المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

النساء هن أفضل سلاح في الحرب على الإرهاب

فورين بوليسي

thumb

إذا كان ثمة خيط مشترك يصل بين الحركات المتطرفة التي أسرت الاهتمام العالمي في العام المنصرم، من شمال نيجيريا إلى شمال العراق، ومن سورية والصومال إلى ميانمار وباكستان، فهو الآتي: في كل حالة من هذه الحالات، ترافق تقدم المجموعة المتطرفة المعنية مع هجمات شرسة استهدفت حقوق النساء والفتيات. وقد روت الأيزيديات اللواتي هربن من أسر “الدولة الإسلامية” قصصاً مروعة عن النساء والفتيات اللواتي يتاجر بهن ويقايضهن المقاتلون، واللواتي “يتزوجن” بالقوة، ويُجبرن على تغيير دينهن، ويتعرضن للاغتصاب المتكرر. وتتكرر تفاصيل هذه الانتهاكات الجماعية المرعبة في روايات الفتيات النيجيريات اللواتي هربن من أسر مجموعة “بوكو حرام”، وفي حكايات النساء الصوماليات اللواتي تحررن من حكم حركة “الشباب”، وفي أوصاف الحياة في ظل مجموعة “أنصار الدين” الإسلامية في شمال مالي.

ربما يتغير الاسم والمكان، لكن الأجندة المشتركة ونوع العمل الذي تمارسه كل هذه الجماعات المتطرفة يتلخصان دائماً تقريباً في وضع قيود على وصول النساء إلى التعليم والخدمات الصحية، والحد من مشاركتهن في الحياة الاقتصادية والسياسية، وفرض الإخضاع والتبعية من خلال استخدام العنف المرعب. وتشكل هذه الانتهاكات النهاية القصوى للموجة العالمية من الأصولية المحافظة، لكنها تشكل أجندة مشتركة يتقاسمها المتطرفون من جميع الأديان، والذين يبدو جهدهم متركزاً دائماً على قمع استقلال المرأة، والعودة إلى أدوار جندرية مرسومة عفا عليها الزمن.
مع ذلك، وفي حين يضع المتطرفون إخضاع المرأة وتبعيتها في مقدمة أجندتهم، فقد شكل تعزيز المساواة الجندرية مرحلة متأخرة وحسب من استجابة المجتمع الدولي للتطرف. يجب تدارك هذا الإخفاق. يجب على المجتمع الدولي أن يدرك، كما يفعل المتطرفون، أن المرأة المتمتعة بالتمكين هي أساس تكوين المجتمعات القوية والمستقرة -المجتمعات التي يمكن أن تقف بحزم ضد التطرف. وذات مرة، قالت عالمة الاجتماع زينب الحضري، التي عملت لأكثر من عقدين من أجل تعزيز حقوق المرأة والقيادة في النيجر، إن كل خطوة يتم إحرازها إلى الأمام في اتجاه حقوق المرأة، إنما تشكل جزءاً من النضال ضد الأصولية.
قبل خمسة عشر عاماً، اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 1325، والذي ينص على أهمية مشاركة النساء في كل مجالات صنع السلام والأمن، بما في ذلك منع النزاعات وتسويتها، وبناء السلام. وجاء ذلك القرار تتويجاً لعقود من النشاط، والذي بلغ ذروته في فكرة ثورية واحدة -أن السلام يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمساواة الجندرية بين الرجال والنساء. وتبين الأدلة الدامغة المستلة من كل أنحاء العالم أن تمكين النساء يشكل قوة هائلة للنمو الاقتصادي، والاستقرار السياسي والاجتماعي، وتحقيق السلام المستدام. كما ترتبط المساواة الجندرية ومشاركة النساء في قوة العمل وتوليد الدخل بتحقيق حصة أعلى للفرد من الناتج المحلي الإجمالي؛ ويؤدي وصول النساء المتساوي إلى الأراضي والمدخلات الزراعية الأخرى إلى زيادة الإنتاجية الزراعية وخفض مستويات الجوع في العالم؛ كما يزيد إشراك النساء في بناء السلام وبقوة من احتمالات وضع نهاية للعنف. وليس من قبيل المصادفة أن النساء في المجتمعات التي تكون فيها مؤشرات المساواة أعلى، يكن أقل عرضة لآثار التطرف العنيف. وفي العام الماضي، قام مجلس الأمن، أعلى هيئة معنية باتخاذ القرار حول السلام والأمن الدوليين، بتعزيز التزامه من خلال تمرير قرار يقضى بالمتابعة، وتعهد بإشراك أصوات النساء ومساهمتهن في كل مجالات العمل، بما في ذلك مكافحة الإرهاب.
ولكن، وفي الوقت الذي تزايدت فيه القوة السياسية (وقوة النيران) للمجموعات المسلحة المتطرفة، كذلك فعل التركيز على الحلول العسكرية والحلول القائمة على أسس أمنية لإيقاف تقدم هذه المجموعات. ويبرر حجم وحدّة العنف والمعاناة بوضوح ظهور رد فعل دولي يستخدم كل الأدوات الفعالة الممكنة -بما فيها القوة. لكن على المجتمع الدولي أن يتعلم من أخطاء الماضي. إن عمليات مكافحة الإرهاب القائمة على العسكرة تعطل النشاط الاقتصادي والاجتماعي، وتدمر البنية التحتية المدنية -المدارس، الأسواق، والمرافق الطبية التي تعتمد عليها النساء في إدوار الرعاية التقليدية. وعندما تركز الحكومات مواردها على الأعمال العسكرية المكلفة، فإن الوزارات المدنية، مثل الصحة، وخدمات الأسرة، والتعليم، تكون هي الأولى التي غالباً ما تواجه الخفض في الميزانيات. كما تتسبب حالات تشريد المدنيين بجعل النساء والفتيات عرضة للعنف الجنسي والعنف القائم على الجندر، بما في ذلك، وبتكرار مروع، الجرائم التي ترتكبها القوات الأمنية التي يفترض فيها أن تحميهن في المقام الأول.
يشكل الفشل في منع هذه التأثيرات السلبية إهمالاً متعمداً، وهو ما يقود إلى جعل المرأة ضحية متكررة، ويفضي في نهاية المطاف إلى المزيد من الفقر، والمزيد من اليأس، والمزيد من التطرف. وتنطوي الاستجابات العسكرية ضد التطرف دائماً على خطر إيقاع خسائر مدنية وتهدد بدفع الشباب والشابات المهمشين إلى صفوف المتطرفين. وفي واقع الأمر، وكما تكشف التقارير الإعلامية المتزايدة، فإن فتيات مراهقات يهربن من منازلهن وأوطانهن ويذهبن للانضمام إلى هذه المجموعات. ويشير هذا كله في اتجاه واضح: لا يمكن التعامل مع الصراع ضد التطرفية، ولا يجب أن يتم التعامل معه، على أنه تمرين عسكري في كليته، ولا حتى في أغلبيته. وفي حين يكون استخدام القوة في بعض السياقات وضد بعض المجموعات ضرورياً، فإنه يجب أن يحدث دائماً في داخل حدود القانون الدولي، وبهدف تأمين مساحة للنساء المحليات أنفسهن لتأسيس وحماية حقوقهن وحقوق عائلاتهن ومجتمعاتهن.
في أيلول (سبتمبر) الأخير، وفيما جاء في جزء منه استجابة لصعود تنظيم “الدولة الإسلامية”، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2178. ودعا ذلك القرار، للمرة الأولى، إلى تعزيز تمكين النساء من أجل وقف انتشار التطرف العنيف. ثم في الشهر التالي، أصدر رئيس مجلس الأمن بياناً يعيد فيه تأكيد أدوار المرأة في مكافحة التطرف. وقد حان الوقت لتحويل هذه الكلمات إلى إجراءات عالمية ذات معنى.
يقوم عدد من المنظمات في كل أنحاء العالم، مثل “نساء بلا حدود” و”صندوق بيمان” باستثمار الدور الاستراتيجي للأمهات والمربيات في بناء أنظمة إنذار مبكر عندما يشتبهن بأن أزواجهن، أو أبناءهن أو بناتهن، ربما يكونون متورطين مع جماعات إرهابية. وبينما يبقى هذا الشأن مهماً، فإن على المجتمع الدولي أن يعمل هو أيضاً على منح الأولوية لمشاركة النساء، وقيادتهن وتمكينهن في شبكات الوقاية والاستجابة. ويشكل ذلك عاملاً حاسماً في معالجة الاختلالات الهيكلية التي يقوم عليها العنف المتطرف، ولضمان أن لا تظهر مجموعة متطرفة جديدة تحل محل المجموعات العنيفة التي يتم تدمير قدراتها. وكما كتبت علاء المرابط، المدافعة الليبية القوية عن حقوق الإنسان، في كانون الأول (ديسمبر)، فإن النساء من بناة السلام هن اللواتي يقدن المعركة ضد التطرف عن طريق تحدي أسبابه الجذرية: “إننا نذهب إلى منازل المتطرفين، ومدارسهم وأماكن عملهم. إننا نتحدث إلى أولئك الذين يعتقدون بأنه ليس لديهم بديل”.
تبدو الطريق إلى الأمام واضحة تمام الوضوح. يجب على المجتمع الدولي أن يضطلع بالتحدي المتمثل في مصاحبة العمل العسكري بالحكم الرشيد، وحقوق الإنسان، والتنمية -بما في ذلك تمكين النساء وتحقيق المساواة الجندرية. ومع أنه يمكن للطائرات من دون طيار، والغارات الجوية والجنود على الأرض أن يوقفوا تقدم الجماعات المتطرفة، فإن هذه الأدوات لا تستطيع وحدها أن تهزم الإيديولوجيات المتطرفة، ولا أن تبني عائلات ومجتمعات محصنة.
 وسوف يكون تمكين المرأة أفضل المحركات للتنمية، وأفضل أمل لتحقيق المصالحة. إن النساء هن أفضل رادع ضد تطرف الشباب وتكرار دورات العنف. وقد شكلت النساء والفتيات دائماً أول أهداف الهجوم -ويجب أن يكون لتعزيز حقوقهن الأولوية الأولى في إطار الاستجابة للهجوم.