المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

خارجة عن نفوذ الحكومة: منطقة قنديل.. إقليم داخل إقليم كردستان

حزب العمال الكردستاني

نقاش – سامان عمر

اتخذ حزب العمال الكردستاني لنفسه منطقة داخل إقليم كردستان تتمتّع بقوانين ونظم خاصة وهي غير خاضعة لسلطة حكومة الإقليم

عشرون دقيقة فقط سيرا بالسيارة من ناحية سنكسر التابعة لقضاء بشدر (170 كم شمال شرق السليمانية) تكفي لتجاوز آخر نقطة لسلطة حكومة الإقليم والوصول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة حزب العمال الكردستاني والتي يسمونها “إقليم حماية ميديا”.

المنطقة هي سفح جبل قنديل والواقعة ضمن المثلث الحدودي بين العراق وإيران وتركيا، فبعد اجتيازك لآخر نقطة تفتيش تابعة للآسايش في الاقليم هناك طريق وعرة وملتوية توصلك الى اول نقطة تفتيش تابعة لحزب العمال الكردستاني وبمجرد رؤيتك لصورة كبيرة لعبد الله اوجلان زعيم الحزب المسجون تدرك انك وصلت إلى منطقتهم.

وتعد قنديل إحدى أكثر المناطق بردا والتي لا تنقطع عنها الثلوج على مدار الفصول الاربعة وقد ثبت حزب العمال الكردستاني سلطته فيها منذ بداية التسعينات من القرن الماضي ومنذ ذلك الحين لم ينقطع عنها قصف الطائرات الحربية التركية والإيرانية.

تمثل المنطقة إقليما مستقلا سياسيا، اذ لا يجري العمل بأي قانون او نظام او سياسة عسكرية أو أمنية لحكومة الاقليم في تلك الرقعة الجغرافية، فبمجرد الوصول الى المنطقة ينقطع الاتصال بالمناطق المحيطة لان خطوط الهاتف النقال والانترنيت لا تعمل هناك فيما يقول قرويو المنطقة ان حزب العمال لا يسمح بوصول التكنولوجيا الى المنطقة من اجل حماية الأمن وخشية تسلل الجواسيس.

ويفيد إحصاء لبلدية سفح قنديل ان أكثر من ثمانية آلاف مواطن منقسمين على (26) قرية يعيشون تحت سلطة حزب العمال في قنديل، وهم منشغلون بحياتهم الطبيعية ورعاية المواشي والبساتين والنحل ولا ينخرطون في العمل السياسي الا بقلة، الا أنهم أصبحوا عرضة لتهديد الطائرات الحربية التركية ولاسيما في الأعوام الأخيرة.

يقول سرحد فارتو المتحدث باسم لجنة العلاقات الخارجية في منظومات المجتمع الكردستاني (كوما جفاكين كردستان– كه جه كه) لـ”نقاش”:  حول ذلك “لقد أدى قصف الطائرات الحربية التركية الى تدمير اكثر من (100) منزل واستشهاد العشرات من المواطنين الأبرياء فقد تم قصف منطقة قنديل منذ منتصف عام 2015 وحتى الان أكثر من (90) ساعة”.

ونظم قرويو سفح قنديل نظام حياتهم وعند حدوث مشكلة اجتماعية يقومون بحلها بينهم فيما يقول مسؤولو حزب العمال في المنطقة انهم سيتعاونون في حل مشكلات القرويين اذا تمت استشارتهم كما لا يمنعون القرويين اذا أرادوا نقل مشكلاتهم الى المحاكم الخاضعة لسلطة حكومة الإقليم بهدف حلها.

لكن يبدو ان حكومة الإقليم سحبت يدها عن المنطقة تماما لأنها لا تخصص لها أية ميزانية كما تركت الإدارة والخدمات لحزب العمال، فيما يأخذ حزب العمال سنويا مبلغا من المال من قرويي قنديل كجباية عن عملهم في تربية النحل والمواشي.

ويقول بيوند نبي وهو من سكان احدى القرى التابعة لقنديل ويعمل في تربية المواشي والنحل، لـ”نقاش”: “يقبض منا مبلغ خمسة آلاف دينار عن تربية كل (100) صندوق من النحل وبين اربع الى خمس مواشي عن  كل (100) رأس من الأغنام”.

تلك الواردات لا تكفي لإدارة المنطقة بحسب سرحد فارتو الذي قال عن الوضع المالي لحزب العمال: “هناك بين (40-50) مليون كردي في جميع انحاء العالم ومعظم هؤلاء الأكراد يؤمنون بالثورة والنضال ويقومون بمساعدتنا”.

تتمتع المنطقة ببلديتها الخاصة التي تدير شؤون المواطنين والخدمات اليومية، وحول ذلك قال محمد حسن الرئيس المشترك لبلدية سفح قنديل لـ”نقاش”: لقد “أهملت هذه الرقعة الجغرافية من قبل حكومة الاقليم وقد أنشأنا منذ عام 2009 وبمساعدة القرويين بلدية سفح قنديل بهدف إدارة أمور المواطنين في المنطقة وإيصال الخدمات للسكان”.

 حزب العمال منح المنصب لمحمد حسن منذ ثماني سنوات ولم يتم تغييره منذ ذلك الوقت، ويقول احد القرويين وهو قروي من قنديل فضل عدم ذكر اسمه الكامل لـ”نقاش”: انه “تم تعيين رئيس البلدية من قبل حزب العمال دون انتخابات ولكننا ننتخب مجالس القرى بأنفسنا”.

واعرب القروي عن قلقه من تواجد حزب العمال في منطقتهم لان الطائرات الحربية التركية الحقت أضرارا كبيرة بأراضي وحقول القرويين وبساتينهم بسبب تواجد حزب العمال حسب قوله، مضيفا: “لو لم يتواجد حزب العمال في المنطقة لما تضررنا بهذا الشكل” الا ان الذين يدعمون حزب العمال ليسوا بقليلين ولهم رأي مخالف.

تواجد حزب العمال في المنطقة يمثل مبعث انزعاج لحكومة الإقليم ولاسيما للحزب الديمقراطي الكردستاني لأنه استقطع جزءا من مناطق حكم الإقليم لنفسه ويطبق فيها قوانينه ما تسبب في اندلاع جولات من القتال بين حزب العمال وقوات البيشمركة اواسط التسعينات.

مسؤولو الحزب الديمقراطي شددوا في العديد من تصريحاتهم على ضرورة أن يخلي حزب العمال المنطقة ويعود إلى تركيا ولكن لم يول حزب العمال تلك الدعوات أي اهتمام لكن النائب عن الحزب الديمقراطي ورئيس لجنة الداخلية والأمن في برلمان كردستان ناظم كبير قال ان تواجد مسلحي حزب العمال في قنديل غير قانوني وغير دستوري.

 وأضاف لـ”نقاش”: ان “الدستور ينص على انه لا يحق لأية قوة خارج وزارة البيشمركة التواجد على اراضي الاقليم وان تواجد حزب العمال في قنديل هو انتهاك واضح للقانون والدستور وسيادة الاراضي العراقية أيضاً”.

عند اندلاع التوترات والاشتباكات بين القوات التابعة لحزب العمال والحزب الديمقراطي قرب سنجار اوائل شهر آذار (مارس) الماضي لوحظ تحرك قوات الحزب الديمقراطي قرب قنديل كما ظهرت مخاوف من خطر اندلاع الاشتباكات بينهما في المنطقةلكن هذا الامر لم يحدث.

في الجهة المقابلة اتخذ حزب العمال استعداده الكامل ولكنهم أيضا يستبعدون اندلاع التوتر ومع ذلك يقول سرحد فارتو: “اننا على اهبة الاستعداد لاي هجوم قد يشن علينا من الداخل او من الخارج”.

ومنذ ما يقرب من ربع قرن يستقر حزب العمال الكردستاني في اقليمه الذي انشأه داخل اقليم كردستان ولم يجبره القصف التركي المستمر والقصف الإيراني من حين لآخر على إخلاء المنطقة وبالتالي فمن الصعب ان تتمكن السلطة الكردية من إعادة تلك المنطقة الى سلطة اقليم كردستان قريبا.