترح أن يتم تعديل القانون لتحديد أولويات السلامة للمرأة قبل كل شيء.
3- ينبغي تقديم الإصلاح والتأهيل للمعتدي، وليس للضحية: فعلاج الضحية كما لو أنها هي المسؤولة عن العنف الذي يقع عليها يعتبر تجريماً لها. وهو نهج معادي للنساء والناجين من العنف المنزلي، وإدامة للأسطورة القائلة بأن المرأة هي المسؤولة عن ما يقع عليها من سوء معاملة، وانها هي من أغضبت زوجها، فأخلت المعتدي تماماً عن المسائلة، وكأنه لا يملك إرادة و عقل. فعلى الرغم من أن المعتدي قد ارتكب جريمة، الا انه ليس هنالك اي ذكر للحاجة لإصلاحه وإعادة تأهيله اجتماعيا أو نفسياً، وهو أمر لا يجسد سوى أمثلة على الطرق التي ينحاز بها المشرعون لصالح الرجل ضد المرأة.
التحيز الذكري يصر على ان مصدر هذه الجريمة يكمن داخل المرأة، و التشريع لا يهدف إلى منع العنف ضد المرأة من قبل الذكور، بل لإخفاء الندوب التي ينتجها هذا العنف. يعامل القانون النساء على أنهن ناقصات، غير كفؤ، وبحاجة إلى إعادة تأهيل، في حين لا يتم التعامل مع المعتدي على هذا النحو، على الرغم من كونه مجرم، وبالتالي سبب الجريمة. هذا الفهم للعنف ضد المرأة يتنافى مع الحقائق الموجودة على أرض الواقع؛ فالنساء بحاجة إلى دعم من خلال توفير مأوى تحترم فيه إنسانيتها، كالملاجيء الني وفرتها منظمة حرية المرأة خلال العقد الماضي، والتي تتناقض مع الملاجئ الحكومبة التي تنقل المرأة مؤقتا من البيئة المسيئة وتعامل الضحية كمجرمة، وتحرمها من بيئة آمنة لفترة طويلة تكفيها لتطوير نفسها اجتماعياً واقتصادياً.
ولذلك فإننا نقترح ان يتم تعديل البنود التي تقترح الإصلاح وإعادة تأهيل الضحية، لتكون موجهة لإصلاح وإعادة تأهيل الرجل الذي يعاني من حالة نفسية تجعله يعتقد أنه من الطبيعي ان يقوم بتعنيف وإلحاق الأذى بالآخرين من اجل حل مشاكله.
4- مراكز الإيواء الحكومية اصبحت بمثابة سجون جديدة للنساء: إن توفير الملجأ و السكن الآمن هو حجر الزاوية الأساسي لحماية المرأة وسلامتها في المجتمع. فالتشريع الذي تم إعداده ينهج الى إيواء النساء بطريقة غير رسمية وضحلة، فجعل التشريع وزارة الداخلية هي المسؤولة عن إيواء النساء فيه، بإعتبارها امتداداً للإدارة التي تدير السجون والمرافق الإصلاحية. وبذلك يتم سجن الضحية في حين يترك مرتكب الجريمة حراً وبدون استجواب قانوني جدي او تحقيق في الجرائم التي ارتكبها. يجب أن يكون هنالك فصل في التشريع يصف مفهوم الملاجئ، والغرض منها ووظيفتها، بدلاً من تقليل أهميتها بإستخدام مصطلح “الملاذ الآمن”. بدلا من ذلك، لقد سمعنا من المنظمات الأخرى التي كانت تشجع من اجل ان يتم الاشارة الى الملاجئ بإسم “الملاذات الآمنة”، والتي من المفترض أن تحمي كرامتها وتحميها، ولكنها تسمح في نفس الوقت لتلك المنظمات بتجنب المواجهة مع المشرعين.
قد تكون هذه محاولة غير مقصودة، ولكنها على الرغم من ذلك فهي محاولة ضارة لتجنب مواجهة القضية المطروحة تماما: وهي أن المرأة تحتاج إلى إيواء من العنف الذي يقع عليها من قبل الذكور على وجه التحديد، لكونه مرض اجتماعي واسع النطاق تحتاج للحماية منه. بالإضافة إلى ذلك، فإنهم يستخدمون المصطلحات القانونية للحصول على اسم القانون سيراً على خطى قوانين حكومة إقليم كردستان، بدلا من ان يستخدموا ما يعكس رؤية النساء ويُكتب بلغة قائمة على اساس الحقوق.
ينبغي أن يمنح هذا القانون منظمات حقوق المرأة مثل منظمة حرية المرأة في االعراق الحق في إدارة الملاجئ من أجل حماية المرأة، وينبغي أن تضمن الحكومة الاعتراف الكامل بدور المنظمات النسوية في حل النزاعات، فضلا عن حماية وإيواء النساء من العنف.
5- ينبغي تحديد مستشار كطرف ثالث لتقديم المشورة ومساعدة النساء في جميع مراحل الحماية: يجب أن يضع القانون إجراءات من شأنها أن تسمح لضحايا العنف الذكوري بتلقي الدعم العملي والقانوني والاجتماعي، والتشاور، وتلقي المشورة من طرف ثالث ذو خبرة واسعة في مثل هذه الحالات. كما وينبغي إشراك النساء المدافعات عن حقوق الإنسان والناشطات النسويات في هذه العملية لأنهن من ذوي الخبرة والكفاءة في المدافعة على الضحية في جميع مراحل الحماية والتمكين.
6- العقوبات والتدابير لمنع ضرب وقتل النساء: العقوبات المنصوص عليها في القانون يجب أن تكون جادة في ردع العنف ضد المرأة: فإما السجن لمدة شهر على الأقل أو دفع غرامات وتعويضات للضحية تتناسب مع حجم الجرم الواقع عليها. اما في حال التهديد بالقتل، فالرجل الذي يقوم بتهديد امرأة بالقتل يجب أن يتم سجنه مباشرة دون تأخير يتبعه تقديم المساعدة النفسية والاجتماعية له. وينبغي ان يتم مصادرة السلاح الذي بحوزته من قبل السلطات مباشرة، وعدم اعادته له إلا بعد فترة طويلة من العلاج وموافقة الأطباء النفسيين المسؤولين عن علاجه. ويتعين على المشرعين أيضا أن يتخذوا خطوات لإلغاء الفقرات في قانون العقوبات والتي تسمح بالتغاضي عن قتل النساء الذي يتم بذريعة الحفاظ على “الشرف”.
7- ينص القانون على تشكيل مجالس لإتخاذ القرارات بشأن القضايا المتصلة بحماية المرأة والتي من شأنها أن تضم ممثلين عن الوزارات المعنية (أي لجنة المرأة والطفل). ومع ذلك، ليس هنالك اي اقتراح لتشمل هذه المجالس ممثلين عن المنظمات النسوية الذين لديهم الخبرة والمعرفة والمهارات اللازمة للتعامل مع هذه القضايا. يجب أن يكون لهذه الجهات المختصة القدرة على التأثير على القرارات التي تتخذها هذه المجالس وان يتم تخصيص عدد من المقاعد \ الأصوات مساوٍ لعدد ممثلي الوزارة. ينبغي أيضا أن تدرج هيئة استشارية دولية في هذا المجلس وذلك للتنسيق مع المؤسسات الرقابية الدولية.
قامت منظمة حرية المرأة في العراق بإيواء وحماية اكثر من 500 امرأة ممن واجهن العنف وتعرضن للتهديد بالقتل في السنوات ال 14 الماضية. لقد قمنا بذلك بدعم من المجتمع الدولي والحركة النسوية العالمية. وقد حان الوقت لكي تعترف الحكومة العراقية بجهود منظمات حقوق المرأة وان توفر العقوبات القانونية بالاضافة الى دعم الملاجيء التي وفرتها منظمتنا والتي ادت العمل الشرعي المطلوب بموجب هذا القانون. ان الجهود التي تبذل للحفاظ على مهمة إيواء النساء حصراً للحكومة لا يمكن فصلها عن الجهد الأبوي الذي يهتم قليلا على مر السنين لضمان حياة كريمة للآلاف من النساء الضعيفات. وفي الحقيقة إن المئات من النساء قد استعدن حقهن في هذه الحياة الكريمة بمساعدة الملاجئ التي تديرها منظمة حرية المرأة وهذا يمثل مصدر فخر بالنسبة لنا.
لذلك نحن لن نتخلى عن حقنا كمدافعين عن حقوق المرأة ولن نقدم تنازلات بشأن دورنا الذي أنقذ وسيواصل في إنقاذ مئات بل الآلاف من النساء. ولهذا فإننا ندعو إلى إدراج فقرات وتعديل فقرات اخرى بما يضمن الحق القانوني للمنظمات النسائية مثل حق منظمة حرية المرأة في العراق بإدارة الملاجئ المخصصة للنساء.
لقد طلبنا من مكتب يونامي بعقد اجتماع عام يضم كلاً من المشرعين لقانون الحماية من العنف الأسري والمنظمات النسائية الذين لديهم خبرة في مكافحة العنف ضد المرأة، بطريقة مشابهة للاجتماع الذي عقد حول قانون العمل والذي تم النقاش فيه بين المشرعين والنقابات العمالية. لن نقبل بتشكيل وتشريع القوانين من وراء الأبواب المغلقة والتي تسمح للمشرعين والمنظمات شبه الحكومية التي تديرها الدولة لتمرير ما يريدون، ضد إرادة المرأة العراقية. هذا القانون يؤثر على حياتنا كنساء ويمس حياة الأجيال القادمة من الإناث، ويقع على عاتق كل من يهتم ببناء مجتمع سليم يحترم كافة حقوقنا في العراق.
ينار محمد – رئيس منظمة حرية المرأة في العراق